شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    ترامب يوقع قانونًا لنشر ملفات جيفري إبستين.. ويعلن لقاءً مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب    حجبت الرؤية بشكل تام، تحذير عاجل من محافظة الجيزة للمواطنين بشأن الشبورة الكثيفة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زكى سالم يكتب عن أحلام فترة النقاهة الأحلام الأخيرة للأديب الكبير نحيب محفوظ «3»
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 01 - 2016

• يحتل الزعيم سعد زغلول مساحة كبرى من أحلام الأستاذ
• الأحلام تحيل القارئ لكثير من التأويلات والإشارات
أدعو القارئ الكريم أن يتمهل فى قراءة كل حلم من «أحلام فترة النقاهة» لأستاذنا العظيم نجيب محفوظ، وأن يتأمل بروية فيما وراء كلماته القليلة، فهذه الأحلام شديدة التكثيف، ومن ثم كل حلم يستدعى الكثير من المعانى والمشاعر والأفكار، ولذلك أحاول بقدر المستطاع ألا أسترسل طويلاً مع أى من هذه الأحلام المحملة بالإشارات والتنبيهات، وأسعى، كذلك، إلى لفت الانتباه لأهم ما فيها، من وجهة نظرى، وليس كل ما فيها، فهى تحتمل ما يصعب حصره من التأويلات والتفسيرات، ومن ثم قد ترى، يا صديقى العزيز، فى الحلم ذاته، أكثر من مغزى، إذا ما أعدت قرأته أكثر من مرة، ولعلك تصل إلى معان أعمق بكثير من المعنى الأول.
•••
فى حلم رقم (208): «وجدتنى فى مكتبى تزورنى السيدة (س) لتسلم على قبل رحيلها لإحدى البلاد العربية للعمل، ووضعت يدها فى يدى ولكنها لم تسحبها واغرورقت عيناها الخضروان بالدموع.
هذا النص المكثف يعد من أجمل القصص القصيرة التى قرأتها، طوال حياتى المليئة بالقصص، فهذه قصة مكتملة الأركان، إذ من خلال هذه الكلمات المعدودة، تجلت أمامنا حكاية مؤثرة للغاية تحكى بسلاسة ورقة عن الحنين، والحب، والوحدة والسفر، والعمل والعرق، والغربة والفراق، دون أن تستخدم أى من هذه التعبيرات المباشرة!
فالراوى جالس فى مكتبه، ومشغول بمشاغل الحياة اليومية، لكن حين تأتيه هذه الزيارة، غير المتوقعة، ينقلب حاله، وتشتعل عواطفه، ويعيد النظر فى ما جرى من أحداث حياته، فما بينه وبين هذه السيدة الرقيقة أمور كثيرة لا نعلمها، بيد أن ما بينهما جعلها تقرر أن تزوره وتسلم عليه قبل أن ترحل عن أرض الوطن، وتسافر إلى بلاد غريبة، لتعيش مع أناس غرباء عنها، من أجل بعض المال الذى يُدفع ثمنه غاليا جدا من عرق البشر ومعاناتهم، وأحيانا من كرامتهم أيضا.
ومن ثم لا تملك صاحبة العينين الخضراوين الدامعتين القدرة على أن تسحب يدها من يده، فهى لا ترغب أبدا فى هذا السفر القاسى، ولا هذا الفراق المؤلم، ولا أشياء أخرى كثيرة، لكن الأمور كلها مختلطة معا، ولعلك تتساءل، يا صديقى، عن صعوبة اقتلاع جذور الإنسان المزروعة فى أرض الوطن؟ ومدى عمق الألم الناتج عن فراق الأهل والأحبة؟ وعما حدث ويحدث مع كثير من المصريين، والمصريات العاملين فى بلاد الصحراء القاحلة؟
وتستدعى هذه القصة البديعة من ذاكرتى: «مالى أكتم حبا قد برى جسدى»، من أبيات شاعر العربية الأروع أبوالطيب المتنبى، إذ يقول:
«يا من يَعُز علينا أن نفارقهم... وجداننا كل شىء بعدكم عدمُ
إذا ترحلت عن قوم وقد قدروا... ألا تفارقهم فالراحلون هُمُ
شَرُ البلادِ مكانٌ لا صديق بِه.. وشَرُ ما يكْسِبُ الإنسانُ ما يَصِمُ
هذا عتابُك إلا أنَه مقة... قَدْ ضُمِنَ الدُرَ إلا أنه كَلِمُ»
فالإنسان هو الإنسان فى كل زمان ومكان، ومشاعر البشر هى ذاتها، ودراما الحياة متشابهة للغاية، ومن ثم تلتقى ذروة الإبداع الأدبى عبر العصور، بل وعبر الثقافات المختلفة.
•••
وفى حلم (209): «وجدتنى مع الرئيس عبدالناصر فى حديقة صغيرة وهو يقول: لعلك تتساءل: لماذا قلت مقابلتنا؟ فأجبته بالإيجاب. فقال: كلما شاورتك فى أمر جاءت مشورتك بالاختلاف كليا أو جزئيا فخفت أن تتأثر صداقتى لك بهذا الموقف. فقلت: أما أنا فلن تتأثر صداقتى لك مهما اختلفنا».
هو الرئيس جمال عبدالناصر، وهو أيضا أى رئيس آخر، بيد أنه يختلف فى بعض الأمور عمن جاءوا بعده، فهو على الأقل يجلس فى حديقة صغيرة، أما من توسدوا بعده مقاعد الحكم، فقد تنعموا فى القصور المنيفة، أما الاستبداد الذى أرسى دعائمه، وانتهاكات حقوق الإنسان التى تميز بها عهده، فقد تواصلت واتسعت بواسطة حكام أخذ هيلمان السلطة عقولهم، وأفقدهم الإحساس بشعبهم الفقير.
وهذا الحلم يدور حول مشكلة مصر الكبرى عبر مختلف العصور، ألا وهى الاستبداد، النابع من حكم الفرد، صاحب الكلمة الأولى والأخيرة!
فالديكتاتور حين يتشاور، حتى مع صديق، لا يقبل منه أى اختلاف فى الرأى، مهما كان الاختلاف بسيطا، فهو لا يقبل بأى درجة من الدرجات «شبهة المعارضة»، حتى لو كانت مجرد وجهة نظر أخرى يقولها صاحب مُقرب من الفرعون!
وهذا هو السبب الأول فى انهيار نظم الحكم الديكتاتورية وسقوطها، فحين يسود الرأى الواحد، ويُمنع أو يُجرم الرأى الآخر، فقل على البلد السلام.
وفى هذا الحلم نتابع منطق الحوار، غير المتكافئ، بين الحاكم الفرد، والمفكر الحر، فالحاكم لا يقبل إلى جواره إلا بمن يوافقه على رأيه، بينما المفكر الصادق يُصر دائما على قول كلمة الحق، مهما كان ثمنها غاليا، إذ هو يُدرك أن غياب الرأى الآخر سيؤدى بالتأكيد إلى الكوارث والنكسات.
ومن ثم ينهى الراوى كلامه بهذه العبارة الحاسمة: «أما أنا فلن تتأثر صداقتى بك مهما اختلفنا»، وهذا هو بالضبط ما نحن الآن فى أشد الحاجة إليه، فمن طبيعة الأمور أن نختلف، وأن يكون لكل منا رأيه وفكره، ومن ثم لابد أن نتعلم قبول الآخر، ونتفهم أن الاختلاف بيننا لا يصح أن يُفرق بيننا، ولا يجوز أبدا أن نبلع الطعم، وننفذ مخططات الأعداء، وندخل فى صراعات غبية بين أبناء الوطن الواحد!
وهنا علينا أن نعترف، أننا نعيش، الآن، أسوأ مراحل التعصب، وأشد درجات الاستقطاب، بين التيارات السياسية والفكرية المختلفة، وهذا ما لا يصح أن يستمر، إذا كنا نريد لهذا البلد أن يخرج من أزماته المتفاقمة، ويتقدم إلى الأمام، إذ كيف يتقدم مجتمع منقسم على ذاته؟! وكيف تنمو أمه يتصارع أبنائها لاختلاف أفكارهم؟!
إننا فى أشد الحاجة إلى أن ننتقل من نظم حكم فاشية لا يُسمح فيها بأى اختلاف فى الرأى، إلى نظام حكم ديمقراطى قائم على التعددية السياسية، وتداول السلطة، وإطلاق الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان وكرامته.
•••
وفى حلم رقم (202): «وجدتنى فى قهوة الفيشاوى وأمامى على بعد غير بعيد الفنانة البالية الموشكة على الاعتزال، فنظرت إليها بشغف وتلفتت تنظرنى بسماحة وظهرت على شفتيها ابتسامة خفيفة، فقال لى صاحبى: أبشر فلن تخوض معركة الحياة الأخيرة وحيدا».
ينتقل الراوى فى هذا الحلم إلى أشهر المقاهى فى منطقة الجمالية، بالقرب من مسجد الحسين، وميدان بيت القاضى، حيث ولد فى هذه المنطقة القديمة التى يعشقها، وهناك يرى فنانة يصفها بصفة مدهشة، فهى «بالية»، وكم تحمل هذه الكلمة وحدها من معانٍ كثيرة؟!
ومع ذلك ينظر إليها الراوى بشغف، مما يعنى أنه عاشق قديم لهذه الفنانة الموشكة على الاعتزال، ولعل بينهما أمور أخرى لا نعرفها، فهى تنظر إليه بسماحة، وتبتسم له، ولنظرتها تلك مع ابتسامتها معنى لا يخفى على صديق الراوى، فيشير له مخلصا إلى شريكته المنتظره منه أن يتقدم إليها، فعلامات الترحيب به بادية عليها.
وفى هذا الحلم إشارة مهمة لأمر كثيرا ما نلاحظه فى مجتمعنا المكبل بقيود غير معقولة، فثمة رجال ونساء، ممن تقدم بهم العمر، نراهم يخوضون معركة الحياة الأخيرة وحدهم بلا شركاء يعينونهم على أعباء الحياة فى الكبر، ولذلك يدفعنا الصديق المخلص إلى التصرف بحكمة، وانتهاز الفرصة المناسبة للحصول على شريك يبعد عنا شبح الوحدة، ونحن نخوض معركة الحياة الأخيرة.
•••
وفى حلم رقم (211): «وجدتنى أمام منصة يجلس عليها الزعيم سعد زغلول وإلى جانبه أم المصريين، وإذا برجل يتقدم زاعما أنه الزوج الحقيقى للسيدة ويطلب منها أن تتبعه، وقدم للزعيم أوراقا ولكنه نحاها جانبا، وقال له: بينى وبينك القانون والشعب».
ها هو الزعيم الحقيقى للأمة يظهر، مرة بعد أخرى، فى أحلام أستاذنا الأكبر، فقلبه متعلق به كقدوة، ومثل أعلى يُحتذى به فى الوطنية، وفى العمل من أجل مصلحة الشعب، وفى الوقوف بشجاعة فى مواجهة قوى القهر والاستبداد والطغيان.
فسعد زغلول يعد رمزا لثورة 1919 المجيدة، كما يمثل قوة الإرادة الشعبية، فى الوقوف ببسالة ضد قوى الاحتلال والديكتاتورية، كما أنه يجسد روح الأمة فى سعيها الدؤوب نحو تحقيق مبادئ الديمقراطية فى هذا الوقت المبكر نسبيا، قبل أن تتعرض ديمقراطيتنا الوليدة للسحق تحت أحذية العسكر فى 1952.
ومن ثم يحن مبدعنا كثيرا للفترة الليبرالية من تاريخ مصر، حيث نشأ على حرية الفكر والإبداع، وعرف معنى التعددية السياسية، وشارك فى الجهاد الوطنى.
ولذلك حين يتقدم رجل ويزعم أنه الزوج الحقيقى ل«أم المصريين»، فهذا الرجل كذاب أشر، وما يحمله من أوراق، ما هى ألا محاضر استفتاءات (مضروبة)، أو انتخابات مزورة، فكم تم تزوير إرادة هذه الأمة، عبر عقود طويلة، بواسطة هؤلاء الحكام الفََجرة.
ولذلك نحى زعيم الأمة الحقيقى هذه الأوراق جانبا، لأنه يعلم أنها مزورة، ولا تُعبر عن إرادة الشعب، ومن ثم لم يسأل السيدة الفاضلة (أم المصريين)، ولم يقل لهذا الرجل المزور أن يسألها، وإنما قال له: «بينى وبينك القانون والشعب»، وهو يعلم أن القانون تم انتهاكه، والشعب لم ينتخب هؤلاء الحكام المستبدين الفاسدين الفشلة.
فلا شرعية، على الإطلاق، لمن يحكم شعبا بانتخابات مزورة، ولن يتبع شعبنا الأصيل حاكما جاء إلى مقعد الحكم بطريقة غير شرعية. فالشعب وحده هو مصدر السلطات، والأمة دائما فوق الحكومة، والحق يسمو فوق القوة، فالحق يعلو، ولا يُعلى عليه.
•••
وفى حلم رقم (212): «رأيتنى أتأمل صورة فى حجم الكف تجمع زخارفها بين فتى لعله يشبهنى وفتاة تشبه (ب) فقلت: أصبحنا نادرة تُحكى وتُصور».
ها هو الراوى يعيد التأمل فى أحداث حياته من خلال أحلامه ذات الدلالة، إذ ينظر طويلاً إلى صورة صغيرة وجميلة، والصورة مزخرفة، مما يفيد بأن هناك من وضع إضافات عليها لتكون أكثر جمالاً وتأثيراً، وفى الصورة يرى فتى لا يقول أنه يشبهه، وإنما يقول «لعله يشبهنى»، بينما يقول: «وفتاة تشبه (ب)»، وكأنما قدرته على معرفة تفاصيل ملامح حبيبته، تفوق قدرته على التعرف على ملامحه الشخصية!
إذ إن صورته الشخصية لا تشكل بالنسبة له نفس الأهمية التى يعطيها لصورة حبيبته، ومن ثم فتفاصيل ملامحها منقوشة داخل قلبه، فماذا تقول له هذه الصورة الصغيرة؟
إنها تحكى قصة حب عنيفة، صحيح نحن لا نعرف أى شىء عن تفاصيلها، لكننا نُدرك بوضوح نهايتها، فهى، للأسف الشديد، لم تكتمل حلقاتها، وفى هذا سر بقاء سيرتها تتردد على ألسنة الناس، مثل كثير من قصص الحب فى تراثنا العربى، بل وفى التراث الإنسانى كله، فثمة عقبات كثيرة تُوضع، لأسباب عديدة، فى طريق الأحبة، ومن ثم تتشكل دراما الحياة اليومية، وتُصبح منبعا لكل الآداب والفنون الجميلة، فتُخلق منها القصص العاطفية التى تُحكى وتُصور، وتتكون أساطير الحب والعشق والغرام التى تتناقلها الأجيال فى مختلف الحضارات الإنسانية.
•••
وفى حلم رقم (213): «رأيتنى واقفا أمام معرض مصور الأفراح فى حينا ورأيت لأول مرة (ب) عن قرب وبتمهل فشعرت بخيبة ولم أفقد الأمل فى السلوان».
ها هو حلم آخر يعتمد على «الصورة»، فالراوى يقف أمام معرض مصور الأفراح فى الحى الذى يسكن فيه، هو وحبيبته، التى يعشقها برغم أنه لم يسبق له أن رآها عن قرب وبتمهل! وهذا أمر يصعب فهمه بالنسبة لشباب العصر الحالى، لكنه كان شائعا على زمن الراوى.
وهذا اللقاء غير المنتظر، أثار أشجان الراوى، إذ فى هذا المكان، كان يتمنى أن يجتمع مع حبيبته لكى يتم تصويرهما معا، صورة الفرح، لكن القدر لم يشاء أن يجمع بينهما، ومن ثم كان هذا اللقاء العارض، فى هذا المكان بالذات، شديد التأثير فى الراوى، الذى اقترب من معبودته، وتأملها عن قرب، فتعلق بها أكثر، من ذى قبل، ولذا شعر بخيبة عميقة لأنه عرف أنها ليست من نصيبه، لكنه لم يفقد الأمل فى السلوان.
وفى تراثنا القديم كانوا يقولون إن «السلوان»، هو ماء، إذا ما شربه العاشق سَلا عن حبه.
•••
وفى حلم رقم (214): «رأيتنى فى محطة الترام وقد اكتشفت أننى نُشلت ولمحت الصديق أحمد مظهر مسرعا فلحقت به وأخبرته عن حالى، فقال ضاحكا: وأنا أيضا نُشلت، فقلت له: هلم بنا إلى العباسية لنجد النقود، فقال لى: إننى أدعوك للتطوع فى الفرقة الجديدة من المدنيين، التى تعمل مع وزير الداخلية مباشرة وهدفها تطهير البلاد من النشل والنشالين».
قبل أن أقول أى شىء عن هذا الحلم، أحب أن أشير إلى حلم آخر، قد ينير الطريق لفهم المقصود، ففى حلم رقم (44): يلتقى الراوى بوزير الداخلية، ويأخذ منه توصية لرجل أعمال، صديقا للوزير، لكى يوظف الراوى معه، وإذا بالراوى يتعرض لسرقة مسلحة، لكنه يذهب إلى موعد رجل الأعمال، ويختم الحلم بقوله: «رباه.. إنه اللص الذى سرقنى أو أخوه التوأم ودارت بى الأرض».
وفى هذا الحلم يتجلى صديق الراوى الفنان أحمد مظهر بروحه المرحة، إذ إن الراوى قد سُرق، وصديقه أيضا سُرق، لكن الفنان يأخذ هذا الأمر المؤسف بروح الدعابة والضحك، إذن نحن فى مكان، أو زمان يعج باللصوص، وإذا كان الراوى قد فكر فى الذهاب إلى العباسية، لعله يجد هناك (فتوة أو ضابط) يمكن أن يساعده على استعادت أمواله المسروقة، فزمان كان يمكن لفتوة الحى أن يعيد المسروقات لمعرفته باللصوص، وسطوته عليهم، وكذلك كان يمكن لضابط الشرطة أن يقوم بهذه المهمة، قبل أن تتحول الشرطة إلى الاهتمام بالأمن السياسى فحسب، وتهمل الأمن الجنائى!
لكن المهم فى هذا الحلم هو اقتراح أحمد مظهر، فهو رجل إيجابى، وعنده صلات قوية مع مسئولين مهمين، حتى إنه يدعو الراوى للعمل مع وزير الداخلية مباشرة، فى فرقة من المدنيين، ولاحظ هنا، لو سمحت، هذه التفرقة المهمة بين المدنيين والعسكريين، هذه التفرقة العجيبة بين المواطنين، والتى ظهرت فى بلدنا مع وصول الضباط للحكم بعد انقلاب 1952!
ولتنظر يا صديقى العزيز إلى عبثية هذا الحل المقترح لعلاج مشكلة تفشى السرقات فى البلاد، ولا تقول إن هذه الفكرة جزءا من حلم، على الإطلاق، فأمثال هذه الفكرة العبثية، موجودة فى حياتنا اليومية بكثرة قد لا تتخيلها، وإذا نظرت حولك فى كل موقع فى مصر سترى عبثا لا أول له ولا آخر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.