عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زكى سالم يكتب عن أحلام فترة النقاهة الأحلام الأخيرة للأديب الكبير نحيب محفوظ «3»
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 01 - 2016

• يحتل الزعيم سعد زغلول مساحة كبرى من أحلام الأستاذ
• الأحلام تحيل القارئ لكثير من التأويلات والإشارات
أدعو القارئ الكريم أن يتمهل فى قراءة كل حلم من «أحلام فترة النقاهة» لأستاذنا العظيم نجيب محفوظ، وأن يتأمل بروية فيما وراء كلماته القليلة، فهذه الأحلام شديدة التكثيف، ومن ثم كل حلم يستدعى الكثير من المعانى والمشاعر والأفكار، ولذلك أحاول بقدر المستطاع ألا أسترسل طويلاً مع أى من هذه الأحلام المحملة بالإشارات والتنبيهات، وأسعى، كذلك، إلى لفت الانتباه لأهم ما فيها، من وجهة نظرى، وليس كل ما فيها، فهى تحتمل ما يصعب حصره من التأويلات والتفسيرات، ومن ثم قد ترى، يا صديقى العزيز، فى الحلم ذاته، أكثر من مغزى، إذا ما أعدت قرأته أكثر من مرة، ولعلك تصل إلى معان أعمق بكثير من المعنى الأول.
•••
فى حلم رقم (208): «وجدتنى فى مكتبى تزورنى السيدة (س) لتسلم على قبل رحيلها لإحدى البلاد العربية للعمل، ووضعت يدها فى يدى ولكنها لم تسحبها واغرورقت عيناها الخضروان بالدموع.
هذا النص المكثف يعد من أجمل القصص القصيرة التى قرأتها، طوال حياتى المليئة بالقصص، فهذه قصة مكتملة الأركان، إذ من خلال هذه الكلمات المعدودة، تجلت أمامنا حكاية مؤثرة للغاية تحكى بسلاسة ورقة عن الحنين، والحب، والوحدة والسفر، والعمل والعرق، والغربة والفراق، دون أن تستخدم أى من هذه التعبيرات المباشرة!
فالراوى جالس فى مكتبه، ومشغول بمشاغل الحياة اليومية، لكن حين تأتيه هذه الزيارة، غير المتوقعة، ينقلب حاله، وتشتعل عواطفه، ويعيد النظر فى ما جرى من أحداث حياته، فما بينه وبين هذه السيدة الرقيقة أمور كثيرة لا نعلمها، بيد أن ما بينهما جعلها تقرر أن تزوره وتسلم عليه قبل أن ترحل عن أرض الوطن، وتسافر إلى بلاد غريبة، لتعيش مع أناس غرباء عنها، من أجل بعض المال الذى يُدفع ثمنه غاليا جدا من عرق البشر ومعاناتهم، وأحيانا من كرامتهم أيضا.
ومن ثم لا تملك صاحبة العينين الخضراوين الدامعتين القدرة على أن تسحب يدها من يده، فهى لا ترغب أبدا فى هذا السفر القاسى، ولا هذا الفراق المؤلم، ولا أشياء أخرى كثيرة، لكن الأمور كلها مختلطة معا، ولعلك تتساءل، يا صديقى، عن صعوبة اقتلاع جذور الإنسان المزروعة فى أرض الوطن؟ ومدى عمق الألم الناتج عن فراق الأهل والأحبة؟ وعما حدث ويحدث مع كثير من المصريين، والمصريات العاملين فى بلاد الصحراء القاحلة؟
وتستدعى هذه القصة البديعة من ذاكرتى: «مالى أكتم حبا قد برى جسدى»، من أبيات شاعر العربية الأروع أبوالطيب المتنبى، إذ يقول:
«يا من يَعُز علينا أن نفارقهم... وجداننا كل شىء بعدكم عدمُ
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا... ألا تفارقهم فالراحلون هُمُ
شَرُ البلادِ مكانٌ لا صديق بِه.. وشَرُ ما يكْسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
هذا عتابُك إلا أنَه مقة... قَدْ ضُمِنَ الدُرَ إلا أنه كَلِمُ»
فالإنسان هو الإنسان فى كل زمان ومكان، ومشاعر البشر هى ذاتها، ودراما الحياة متشابهة للغاية، ومن ثم تلتقى ذروة الإبداع الأدبى عبر العصور، بل وعبر الثقافات المختلفة.
•••
وفى حلم (209): «وجدتنى مع الرئيس عبدالناصر فى حديقة صغيرة وهو يقول: لعلك تتساءل: لماذا قلت مقابلتنا؟ فأجبته بالإيجاب. فقال: كلما شاورتك فى أمر جاءت مشورتك بالاختلاف كليا أو جزئيا فخفت أن تتأثر صداقتى لك بهذا الموقف. فقلت: أما أنا فلن تتأثر صداقتى لك مهما اختلفنا».
هو الرئيس جمال عبدالناصر، وهو أيضا أى رئيس آخر، بيد أنه يختلف فى بعض الأمور عمن جاءوا بعده، فهو على الأقل يجلس فى حديقة صغيرة، أما من توسدوا بعده مقاعد الحكم، فقد تنعموا فى القصور المنيفة، أما الاستبداد الذى أرسى دعائمه، وانتهاكات حقوق الإنسان التى تميز بها عهده، فقد تواصلت واتسعت بواسطة حكام أخذ هيلمان السلطة عقولهم، وأفقدهم الإحساس بشعبهم الفقير.
وهذا الحلم يدور حول مشكلة مصر الكبرى عبر مختلف العصور، ألا وهى الاستبداد، النابع من حكم الفرد، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة!
فالديكتاتور حين يتشاور، حتى مع صديق، لا يقبل منه أى اختلاف فى الرأى، مهما كان الاختلاف بسيطا، فهو لا يقبل بأى درجة من الدرجات «شبهة المعارضة»، حتى لو كانت مجرد وجهة نظر أخرى يقولها صاحب مُقرب من الفرعون!
وهذا هو السبب الأول فى انهيار نظم الحكم الديكتاتورية وسقوطها، فحين يسود الرأى الواحد، ويُمنع أو يُجرم الرأى الآخر، فقل على البلد السلام.
وفى هذا الحلم نتابع منطق الحوار، غير المتكافئ، بين الحاكم الفرد، والمفكر الحر، فالحاكم لا يقبل إلى جواره إلا بمن يوافقه على رأيه، بينما المفكر الصادق يُصر دائما على قول كلمة الحق، مهما كان ثمنها غاليا، إذ هو يُدرك أن غياب الرأى الآخر سيؤدى بالتأكيد إلى الكوارث والنكسات.
ومن ثم ينهى الراوى كلامه بهذه العبارة الحاسمة: «أما أنا فلن تتأثر صداقتى بك مهما اختلفنا»، وهذا هو بالضبط ما نحن الآن فى أشد الحاجة إليه، فمن طبيعة الأمور أن نختلف، وأن يكون لكل منا رأيه وفكره، ومن ثم لابد أن نتعلم قبول الآخر، ونتفهم أن الاختلاف بيننا لا يصح أن يُفرق بيننا، ولا يجوز أبدا أن نبلع الطعم، وننفذ مخططات الأعداء، وندخل فى صراعات غبية بين أبناء الوطن الواحد!
وهنا علينا أن نعترف، أننا نعيش، الآن، أسوأ مراحل التعصب، وأشد درجات الاستقطاب، بين التيارات السياسية والفكرية المختلفة، وهذا ما لا يصح أن يستمر، إذا كنا نريد لهذا البلد أن يخرج من أزماته المتفاقمة، ويتقدم إلى الأمام، إذ كيف يتقدم مجتمع منقسم على ذاته؟! وكيف تنمو أمه يتصارع أبنائها لاختلاف أفكارهم؟!
إننا فى أشد الحاجة إلى أن ننتقل من نظم حكم فاشية لا يُسمح فيها بأى اختلاف فى الرأى، إلى نظام حكم ديمقراطى قائم على التعددية السياسية، وتداول السلطة، وإطلاق الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان وكرامته.
•••
وفى حلم رقم (202): «وجدتنى فى قهوة الفيشاوى وأمامى على بعد غير بعيد الفنانة البالية الموشكة على الاعتزال، فنظرت إليها بشغف وتلفتت تنظرنى بسماحة وظهرت على شفتيها ابتسامة خفيفة، فقال لى صاحبى: أبشر فلن تخوض معركة الحياة الأخيرة وحيدا».
ينتقل الراوى فى هذا الحلم إلى أشهر المقاهى فى منطقة الجمالية، بالقرب من مسجد الحسين، وميدان بيت القاضى، حيث ولد فى هذه المنطقة القديمة التى يعشقها، وهناك يرى فنانة يصفها بصفة مدهشة، فهى «بالية»، وكم تحمل هذه الكلمة وحدها من معانٍ كثيرة؟!
ومع ذلك ينظر إليها الراوى بشغف، مما يعنى أنه عاشق قديم لهذه الفنانة الموشكة على الاعتزال، ولعل بينهما أمور أخرى لا نعرفها، فهى تنظر إليه بسماحة، وتبتسم له، ولنظرتها تلك مع ابتسامتها معنى لا يخفى على صديق الراوى، فيشير له مخلصا إلى شريكته المنتظره منه أن يتقدم إليها، فعلامات الترحيب به بادية عليها.
وفى هذا الحلم إشارة مهمة لأمر كثيرا ما نلاحظه فى مجتمعنا المكبل بقيود غير معقولة، فثمة رجال ونساء، ممن تقدم بهم العمر، نراهم يخوضون معركة الحياة الأخيرة وحدهم بلا شركاء يعينونهم على أعباء الحياة فى الكبر، ولذلك يدفعنا الصديق المخلص إلى التصرف بحكمة، وانتهاز الفرصة المناسبة للحصول على شريك يبعد عنا شبح الوحدة، ونحن نخوض معركة الحياة الأخيرة.
•••
وفى حلم رقم (211): «وجدتنى أمام منصة يجلس عليها الزعيم سعد زغلول وإلى جانبه أم المصريين، وإذا برجل يتقدم زاعما أنه الزوج الحقيقى للسيدة ويطلب منها أن تتبعه، وقدم للزعيم أوراقا ولكنه نحاها جانبا، وقال له: بينى وبينك القانون والشعب».
ها هو الزعيم الحقيقى للأمة يظهر، مرة بعد أخرى، فى أحلام أستاذنا الأكبر، فقلبه متعلق به كقدوة، ومثل أعلى يُحتذى به فى الوطنية، وفى العمل من أجل مصلحة الشعب، وفى الوقوف بشجاعة فى مواجهة قوى القهر والاستبداد والطغيان.
فسعد زغلول يعد رمزا لثورة 1919 المجيدة، كما يمثل قوة الإرادة الشعبية، فى الوقوف ببسالة ضد قوى الاحتلال والديكتاتورية، كما أنه يجسد روح الأمة فى سعيها الدؤوب نحو تحقيق مبادئ الديمقراطية فى هذا الوقت المبكر نسبيا، قبل أن تتعرض ديمقراطيتنا الوليدة للسحق تحت أحذية العسكر فى 1952.
ومن ثم يحن مبدعنا كثيرا للفترة الليبرالية من تاريخ مصر، حيث نشأ على حرية الفكر والإبداع، وعرف معنى التعددية السياسية، وشارك فى الجهاد الوطنى.
ولذلك حين يتقدم رجل ويزعم أنه الزوج الحقيقى ل«أم المصريين»، فهذا الرجل كذاب أشر، وما يحمله من أوراق، ما هى ألا محاضر استفتاءات (مضروبة)، أو انتخابات مزورة، فكم تم تزوير إرادة هذه الأمة، عبر عقود طويلة، بواسطة هؤلاء الحكام الفََجرة.
ولذلك نحى زعيم الأمة الحقيقى هذه الأوراق جانبا، لأنه يعلم أنها مزورة، ولا تُعبر عن إرادة الشعب، ومن ثم لم يسأل السيدة الفاضلة (أم المصريين)، ولم يقل لهذا الرجل المزور أن يسألها، وإنما قال له: «بينى وبينك القانون والشعب»، وهو يعلم أن القانون تم انتهاكه، والشعب لم ينتخب هؤلاء الحكام المستبدين الفاسدين الفشلة.
فلا شرعية، على الإطلاق، لمن يحكم شعبا بانتخابات مزورة، ولن يتبع شعبنا الأصيل حاكما جاء إلى مقعد الحكم بطريقة غير شرعية. فالشعب وحده هو مصدر السلطات، والأمة دائما فوق الحكومة، والحق يسمو فوق القوة، فالحق يعلو، ولا يُعلى عليه.
•••
وفى حلم رقم (212): «رأيتنى أتأمل صورة فى حجم الكف تجمع زخارفها بين فتى لعله يشبهنى وفتاة تشبه (ب) فقلت: أصبحنا نادرة تُحكى وتُصور».
ها هو الراوى يعيد التأمل فى أحداث حياته من خلال أحلامه ذات الدلالة، إذ ينظر طويلاً إلى صورة صغيرة وجميلة، والصورة مزخرفة، مما يفيد بأن هناك من وضع إضافات عليها لتكون أكثر جمالاً وتأثيراً، وفى الصورة يرى فتى لا يقول أنه يشبهه، وإنما يقول «لعله يشبهنى»، بينما يقول: «وفتاة تشبه (ب)»، وكأنما قدرته على معرفة تفاصيل ملامح حبيبته، تفوق قدرته على التعرف على ملامحه الشخصية!
إذ إن صورته الشخصية لا تشكل بالنسبة له نفس الأهمية التى يعطيها لصورة حبيبته، ومن ثم فتفاصيل ملامحها منقوشة داخل قلبه، فماذا تقول له هذه الصورة الصغيرة؟
إنها تحكى قصة حب عنيفة، صحيح نحن لا نعرف أى شىء عن تفاصيلها، لكننا نُدرك بوضوح نهايتها، فهى، للأسف الشديد، لم تكتمل حلقاتها، وفى هذا سر بقاء سيرتها تتردد على ألسنة الناس، مثل كثير من قصص الحب فى تراثنا العربى، بل وفى التراث الإنسانى كله، فثمة عقبات كثيرة تُوضع، لأسباب عديدة، فى طريق الأحبة، ومن ثم تتشكل دراما الحياة اليومية، وتُصبح منبعا لكل الآداب والفنون الجميلة، فتُخلق منها القصص العاطفية التى تُحكى وتُصور، وتتكون أساطير الحب والعشق والغرام التى تتناقلها الأجيال فى مختلف الحضارات الإنسانية.
•••
وفى حلم رقم (213): «رأيتنى واقفا أمام معرض مصور الأفراح فى حينا ورأيت لأول مرة (ب) عن قرب وبتمهل فشعرت بخيبة ولم أفقد الأمل فى السلوان».
ها هو حلم آخر يعتمد على «الصورة»، فالراوى يقف أمام معرض مصور الأفراح فى الحى الذى يسكن فيه، هو وحبيبته، التى يعشقها برغم أنه لم يسبق له أن رآها عن قرب وبتمهل! وهذا أمر يصعب فهمه بالنسبة لشباب العصر الحالى، لكنه كان شائعا على زمن الراوى.
وهذا اللقاء غير المنتظر، أثار أشجان الراوى، إذ فى هذا المكان، كان يتمنى أن يجتمع مع حبيبته لكى يتم تصويرهما معا، صورة الفرح، لكن القدر لم يشاء أن يجمع بينهما، ومن ثم كان هذا اللقاء العارض، فى هذا المكان بالذات، شديد التأثير فى الراوى، الذى اقترب من معبودته، وتأملها عن قرب، فتعلق بها أكثر، من ذى قبل، ولذا شعر بخيبة عميقة لأنه عرف أنها ليست من نصيبه، لكنه لم يفقد الأمل فى السلوان.
وفى تراثنا القديم كانوا يقولون إن «السلوان»، هو ماء، إذا ما شربه العاشق سَلا عن حبه.
•••
وفى حلم رقم (214): «رأيتنى فى محطة الترام وقد اكتشفت أننى نُشلت ولمحت الصديق أحمد مظهر مسرعا فلحقت به وأخبرته عن حالى، فقال ضاحكا: وأنا أيضا نُشلت، فقلت له: هلم بنا إلى العباسية لنجد النقود، فقال لى: إننى أدعوك للتطوع فى الفرقة الجديدة من المدنيين، التى تعمل مع وزير الداخلية مباشرة وهدفها تطهير البلاد من النشل والنشالين».
قبل أن أقول أى شىء عن هذا الحلم، أحب أن أشير إلى حلم آخر، قد ينير الطريق لفهم المقصود، ففى حلم رقم (44): يلتقى الراوى بوزير الداخلية، ويأخذ منه توصية لرجل أعمال، صديقا للوزير، لكى يوظف الراوى معه، وإذا بالراوى يتعرض لسرقة مسلحة، لكنه يذهب إلى موعد رجل الأعمال، ويختم الحلم بقوله: «رباه.. إنه اللص الذى سرقنى أو أخوه التوأم ودارت بى الأرض».
وفى هذا الحلم يتجلى صديق الراوى الفنان أحمد مظهر بروحه المرحة، إذ إن الراوى قد سُرق، وصديقه أيضا سُرق، لكن الفنان يأخذ هذا الأمر المؤسف بروح الدعابة والضحك، إذن نحن فى مكان، أو زمان يعج باللصوص، وإذا كان الراوى قد فكر فى الذهاب إلى العباسية، لعله يجد هناك (فتوة أو ضابط) يمكن أن يساعده على استعادت أمواله المسروقة، فزمان كان يمكن لفتوة الحى أن يعيد المسروقات لمعرفته باللصوص، وسطوته عليهم، وكذلك كان يمكن لضابط الشرطة أن يقوم بهذه المهمة، قبل أن تتحول الشرطة إلى الاهتمام بالأمن السياسى فحسب، وتهمل الأمن الجنائى!
لكن المهم فى هذا الحلم هو اقتراح أحمد مظهر، فهو رجل إيجابى، وعنده صلات قوية مع مسئولين مهمين، حتى إنه يدعو الراوى للعمل مع وزير الداخلية مباشرة، فى فرقة من المدنيين، ولاحظ هنا، لو سمحت، هذه التفرقة المهمة بين المدنيين والعسكريين، هذه التفرقة العجيبة بين المواطنين، والتى ظهرت فى بلدنا مع وصول الضباط للحكم بعد انقلاب 1952!
ولتنظر يا صديقى العزيز إلى عبثية هذا الحل المقترح لعلاج مشكلة تفشى السرقات فى البلاد، ولا تقول إن هذه الفكرة جزءا من حلم، على الإطلاق، فأمثال هذه الفكرة العبثية، موجودة فى حياتنا اليومية بكثرة قد لا تتخيلها، وإذا نظرت حولك فى كل موقع فى مصر سترى عبثا لا أول له ولا آخر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.