ما زالت أصداء نتائج الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت مؤخرا تتصدر المشهد السياسي في البلاد، حيث اهتمت الصحف المحلية والأجنبية برصد توابع هذه النتائج والانعكاسات التي ستترتب عليها سواء داخل أنقرة أو علاقاتها الخارجية وأزمات منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا السياق؛ قالت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة تصب في صالح الرئيس السوري "بشار الأسد" لأنها ستحد من فاعلية الدور التركي ضده، مضيفة أن علاقة الأكراد داخل سوريا متوترة جدا مع بعض التنظيمات التي تقاتل الجيش السوري وبينهما مواجهات عسكرية، ولذا فإن وجود حزب كردي في البرلمان التركي سوف يجعل من الصعب على الحكومة التركية أن تدعم الأطراف التي تتقاتل مع الأكراد, وفي الوقت نفسه تقاتل الحكومة السورية. وتشير الصحيفة إلى أن عدم حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على أغلبية يعني أيضا وجود أطراف أخرى غيره في الحكومة المقبلة، موضحة أن موقف تركيا المتشدد تجاه الرئيس "بشار الأسد" كان موقفا فرديا من حزب العدالة والتنمية، والأحزاب الأخرى التي ستدخل الائتلاف معه، قد لا توافق على الاستمرار في هذه السياسة بشأن سوريا. وتوضح "الإندبندنت" أن نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تركيا 7 يونيو أظهرت فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بنسبة 40.8% من الأصوات وحصوله على 258 مقعدا من مقاعد البرلمان ال550، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على 25% بواقع 132 مقعدا، من إجمالي عدد نواب البرلمان، لافتة إلى أن حزب الحركة القومية جاء في المرتبة الثالثة بنسبة 16.33% وبواقع 81 مقعدا، في حين حل حزب الشعوب الديمقراطي الكردي رابعا بنسبة 13%، وحصل على 79 مقعدا في البرلمان, مما يعني تخطيه العتبة الانتخابية التي تؤهله لدخول البرلمان التركي ليكون أول حزب كردي يدخل البرلمان في تاريخ البلاد. وتضيف الصحيفة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم فقد أغلبيته المطلقة في البرلمان حسب هذه النتائج، بينما استبعد حزب الشعوب الديمقراطي الكردي التحالف مع الحزب الحاكم لتشكيل حكومة ائتلافية، في وقت دعا فيه حزب الحركة القومية إلى إجراء انتخابات مبكرة إذا فشلت محاولات تشكيل هذه الحكومة. وتؤكد "الإندبندنت" أن هذه النتيجة قضت على مشاريع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بتعديل الدستور لتحويل النظام من البرلماني إلى الرئاسي، حيث كان يلزمه من أجل تمرير هذه الإصلاحات التي نددت بها كل الأحزاب الأخرى باعتبارها "ديكتاتورية دستورية"، الفوز ب330 مقعدا لكي يمكن لحزبه اعتماد هذه التعديلات بمفرده. تراوحت التنبؤات بعد فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بنسبة لا تمكنه من مواصلة الحكم منفردا، بين التكهن بعودة الحياة السياسية المختلطة من جديد إلى تركيا عبر تشكيل حكومات ائتلافية عقب عجز كافة الأحزاب عن الحصول على الأغلبية المطلقة منفردة أو الذهاب لانتخابات مبكرة. وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "حرييت" التركية إن خلال تشكيل الحكومة الجديدة، قد يستعين "أحمد داود أوغلو" برئيس الحزب المعارض الشعب الجمهوري "كمال كيليدارغلو" أو رئيس حزب الحركة القومية "دولت بهلجي"، مما يضع حزب العدالة والتنمية في مأزق، حيث هذه المرة الأولى التي يمكن أن يعطي فيها الحزب الحاكم الثقة لشريك خارجي. وتضيف الصحيفة أنه وفقا لما يدور في الكواليس السياسية بأنقرة، فإن "داود أوغلو" من المرجح أن يلجأ إلى "صلاح الدين دميرتاز" رئيس الحزب الديمقراطي الكردي، ولكن الفكرة هنا أن مشاركة الحزب الكوردي وجعله شريكا للعدالة والتنمية سيساهم في تآكل أصوات الحزب الحاكم. وترى الصحيفة أن "داود أوغلو" قد يستغل حزب الشعب الجمهوري أو حزب الحركة القومية لتشكيل ائتلاف، ولكن في هذه الحالة، إذا كان يريد "أردوغان" السيطرة على شؤون الحكومة عليه تغيير الانتخابات، وتضيف الصحيفة أن تحالف حزب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري قد يساهم في استرخاء التوتر الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد منذ فترة، بالإضافة إلى إقرار دستور جديد يقود إلى حل المشكلة الكردية بشكل وسطي، ولكن حال حدوث ذلك، سيبتعد "أردوغان" عن السيطرة على الشؤون الحكومية، وأيضا يودع ما يسمى النظام الرئاسي. وتعتقد الصحيفة أنه مع ابتعاد "أردوغان" عن السيطرة على الحكومة، قد يبحث بكافة الطرق عن إيجاد سبب لانتخابات مبكرة فورا، ولكن لنرى ماذا سيفعل "داود أوغلو"، وهل ينقذ الرئيس، رغم أن السيناريو الأخير وهو أن يدعو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لانتخابات مبكرة بحلول سبتمبر المقبل في حال فشل حزب العدالة والتنمية و الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي والحركة القومية في تشكيل حكومة ائتلافية تحظى بثقة البرلمان الأقرب للحدوث.