تخلى عن عالم المدينة فى فيلمه الجديد ويبقى أحد رهانات السينما المصرية فى المهرجانات أداء رائع للكدوانى وداوود.. وجرأة محسوبة لهنا شيحة بدون شك يبقى المخرج محمد خان أحد الرهانات الكبرى للسينما المصرية لتسترد عافيتها وبريقها على شاشة المهرجانات الدولية، ليس رهانا فقط على حصد جوائز مثلما حدث قبل عامين بفوز فيلمه «فتاة المصنع»، بجائزة افضل ممثلة فى مهرجان دبى السينمائى، وتلتها جوائز اخرى عديدة، ولكن لأنه يعيد الأمل إلى شاشة كانت سيدة الشاشات العربية على مدى حقب، بينما ضلت طريق الجودة فى لحظة غدر مشتركة بين صناعها وزمن فرض شروطه. عاد خان هذه المرة من خلال فيلمه الجديد «قبل زحمة الصيف»، الذى يشارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان دبى السينمائى، وقد اصطف المئات من الجمهور على ابواب صالة مسرح الجميرا لمشاهدة العمل، الذى اكد أن محمد خان شاب فى الثالثة والسبعين، بشخصياته المفعمة بالمشاعر والحيوية، وبمخاوف وهواجس ورغبات مكبوتة، يعيشون واقعا ويسعون لآخر، والمسألة هنا ليس لها علاقة بظروف مادية أو ما شابه، لكن مسار الشخصيات بها جراح وشروخ كبيرة، وكل منها يحاول ترميم الشرخ بحقن جرحه بدواء لا يعالج الداء، وهو الهروب للعزلة، ولدنيا أخرى ما أقصر أيامها. لتعود مرة اخرى لتواجه مصيرك وافعالك وايامك الحقيقية بعد ان تكتشف ان الهروب ما هو إلا رحلة مؤقتة. أجمل ما يميز فيلم محمد خان، هو تلقائية الاداء الرائع لأبطاله الخمسة، الذين تم تقديمهم بنعومة عبر سيناريو غادة شهبندر المحكم بكشفه ملامح تلك الشخصيات الهاربة من العاصمة وتفجير ازماتها دون افتعال أو بحوار خطابى رنان، وموسيقى حاضرة الأحاسيس تسير فى رحاب الشخصيات لتجعلها تتسلل لوجدانك، فخان هنا يحكى قصصه المفضلة، وغالبا ما تفاجئ الجميع. فنحن هنا أمام شريحة من شرائح المجتمع الهاربة إلى الساحل الشمالى قبل زحام الصيف، حيث زوجان متناحران دائما الدكتور يحيى «ماجد الكدوانى» تلاحقه اتهامات بالاهمال فى المستشفى الذى يملك نصيبا كبيرا فيه، وزوجته ماجدة المشغولة بالريجيم وتمارين اليوجا الروحية «لانا مشتاق»، وثنائى اخر هما الجارة المترجمة هالة وهى أم لولد وبنت ومطلقة حديثا «هنا شيحة» وعشيقها الممثل نصف المشهور «هانى المتناوى»، وقد حضر الجميع إلى القرية السياحية بالساحل، هربا من أزمتهم بالعاصمة، وهى من المرات النادرة التى تخلى فيها خان بشكل مباشر عن غوصه فى عالم المدينة التى سادت كل أفلامه، لكن مع ذلك كانت روح المدينة تسكن تلك الشخصيات بأزماتها التى ظهرت من خلال محادثات تليفونية، فالمترجمة مثلا تجرى مكالمات كثيرة من أجل اولادها بعد طلاقها حديثا، والطبيب يجرى مكالمات مع شريكه فى المستشفى لمتابعة تحقيقات حادث الاهمال. نعم نحن نشاهد البحر والرمال والشاليه، لكنها مسكونة بضجيج العاصمة، وبين هذا وذاك، يقف الخادم جمعة الشاب التلقائى والذى يشاهد ويراقب الجميع باندهاش «أحمد داود»، حيث نرى حقيقة عالم تلك الشخصيات من خلاله، كونهم يعيشون فى عزلة، ذلك العالم الذى بدا وكأنه هم جميع من فى صالة العرض بفضل تلقائية السرد السينمائى، وكذلك الحوار الذى شاركت فى كتابته مع المخرج، حيث اتضحت معالم كل شخصية، فالجارة المطلقة تكتشف أن حبيبها الممثل لا يحب سوى جسدها، ويخونها، وزوجة الطبيب تتألم غيرة من إعجاب زوجها الطبيب بالجارة الجميلة، وهنا تجدر الاشارة إلى جرأة هنا شيحة فى تقديمها تلك الشخصية التى ظهرت بملابس البحر كثيرا، وبحرية، ربما تخشى نجمات كثيرات على القدوم عليها، وقد طغى اداؤها السلس على اظهار قدرتها كممثلة أكثر من استعراض مفاتنها، وكذلك الاداء الناضج لماجد الكدوانى، ولانا مشتاق. المثير فى التجربة، التى هى انعكاس لحياة، أنه يقف وراءها سبع منتجين، وأنها صورت فى شهر واحد فقط، وهو ما يؤكد ان الرهان على مخرج مثل محمد خان الحاضر بفكره الشاب، ورؤيته العميقة فنيا وانتاجيا ليس بالرهان الخاسرا ابدا.