عرقلة بناء التحالفات.. والرهان على الانتخابات المبكرة.. وسيطرة الحزب الحاكم على وسائل الإعلام.. والصراع مع الأكراد شكل الفوز غير المتوقع لحزب العدالة والتنمية الحاكم فى تركيا بالأغلبية فى الانتخابات البرلمانية، أمس الأول، علامة فارقة فى مسيرة الحزب المحافظ، ودفع العديد من التحليلات للبحث فى أسباب الفوز وتأثيره على مستقبل النظام السياسى التركى. وأرجعت صحيفة «الجارديان» البريطانية، فى افتتاحيتها، أمس، تحت عنوان «انتصار ذو ثمن»، هذا الانتصار إلى استراتيجية الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى وصفته بأنه سياسى مؤثر وداهية، عقب فشل حزبه فى حصد الأغلبية. واستندت الصحيفة، إلى المثل التركى القائل: «المصارع الخاسر غالبا ما يريد مباراة أخرى»، موضحة أنه ينطبق على الوضع فى تركيا، إذ إن «السلطان» أردوغان لا يحب كلمة لا، لذا أخذ بلاده المرهقة إلى جولة اقتراع جديدة ليستعيد الأغلبية. وأوضحت الصحيفة أن أردوغان عرقل بناء التحالفات عقب انتخابات يونيو، لتفشل وليحصل على فرصة ثانية، فضلاً عن أن الضغط على وسائل الإعلام أصبح شديدا، سواء كان ضغطا على الكتاب أوالتلاعب بالصحف. وثمة عامل آخر ساهم فى تفوق العدالة والتنمية، أشار إليه الكاتب التركى مراد يتكين فى مقاله بصحيفة «حرييت» التركية، أمس، وهو أن حزب الحركة القومية (يمينى) فقد ربع الأصوات الحاصل عليها فى انتخابات يونيو (من 16 % إلى 12 %)، لافتا إلى أن الكثير من تلك الأصوات ذهب إلى «العدالة والتنمية» لعدة أسباب أهمها المشكلة الكردية، فبعض ناخبى الحركة القومية كانوا سعداء بتوجيه داود أوغلو ضربات لحزب العمال الكردستانى المحظور. وأخيرا، أشارت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، إلى أن كون جميع وسائل الإعلام الحكومية والخاصة تقريبا باتت بالفعل تحت سيطرة الحزب الحاكم، كان أحد عوامل حصده لأصوات الناخبين، لافتة إلى أن التليفزيون الحكومى قدم تغطية فاعاليات الحزب الحاكم وتجاهل المعارضة. وفيما يتعلق بتأثير نتائج الانتخابات البرلمانية على مستقبل النظام السياسى التركى، أشارت صحيفة «التليجراف» البريطانية، إلى أن العدالة والتنمية أبتعد قليلاً عما يسمى بالأغلبية الساحقة (المؤلفة من 330 مقعدا)، التى يسعى إليها أردوغان منذ توليه الرئاسة العام الماضى، والتى من شأنها أن تسمح للحزب بالدعوة إلى استفتاء للموافقة على تعديل الدستور لخلق نظام رئاسى، على غرار فرنسا بدلاً من النظام البرلمانى الحالى. وأوضحت الصحيفة أنه حتى مع الأغلبية البسيطة فإن سيطرة أردوغان على الحزب رغم استقالته منه رسميا تعطيه فى الواقع صلاحيات أكبر من أى زعيم مضى فى تركيا أخيرا. بدورها، أوضحت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أنه فى اعقاب فوز حزب العدالة والتنمية فإنه سيكون فى موقف قوى للسيطرة على كل مقاليد السلطة المتبقية الجيش، والأمن والإعلام، لافتة إلى أن الحزب منذ أن شكل حكومته الأولى عام 2002، قضى تدريجيا على جميع المعارضين فى مواقع السلطة فى الدولة التركية العلمانية الكمالية، التى أسسها كمال أتاتورك. كما أكد تحليل آخر للصحيفة تحت عنوان «الانتخابات التركية تعنى الانتقال من الديمقراطية إلى الأوتوقراطية»، أنه إذا ما قرر أردوغان وحزبه أن الفوز فى الانتخابات يمكن أن يكون بمثابة تفويض مطلق لخرق الدستور، وسحق المعارضة، وخنق الصحافة، والسعى نحو النظام الرئاسى المتنازع عليه، وقمع المطالب الكردية وانتهاج سياسات متعرجة فيما يتعلق بالأزمة السورية، فإن البلاد ستتجه نحو المزيد من الانزلاق السريع نحو الأوتوقراطية (حكم الفرد الواحد).