"الأزهر" يرفض و"الأوقاف" تتغول على صلاحياته " .."برلمان الانقلاب " يقر قانون تنظيم الفتوى بعد فتوى الدكتور "إمام    وزير الزراعة: تحسن ملحوظ فى إنتاجية القمح بنسبة زيادة تتراوح بين 7% و10%    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    تركيا والولايات المتحدة تعربان عن استعدادهما لتسهيل عملية السلام في أوكرانيا    ماكرون يهنئ ميرتس بمناسبة انتخابه مستشارا جديدا لألمانيا    "أهلي 2009" يفوز على زد بخماسية في ختام دوري الجمهورية لكرة القدم النسائية    لامين يامال يقود تشكيل برشلونة أمام إنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    نص دعاء نية الحج عند الإحرام.. للقارن والمفرد والمتمتع    إنهاء خصومة ثأرية بين عائلتين بالفيوم (صور)    في اليوم العالمي للربو 2025.. كيف تسيطر على النوبة؟    بولندا تتهم روسيا بالتدخل في حملة الانتخابات الرئاسية    محافظ دمياط: إطلاق حزمة من الإجراءات لإحياء حرفة النحت على الخشب    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    محافظ الغربية يجرى جولة بمدينة طنطا سيرا على الأقدام    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    مدير المركز القومي للترجمة تبحث سبل تعزيز التعاون مع القائم بأعمال سفير الهند بالقاهرة    نجوم الفن وصناع السينما يشاركون في افتتاح سمبوزيوم «المرأة والحياة» بأسوان    أحدث ظهور ل ابنة نور الشريف    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني لحماية المرأة    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    أمين الفتوى: الزواج قد يكون «حرامًا» لبعض الرجال أو النساء    الكرملين: بوتين سيزور الصين في أغسطس المقبل    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الحكومة المؤقتة في بنجلاديش    البابا تواضروس الثاني يزور البرلمان الصربي: "نحن نبني جسور المحبة بين الشعوب"    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    بعد اغتصاب مراهق لكلب.. عالم أزهري يوضح حكم إتيان البهيمة    رافينيا يرشح محمد صلاح للفوز بالكرة الذهبية    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 في محافظة البحيرة الترم الثاني 2025    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    ضبط مصنعات لحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمى فى حملة بسوهاج    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    مشروبات صحية يُنصح بتناولها لمرضى السرطان    الأهلي يحيي الذكرى ال 23 لرحيل صالح سليم: الأب الروحي..لن ننساك يا مايسترو    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    المخرج جون وونج سون يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    جامعة كفر الشيخ تنظّم ندوة للتوعية بخطورة التنمر وأثره على الفرد والمجتمع    "الخارجية" تتابع موقف السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    جزاءات رادعة للعاملين بمستشفى أبوكبير المركزي    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    مجلس مدينة الحسنة يواصل إزالة الآثار الناجمة عن السيول بوسط سيناء    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    باكستان تتهم الهند بوقف تدفق مياه نهر تشيناب    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    إلغاء الرحلات الجوية بعد استهداف مطار بورتسودان بمسيرات للدعم السريع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألمانيا وتعقيدات اندماج المسلمين
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 08 - 2009

تعددت المقالات والتعليقات حول الظروف والملابسات التى أحاطت بالجريمة البشعة التى راحت ضحيتها د. مروة الشربينى بألمانيا يوم 1/7/2009. ومازالت ردود فعلها تتواصل حتى اليوم. ولقد أجمعت الآراء القانونية على توصيف هذه الجريمة بأنها قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد... ولكن التساؤل المطروح هو: هل هى مجرد حادث فردى لشخص متطرف «معاد للأجانب»، وليس «للإسلام» وفقا للتصريح الرسمى الألمانى؟... أم كما وصفه رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية فى أوروبا بأنه «انعكاس لمؤشرات تنامى العنف المادى واللفظى وحملات التحريض والكراهية التى تستهدف المسلمين فى بعض البلدان الأوروبية، وبشكل بدا يأخذ طابعا عنصريا».
إن الإجابة على ذلك تتطلب بالضرورة تحليل بعض الخلفيات ذات العلاقة... فقد كشف تقرير نشره «المركز الأوروبى لرصد العنصرية وكره الأجانب» فى فيينا بتاريخ 22 مايو 2002 عن أمثلة لما يتعرض له المسلمون فى ألمانيا من أعمال تمييزية واعتداءات استهدفت بالأساس الأطفال والنساء، وهذه الظاهرة موجودة فى باقى الدول الأوروبية بدرجات متفاوتة. وأوضح هذا التقرير أن الحجاب الذى اختارت بعض من النساء المسلمات ارتداءه كان فى أغلب الأحيان هو الغرض المستهدف لدلالته على الانتماء الدينى وذريعة لاعتداءات جسدية. وفى الواقع، فإن الحكومة الألمانية لم تكن ترغب فى سماع أى اتهام للألمان بالعداء للإسلام، وتحرص على ألا تحمل صورتها هذا المعنى وفقا لما أشارت إليه صحيفة «فرانكفورتر الجمانية».
وتجدر الإشارة إلى أن بعض مساكن وأسر الأتراك، تعرضت لحوادث عنف وحرق، من بينها منزل أسرة «أسلى بيرم» التى قتل أحد النازيين الجدد والدها، والتى اختيرت فيما بعد ملكة جمال ألمانيا، وشاركت بهذه الصفة فى مسابقة ملكة جمال العالم2005. ومن هنا فإن موقف الحكومة الألمانية المتأخر والمتردد تجاه جريمة اغتيال مروة لم يكن منصفا، ولم يتوافر له قدر كاف من الشجاعة لمواجهة هذه الحقائق. وفى تقديرى أن ألمانيا مازالت تعانى من عقدة ذنب العداء للسامية، ويصعب على حكومتها تصور إلحاق تهمة جديدة بها تتعلق بالتمييز ضد المسلمين، ولذا تأخر رد فعلها، على أمل أن تمر هذه الجريمة بصمت، لاسيما وأن الألمان يشعرون بنوع من الفخر لما حققوه من تقدم فى سياسة اندماج الأجانب، وأغلبهم من المسلمين، رغم مصاعبها. فألمانيا تُعد ثانى دولة أوروبية بعد فرنسا، من حيث عدد المسلمين فيها (قرابة 3.5 مليون مسلم)، ويُسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية وحرية التعبير عن معتقداتهم (يوجد حاليا أكثر من 2000 مسجد بألمانيا).
وقد اندلع جدل دينى/ سياسى حول قضية الحجاب منذ سنوات فى ألمانيا، إثر رفض المعلمة الأفغانية الأصل «فيريشتا لودين» الانصياع لقرار فصلها من العمل بسبب ارتدائها الحجاب والصادر عن مديرية التعليم فى ولاية بادن فورتمبورج فى جنوب ألمانيا. وأصدرت المحكمة الدستورية قرارا فى 20 أغسطس 2003 يجيز لها ارتداء الحجاب فى المدرسة. فبادرت ولايتا بادن فورتمبورج وبافاريا بالالتفاف على هذا الحكم، بإصدار قوانين فى أوائل نوفمبر 2003، تحظر على المعلمات ارتداء «أى رمز دينى» داخل فصول الدراسة، سوى الرموز المسيحية. كما قامت 9 ولايات، من أصل 16 ولاية تتكون منها ألمانيا، بالإعداد لإصدار قوانين تدور حول خطر ارتداء الحجاب فى المدارس الرسمية وفى كل الوظائف العامة، بدعوى مناهضة القانون الألمانى والدستور البافارى لما سمته بالسلوكيات المؤهلة لتقويض دعائم السلام المدرسى. وقد أثار الجدل الدائر حول قضية ارتداء الحجاب فى المدارس العديد من التساؤلات حول العلاقة بين الدين والدولة، ومسألة الهوية الألمانية ومدى اندماج الألمان المسلمين فى المجتمع.
وفى ظل هذه الخلفيات وغيرها، تعقدت جهود اندماج المهاجرين، فهو طريق ذو اتجاهين. فالاندماج فى أحد معانيه، يعنى إحداث تفاعل بناء بين المكتسبات الثقافية والاجتماعية للمهاجر وقيم المجتمعات التى أصبحوا يعيشون فى ظلها، بالمزج الواعى بين ميراث المهاجرين الثقافى والاجتماعى، وحاضرهم المستجد بما يتضمنه من قيم وعادات وثقافات، وتعزيز التواصل الإيجابى بينهما، والتخلى عن بعض السلوكيات السلبية. وبالمقابل لابد من توافر البيئة المناسبة والمرحبة بالمهاجرين فى مجتمعات الهجرة والتخلى عن الصور النمطية. فالناس لا تتأثر بالحقيقة المجردة بقدر تأثرها بالانطباعات والأحكام المسبقة التى تتكون لديها. فصورة المهاجر المسلم فى أوروبا يشوبها كثير من الظلال فالتشويه نتيجة لحملات الإعلام التحريضية، وربما أيضا بسبب ما ترتكبه فئة قليلة متطرفة من أبناء المسلمين، ويتم تحميل الكل بوزر البعض، وهو ما يفسر التدخل الخاطئ لضابط الشرطة الألمانى وإطلاقه النار تلقائيا على زوج الشهيدة مروة، لمجرد أنه يحمل ملامح شرق أوسطية، فاعتبره على الفور أنه الإرهابى الجانى!!
وقد أدت سياسات الإقصاء والتهميش الأوروبية إلى عزلة بعض المهاجرين المسلمين، والتى تثير بدورها الشك والمخاوف من جانب المجتمعات المضيفة. كما تعود هذه العزلة فى جانب منها إلى تأثر بعض شرائح المهاجرين بالفتاوى المتطرفة، ولعدم دراية أغلبهم بما يُعرف ب«فقه التيسير»، الذى قدم حلولا لمشاكلهم المتجددة وسبل التكيف مع مجتمعات الهجرة بما يُمكن جماعات المهاجرين المسلمين من أن تحيا بإسلامها وسط المجتمعات الأوروبية المضيفة بلا حرج فى الدين ولا إرهاق فى الدنيا، وتعاونها على المرونة والانفتاح المنضبط حتى لا تتقوقع على ذاتها بل تتفاعل إيجابيا مع هذه المجتمعات.
خلاصة القول، إن هذه الجريمة البشعة التى راحت ضحيتها د. مروة الشربينى ليست مجرد حادث إجرامى عابر، وإنما تعكس الفعل العنصرى المصاحب للكراهية للمسلمين. ومن هنا، فإذا اعتبرنا أن ألمانيا ليست دولة معادية للإسلام، ولا تتوافر فى هذه الجريمة أركان المسئولية الدولية للحكومة الألمانية، ولا تنسب قانونا إلا للقاتل وحده وأن يلاحق جنائيا، ولكن ذلك لا يعفى الحكومة الألمانية من مسئوليتها المعنوية عن التغاضى عن تنامى الروح العدائية تجاه المسلمين. صحيح أن الحكومة الألمانية، شأن أغلب الدول الأوروبية قامت بإجراءات وتشريعات مناهضة لهذه الظاهرة ولتحجيمها، إلا أن هذه التدابير لم تلق التطبيق الواسع على أرض الواقع، ولم تخلق بعد تيارا شعبيا واسعا محفزا لإحداث تغيير إيجابى فى النظرة للأجانب بصفة عامة والمسلمين منهم بصفة خاصة، نظرا لقوة التيار المضاد والمتمثل فى الأحزاب والمجموعات اليمينية المتطرفة الذى لم يكن الجانى بعيدا عنها. وبطبيعة الحال، فإن ضعف مكافحة هذه الظاهرة يغرى بالتجرؤ على القيام بأعمال إرهابية ضد المسلمين. ومن هنا يقع على عاتق الحكومات الأوروبية، وفى مقدمتها الحكومة الألمانية، استخلاص الدروس المستفادة من هذه الجريمة تحسبا للمستقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.