يورو 2024| التعادل بهدف يحسم الشوط الأول من مباراة بولندا وهولندا    رئيس ميناء دمياط: نشهد طفرة كبيرة فى مؤشرات الأداء التشغيلية    النائب أيمن محسب: حياة كريمة رسمت البهجة فى قلوب الأسر الفقيرة بعيد الأضحى    نتنياهو يهاجم قادة الجيش الإسرائيلي مجلس الحرب المستقيلين: «يريدان تغيير أهداف الحرب»    الشرطة الألمانية تطلق الرصاص على شخص يهاجم المارة بفأس فى مدينة هامبورج    «الزراعة»: استقبال 10 آلاف أضحية بالمجازر أول أيام عيد الأضحى    جامايكا تبحث عن انتصارها الأول في الكوبا    شكوكو ومديحة يسري وصباح.. تعرف على طقوس نجوم زمن الجميل في عيد الأضحى (صور)    "ولاد رزق 3".. وجاذبية أفلام اللصوصية    «صامدون رغم القصف».. أطفال غزة يحتفلون بعيد الأضحى وسط الأنقاض    دار الإفتاء توضح حكم التكبير في أيام التشريق عند المالكية    أعمال يوم النفر الأول.. شعائر مباركة ووداع للديار المقدسة    مباحث البحيرة تكثف جهودها لكشف غموض العثور على جثة شاب في ترعة بالبحيرة    بمناسبة عيد الأضحى المبارك.. الداخلية تقيم إحتفالية لنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل وتفرج عن 4199 نزيل ممن شملهم العفو (صور)    تدشين كنيسة «الأنبا أنطونيوس والأنبا بولا» بنزلة سعيد بطما    موسكو تحرر بلدة زاجورنويه.. وكييف تتصدى لهجمات روسية    "يمكننا العودة باللقب".. رونالدينيو يوضح تصريحاته بشأن عدم مشاهدة البرازيل في كوبا أمريكا    تركي آل الشيخ يكشف إيرادات "ولاد رزق 3" بعد 4 أيام من عرضه    يقام ثاني أيام العيد.. حفل أنغام بالكويت يرفع شعار "كامل العدد"    الرياضة: 6 آلاف مشروع ومبادرة شبابية في جميع المحافظات    انفراجة في موجة الحر.. الأرصاد تتوقع انخفاض درجات الحرارة    أهم العادات الغذائية الصحية، لقضاء عيد الأضحى بدون مشاكل    مجازاة مفتشي ومشرفي التغذية في مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للتقصير    ضبط 290 قضية مخدرات خلال 24 ساعة    شروط القبول في برنامج إعداد معلمي تكنولوجيا والتعلم الرقمي بجامعة القاهرة    الرى: عمل التدابير اللازمة لضمان استقرار مناسيب المياه بترعة النوبارية    "قصور الثقافة": فعاليات مكثفة للاحتفال بعيد الأضحى    طريقة حفظ لحوم الأضاحي وتجنب تلفها    قوات الاحتلال تطلق قنابل حارقة تجاه الأحراش في بلدة الناقورة جنوب لبنان    مشايخ القبائل والعواقل والفلسطينيين يهنئون محافظ شمال سيناء بعيد الأضحى المبارك    القبض على عصابة الشرطة المزيفة في الشيخ زايد    "ابني متظلمش".. مدرب الأهلي السابق يوجه رسالة للشناوي ويحذر من شوبير    «التخطيط»: تنفيذ 361 مشروعا تنمويا في الغربية بتكلفة 3.6 مليار جنيه    رونالدينيو: أشجع البرازيل فى كوبا أمريكا واللاعبون الشباب يحتاجون للدعم    حصاد أنشطة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في أسبوع    سباليتي يضع خطة مقاومة إسبانيا    3 فئات ممنوعة من تناول الكبدة في عيد الأضحى.. تحذير خطير لمرضى القلب    ريهام سعيد: «محمد هنيدي اتقدملي ووالدتي رفضته لهذا السبب»    شاعر القبيلة مات والبرج العاجى سقط    كرة سلة.. قائمة منتخب مصر في التصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس 2024    محمد صلاح يتسبب في أزمة بين اتحاد جدة والنصر    محادثات أمريكية يابانية بشأن سبل تعزيز الردع الموسع    محافظ كفر الشيخ يشارك أطفال مستشفى الأورام فرحتهم بعيد الأضحى    وزير الإسكان: زراعة أكثر من مليون متر مربع مسطحات خضراء بدمياط الجديدة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأحد 16 يونيو 2024    وزيرة التضامن توجه برفع درجة الاستعداد القصوى بمناسبة عيد الأضحى    ما أفضل وقت لذبح الأضحية؟.. معلومات مهمة من دار الإفتاء    بالصور.. اصطفاف الأطفال والكبار أمام محلات الجزارة لشراء اللحوم ومشاهدة الأضحية    قائمة شاشات التليفزيون المحرومة من نتفليكس اعتبارا من 24 يوليو    محافظ السويس يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد بدر    المالية: 17 مليار دولار إجمالي قيمة البضائع المفرج عنها منذ شهر أبريل الماضى وحتى الآن    ارتفاع تأخيرات القطارات على معظم الخطوط في أول أيام عيد الأضحى    حاج مبتور القدمين من قطاع غزة يوجه الشكر للملك سلمان: لولا جهوده لما أتيت إلى مكة    لواء إسرائيلي متقاعد: أي قرار لنتنياهو بمهاجمة حزب الله سيجلب محرقة علينا    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى بمسجد ناصر الكبير    ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس عيد الأضحى    توزيع الهدايا على الأطفال بساحات كفر الشيخ في صلاة عيد الأضحى    قبلها بساعات.. تعرف على حُكم صلاة العيد وما وقتها وكيفية أدائها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحقيقة السياسية الأولى فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 01 - 2016

ليست هناك حقيقة سياسية واحدة تحلق خارج زمنها منفلتة من كل تحد وسياق.
عند هذه اللحظة من التاريخ فإن «ثورة يناير» هى الحقيقة السياسية الأولى فى مصر.
لا تجاوزها بالإقصاء متاح ولا نفيها بالادعاء ممكن.
‫«‬يناير» مسألة شرعية دستورية تخطيها قفز إلى المجهول ورهان على الفوضى.‬‬
بقدر عمق تجربتها وفداحة تضحياتها فهى مسألة ضمير عام.
مسائل الضمير العام يصعب تحديها دون عواقب وخيمة.
قوة «يناير» من تطلعها إلى الالتحاق بعصرها فى التحول إلى مجتمع ديمقراطى حر يوسع المجال العام ويصون الحريات.
فكرة الحرية تكاد تهيمن بصورة كاملة على مخيلة الأجيال الجديدة إلى حدود الإلهام.
أى متابعة جدية لإبداعاتهم الأدبية وذائقتهم الفنية تكشف عن مركزية فكرة الحرية.
بحسابات المستقبل فإنها مسألة يستحيل التراجع عنها.
فى أى صدام مع المستقبل النتائج مقررة سلفا والحساب سوف يكون عسيرا.
مصالحة الدولة مع شبابها من متطلبات بناء أرضية صلبة لشرعية مستقرة تفسح المجال أمام المستقبل أن يتدفق.
الإفراج عن المحكومين وفق قانون التظاهر خطوة رمزية لابد منها لفتح حوار ضرورى مع الأجيال الجديدة بلا وصاية تملى واستعلاء يفشل دوما.
رغم ما تبدو عليه «يناير» من انكسار فالمستقبل لها.
قد لا يدرك المحبطون أنها أقوى حقيقة سياسية فى بلادهم ككل ثورة أخرى مرت على مصر.
لسنوات طويلة تأكدت قوة ثورة (1919) رغم ما تعرضت له من محاولات كسر شوكتها.
ولسنوات طويلة أخرى تأكدت قوة ثورة (1952) رغم الحروب التى شنت عليها.
الثورات ليست نزهات فى التاريخ.
المعنى الوحيد لثورة «يونيو» التى أطاحت جماعة الإخوان من الحكم استعادة «يناير» التى اختطفت.
إذا لم يعد الأصل إلى مجراه فإننا داخلون إلى أزمة شرعية لا محالة.
فى العادة تنتقل شرعية الثورات إلى الدساتير.
الثورة عمل استثنائى والدستور فعل مؤسسى.
الأولى، تهدم النظام القديم.. والثانى، يؤسس لنظام جديد.
إذا ما عادت أشباح الماضى بسياساتها وأساليب حكمها فإن شرخا مدمرا ينال من «الشرعية الدستورية».
وهذه مسألة دولة قد تجد نفسها داخلة إلى أزمات قاسية فى لحظة حرب على الإرهاب.
الهجوم على «يناير» يصب فى المجهود الحربى للإرهاب كأن الوجوه التى تسب وتلعن تعبئ البنادق بالرصاص الذى يضرب ويقتل.
‫«‬يناير» قبل وبعد ذلك كله مسألة ذاكرة تستعصى على النسيان وتساؤل يطرح نفسه بإلحاح: هل هذا هو الحصاد؟‬‬
فى قلق التساؤل نيل من الشرعية ومشروع اضطراب.
إذا لم تتسق السياسات مع التضحيات فإن كل احتمال وارد.
قوة «يناير» من حجم المشاركة الشعبية الواسعة التى كسرت دولة الفساد وأدواته التى مارست أسوأ أنواع التنكيل بالكرامة الإنسانية.
عندما أعلن الرئيس الأسبق «حسنى مبارك» تخليه عن الحكم هتفت الجموع المحتشدة فى الميادين والشوارع: «ارفع رأسك فوق.. أنت مصرى».
هذا الهتاف الجماعى عبر عن شعور عميق بالمهانة جراء سياسات النظام الأسبق وتطلع لا يمكن تجاهله إلى سياسات أخرى تعلى من شأن الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان وحريات التعبير والعدل الاجتماعى.
كأى رسالة مماثلة فى التاريخ فإنه يصعب محوها من الذاكرة أو العودة مرة أخرى إلى السياسات التى استدعت الثورة.
نقطة ضعف «يناير» الأساسية أنها ثورة بلا رأس ولا قيادة ولا برنامج وضع أهدافها قيد التنفيذ.
جرى التلاعب بأهدافها على نحو سمح بالسطو على جوائزها واختطاف فعلها من غير أصحابها.
رغم الأخطاء الفادحة التى ارتكبت فإن إلهامها لا يزال ماثلا بقوة.
كلما ارتفعت حدة الحملات عليها تأكدت صلابتها.
بحسب الفيلسوف الفرنسى الأشهر «جان بول سارتر» فلكل قرن فلسفة كبرى تصبغ تفكيره العام والسجال حولها هو محور كل المناظرات والصراعات.
رغم انتسابه إلى الفلسفة الوجودية إلا أنه رأى فى «الماركسية» فلسفة القرن العشرين.
على ذات القياس كان «مشروع ثورة يوليو» هو الحقيقة السياسية الوحيدة فى النصف الثانى من القرن العشرين بتعبير الأستاذ «محمد حسنين هيكل».
كل الصراعات السياسية تمحورت حوله بسياسات تنفى وحملات تشهر.
التشهير من اختبارات قوة الثورات ومدى رسوخها فى الضمير العام.
رغم ذلك كله أكدت «يوليو» وجودها فى الشارع، كما أكدته فى السلطة عندما قادت حركة الأحداث فى مصر والإقليم والقارة الإفريقية على عهد زعيمها«جمال عبدالناصر».
لماذا نجحت «يوليو» فى اختبار التشهير؟
ببساطة لأنها عبرت عن «المشروع الوطنى المتجدد».
تابعت ما كان قبلها وأضافت إليه.
لا ثورة تولد فجأة من فراغ المصادفات.
كان انحياز «يوليو» حاسما فى قضيتى «العدالة الاجتماعية» و«التحرر الوطنى» ونقطة ضعفها طبيعة نظامها السياسى.
بلا مشروع لا شرعية تتأسس أو تقدر على مقاومة الضغوط عليها.
بعكس «يوليو» لم يتسن ل«يناير» سلطة الحكم.
ورثت «يوليو» لكنها لم تضف تجربة عملية تثرى المشروع الوطنى المتجدد.
أزمة «يناير» أنها لم تؤسس لمثل هذا المشروع ولم يكن بوسعها أن تضيف وتصحح ما قبلها من ثورات وتجارب.
جرت محاولات متعسفة لاصطناع تناقض بين«يوليو» و«يناير» خسرت فيها فكرة الثورة اتصالها بحقائق مجتمعها وتاريخها كما أفقدت نفسها أى مرجعية تاريخية معاصرة ترشد دعوة العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى.
هناك الآن محاولات متعسفة أخرى لاصطناع تناقض مماثل بين«يناير» و«يونيو».
اصطناع التناقض يعنى بالضبط إجهاض فكرة الشرعية، فالدستور يصف «يناير» و«يونيو» بأنهما ثورة واحدة فريدة فى التاريخ.
إجهاض الأولى يفضى مباشرة إلى تقويض الثانية.
هذه كارثة غير محتملة فى بلد منهك.
بالنظر إلى حجم الأنين الاجتماعى لا يمكن تأجيل قضية العدل الاجتماعى أو التسويف فيها.
القضية تتعلق مباشرة باحتياجات البشر فى الصحة والتعليم والخدمات الأساسية والحق فى العمل وعائد الناتج القومى.
إنها قضية كل بيت فى كل يوم.
عندما يفتقد المواطنون الشعور بقيمة العدل فلا قيمة لأى إنجاز محتمل ولا إمكانية لتحمل أى تضحيات جديدة.
من مقتضيات العدل الاجتماعى ضرب مؤسسة الفساد لا التساهل معها كأنها أقوى من أى مؤسسة أخرى فى الدولة.
أكثر ما يقلق فى قضية المستشار «هشام جنينة» رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أنها تستخدم كغطاء لتبرير كل فساد وحماية كل مفسد.
هناك فارق جوهرى بين افتقاد أرقامه عن فاتورة الفساد فى مصر التى قال إنها (600) مليار جنيه فى عام (2015) لأى أسس منضبطة قابلة للتصديق والإقناع وبين استخدام خطأ حساباته لنفى الفساد كله.
قبل مساءلة «جنينة» لابد من الإجابة عن هذه الأسئلة:
أين قضايا الفساد المودعة فى الأجهزة الرقابية؟
لماذا لم تُحل حتى الآن لجهات التحقيق؟
بجملة قاطعة لا يمكن أن تتأسس شرعية على فساد.
فى جميع الملفات الأخرى تتبدى قوة «يناير» وأهدافها التى دعت إلى بناء دولة العدل والحرية.
ورغم كل ما تتعرض له من حملات ممنهجة تظل الحقيقة السياسية الأولى التى يدور حولها كل صراع ويمتحن كل موقف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.