انفوجراف.. الحصاد الأسبوعي لأنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي    نشرة التوك شو| مصر تقود جهود إقليمية لوقف إطلاق النار بغزة وارتفاع درجات الحرارة يُفاقم الحرائق    الجيزة: إدراج شوارع حيوية بالطالبية ضمن خطة الرصف والتطوير    حدث أمني صعب في خانيونس وسط عمليات إجلاء جوي إسرائيلية    أولمرت: اليهود يقتلون الفلسطينيين في الضفة الغربية ويرتكبون جرائم حرب    سيناتور روسي يوضح ما تعكسه الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي    البث العبرية: نتنياهو يعقد اجتماعًا الليلة بشأن صفقة التبادل    عائلة أمريكي قُتل في الضفة تتهم المستوطنين وتطالب واشنطن بالتحقيق الفوري    "ضمن صفقة شكري".. الكشف عن تفاصيل رحيل ثنائي النادي الأهلي    اللقب الثالث تواليا يضيع.. الشرطة بقيادة مؤمن سليمان يودع كأس العراق بركلات الترجيح    عودة منتخب الشباب للتدريبات.. وفرصة جديدة ل 50 لاعبا    رابط الاستعلام.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025    اليوم.. محاكمة 23 متهمًا في "خلية اللجان النوعية" بمدينة نصر    نرمين الفقي وسط البحر وابنة عمرو دياب جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    عيار 21 يسجل أقل مستوياته.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأحد بعد الانخفاض الأخير    بزنس الموت والإبادة فى غزة.. تقرير أممي يكشف 60 شركة عالمية كبرى تعمل فى خدمة الاحتلال الاستيطانى والصهيوني.. أساتذة قانون دولى: ترتكب جرائم ضد الإنسانية تستوجب مساءلتها    الأونروا: توزيع المواد الغذائية بالنظام الحالي ساحة قتل جديدة    مع بدء دراستها من «المركزي».. تسوية المدفوعات بالعملة المحلية مع الصين تعزز التجارة البينية وتقلص الضغط على النقد الأجنبي    رئيس شعبة الأسمنت: الأسعار مستقرة والناس لا تعترض بعد التراجع الكبير في الأسبوعين الماضيين    القضاء الإداري يتلقى طعنا لاستبعاد مرشحين من انتخابات مجلس الشيوخ بالقليوبية    محمود أبو الدهب: زيزو كان لازم يمشي من الزمالك "ومنكرش خير النادي"    انتخابات الشيوخ بأسيوط.. القائمة محسومة وصفيح ساخن على الفردي    خاص| الدبيكي: تمثيل العمال في «الشيوخ» ضرورة وطنية لتحقيق التوازن التشريعي    تسجل 43 درجة.. بيان مهم يكشف طقس الساعات المقبلة وموعد عودة الأمطار الرعدية    للمرة الثانية.. سيدة تضع مولودها داخل سيارة إسعاف بقنا    العثور على جثماني سيدة وفتاة داخل السيارة الغارقة بترعة نكلا بالحيزة    رسميًا.. إلغاء اختبارات القدرات لعدد من كليات تنسيق الجامعات 2025 وتحديد ضوابط القبول الجديدة    اتهامات السرقة تلاحق مها الصغير، فنانة سويدية تتهم الإعلامية بالاستيلاء على تصاميمها الفنية واستغلالها تجاريًا    «عجائب قريتي».. رواية جديدة لماهر مهران    نجاح فريق الجراحة بمستشفى الفيوم العام في إنقاذ طفل بعد انفجار بالأمعاء الدقيقة    مصرع شخص تحت عجلات القطار بمركز المراغة بسوهاج    وكيل اللاعب: رغم بيان بيتروجت إلا أن المفاوضات مستمرة لانتقال حمدان للزمالك    بعد أزمة الإنترنت.. WE تكشف آلية تعويض المستخدمين    رئيس وزراء العراق: اتفاق تركيا والعمال الكردستاني مفيد للمنطقة    مغلق من 13 عامًا.. عمرو سمير عاطف: غياب قصر الثقافة حرم أجيالًا من الفن والمسرح    المنيا تطلق مدرسة تكنولوجية لربط التعليم بسوق العمل    7 أسباب شائعة وغير متوقعة لرائحة التعرق الكريهة    سعر الفراخ البيضاء وكرتونة البيض بالاسواق اليوم الأحد 13 يوليو 2025    رئيس مياه الإسكندرية: تطوير مستمر لخدمة العملاء واستجابة فورية لشكاوى المواطنين    «زي النهارده».. وفاة كمال الدين رفعت أحد الضباط الأحرار 13 يوليو 1977    رسالة جديدة من مودريتش بعد رحيله عن ريال مدريد    في انتظار مكالمة مهمة.. حظ برج العقرب اليوم 13 يوليو    محمد سمير يعلن اعتزاله كرة القدم    أزمة الوفد وانتخابات الشيوخ    يمنع امتصاص الكالسيوم.. خبيرة تغذية تحذر من الشاي باللبن    ماء الكمون والليمون.. مشروبات فعالة في التخلص من الغازات والانتفاخ    خالد عبد الفتاح: فضلت الرحيل عن الأهلي بسبب «الدكة».. وزيزو لاعب كتوم    يومان متبقيان| زيزو ينتظر العودة لتدريبات الأهلي «صورة»    بتهمة تجارة المخدرات.. المشدد 6 سنوات لسائق توك توك في الوراق    «الصحة» تدعم مستشفى كفر الدوار العام بجهاز قسطرة قلبية ب 23 مليون جنيه    كأول فنانة هندية.. ديبيكا بادوكون تتسلم نجمة ممشى هوليود    طاقم مصرى يصل الليل بالنهار.. ماكينات حفر الخط الرابع للمترو لا تتوقف    الاتصالات: تفعيل خطط بديلة بعد حريق سنترال رمسيس لإعادة الخدمة تدريجيا    هل الوضوء داخل الحمام صحيح؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    رئيس جامعة الأزهر: آية الدعاء في عرفة تقسم الناس إلى فريقين.. وأقوال المفسرين تكشف دقة التوجيه القرآني    ما هو أقل ما تدرك به المرأة الصلاة حال انقطاع الحيض عنها؟.. الإفتاء تجيب    بائع مصري يدفع غرامة 50 دولارًا يوميا بسبب تشغيل القرآن في تايمز سكوير نيويورك.. ومشاري راشد يعلق (فيديو)    باحث بمرصد الأزهر: التنظيمات المتطرفة تستخدم الخوف كوسيلة للسيطرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التليفون الأسود
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 02 - 2016

فى انتظار مكالمة لا تأتى أبدا.. تلك التى من شأنها أن تنقذ روحا من الإعدام، ظل التليفون الأسود القديم قابعا فى مكانه.. على الطاولة المخصصة له، المصنوعة من سلوك سوداء وحمراء وصفراء متشابكة، وعلى رفها السفلى دفتر التليفونات الضخم. لسنوات وسنوات كان التليفون الأسود «أبو قرص» وأرقام كبيرة بيضاء هو المتعارف عليه فى بيوتنا، بعد أن حل محل التليفون «أبو مانفلة» الذى ارتبط فى الأذهان بدوار العمدة وكلمات «آلو يا مركز».. تظل تلف فى «المانفلة» حتى ترد عليك عاملة السنترال فتمليها الرقم المطلوب.
وفى أحيان أخرى كثيرة كان على المتصل أن يتوجه إلى السنترال بشحمه ولحمه حتى يتسنى له إجراء مكالمة، لأن خطوط التليفون فى مصر عام 1952 لم يتجاوز عددها 62 ألف خط. وعندما يأتى دوره يتوجه نحو إحدى الكبائن الخشبية التى كان بعضها مبطنا لا يسمح بانتشار الصوت خارجها، وبعضها عاديا تتسرب منه الكلمات، فتسمع وأنت جالس فى موقعك بالصالة تفاصيل تسمح لك باستنتاج الباقى أو متابعة الحديث عموما. وهناك فى السنترال كانت عدة التليفون الأسود ذاته، قابعة مكانها، داخل الكابينة الخشبية.. لها وجود وحضور وكأنها شاهد على العصر وعلى العديد من المشاحنات وقصص الحب والفراق والموت والزواج والطلاق وخناقات الميراث وتقلبات السياسة وسوق المال وأوقات الصمت المطبق التى يكون احتمالها على الهاتف أقسى من الواقع.
***
شكل التليفون وتفاصيل ديكوره والكبائن الخشبية ثم الزجاجية ذات العملات المعدنية فى الشوارع، جميعها أصبحت من معالم زمن غابر، ينظر لها الجيل الجديد على أنها ضمن آثار حضارة قديمة يسمعون عنها. مظاهر حضارة أو ثقافة انتهت بانتهاء القرن العشرين، فبعضهم كبر مع التليفون المحمول خلال النصف الثانى من التسعينيات، ولم يعودوا يستسيغون فكرة التليفون المشترك أو الجماعى أو العمومى. صعب أن تشرح لهؤلاء الشباب فكرة وضع قفل كبير على التليفون الأسود الكلاسيكى حتى يتحكم الوالد فى الصادر والوارد من المكالمات، ولا فكرة أن ترتب مع أخيك الموجود بالخارج كى يتصل بالأسرة فى موعد محدد لدى أحد الجيران أو البقال أسفل المنزل، فيتشارك الجميع فى تفاصيل ما حدث على مدى الأسبوع. صعب أن تقنع أبناء هذا الجيل الذى يغير محموله كل سنة أو سنتين أحيانا، رغم ضيق ذات اليد، ألا يكون له تليفون شخصى لا يطلع أبواه على قائمة المتصلين، فهذا انتهاك للخصوصية، وأن تضع قيودا على استخداماتهم، فالتليفون هو أحد مؤشرات تطور العلاقات الاجتماعية والعائلية، منذ أن اكتشفه جراهام بيل سنة 1876 فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ أن دخل مصر بعدها بسنوات قليلة فى العام 1881 مع إنشاء أول خط تليفونى يربط بين القاهرة والإسكندرية.
***
حتى على مستوى الفرد يمكنك أن تتابع ما طرأ عليه من مستجدات من خلال علاقته بالتليفون: بعد الزواج تزداد كثافة الاتصال بالأهل، التى قد تعوض الزيارات، نظرا لضيق الوقت. وفى المقابل قد يتراجع حجم المكالمات الموجهة للأصدقاء. ومع وجود أطفال يطغى الطابع العائلى على المكالمات أكثر وأكثر. أما فى حالة الطلاق أو العيش منفردا يصبح للتليفون أهمية أكبر، وينطبق ذلك أيضا على الشباب. لا تراهم وهم يقفون فى الطابور أمام أحد الأكشاك بالقرب من الجامعة لكى يعبروا عن أشواقهم بصوت خفيض لا يمكن أن تسمعه مهما اقتربت ومهما بذلت من مجهود. ولا يصطفون فى السنترال، فتراقب سلوك أحدهم وهو قابض على سماعة التليفون الأسود مرة بعد المرة ومكالمة تلو الأخرى. وبدلا من أن كان استخدام التليفون فى بداياته مقصورا على أصحاب النفوذ والمال، ويعطى الأولوية للمكالمات الخاصة بالعمل وتسيير الأمور، أصبحنا نتكلم مجانا من خلال تطبيقات بعينها فنتابع ما تطبخه الابنة خلال حديثها مع الأهل، من بلد إلى بلد. يتابعون حياتها اليومية، إذا أرادت، ويتعرفون على بيتها عن بعد، حتى لو لم تتح لهم زيارته. تكتب لهم رسائل قصيرة على الهاتف، بدلا من الخطابات، وتتغير لغة التعامل والحديث والكتابة.
***
اختفى التليفون الأسود «أبو قرص» وصار مكانه الطبيعى محال بيع التحف، فهذا هو تطور العصر الذى لا يمكن الوقوف ضده. لا يمكن أن تفرض على جيل أدوات ومفاهيم زمن انتهى.. فحتى الأفلام كانت العديد من نهاياتها ستتغير بوجود المحمول، فلن ينتظر الأبطال مكالمة مجهولة أو حاسمة، وهم ملتفون حول تليفون أسود قديم، فى انتظار ما لا يأتى أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.