للزيف الذى جاء به أخيرا رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، حين زعم ضد حقائق التاريخ أن مفتى القدس الشيخ أمين الحسينى هو الذى أقنع الديكتاتور النازى أدولف هتلر بإبادة اليهود وتسبب من ثم فى المحرقة / الهولوكوست، دوافع سياسية واضحة. يتمثل دافع نتنياهو الأول فى تبرير إنكار اليمين الإسرائيلى للحق الفلسطينى فى تقرير المصير وفى إقامة الدولة المستقلة عبر تحميل الشعب الفلسطينى ظلما وزورا مسئولية جرائم الإبادة التى ارتكبها النازى فى ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ومن ثم الترويج الزائف «لعدالة» اغتصاب إسرائيل لفلسطين كحصاد جريمة كبرى تورط بها من اغتصبت أرضه. الدافع الثانى هو تبرير جرائم الاحتلال والاستيطان والقتل والتهجير والحصار التى تنزلها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالشعب الفلسطينى بتوصيفها ظلما وزورا «كرد فعل مشروع» أو «كعقاب مشروع» على تورط فلسطينى مزعوم فى الجريمة الكبرى التى تجسدها المحرقة، ومن ثم الترويج الزائف «لعدالة» الجرائم الإسرائيلية التى تتراكم منذ عقود طويلة. أما دافع نتنياهو الثالث فهو تشويه النضال العادل للفلسطينيين ضد سلطات الاحتلال وعصابات المستوطنين والمتطرفين عبر نشر أكاذيب هدفها إلصاق هوية الجلاد بالضحية، من جهة تنزع الإنسانية عن الشعب الفلسطينى ويروج زيفا «لطبيعية» اغتصاب الأرض والاحتلال والاستيطان كمصير ينتظر كل الجلادين ومن جهة أخرى تتجدد دماء التمسك الإسرائيلى بهوية الضحية ومظلوميتها حتى وحكوماتها تقتل وتهجر وتحاصر. الدافع الرابع هو إضفاء شرعية زائفة على العنف اليومى الذى ترتكبه سلطات الاحتلال وتمارسه عصابات المستوطنين ضد الشعب الفلسطينى فى القدس والضفة الغربية وغزة، فمن تلصق بهم هوية الجلادين وتنزع إنسانيتهم لا يستحقون الحياة والعنف إزائهم بما فى ذلك حرق الأطفال يبرره احتواء شرورهم وتمكين بعضهم من العيش فى مجتمع «الضحايا» يعبر عن إنسانية «إسرائيل الديمقراطية» ولا يرتب لهم أبدا حقوق مواطنة دائمة أو متساوية، إلى آخر مثل هذه المبررات الفاسدة والمجرمة التى يسوقها اليمين الإسرائيلى. أخيرا، يرتبط الدافع الخامس لنتنياهو من وراء طرح زيف مسئولية الشيخ أمين الحسينى عن اقناع هتلر بإبادة اليهود بتبرير مجمل موقف اليمين الإسرائيلى مما يسمى «مفاوضات السلام» مع السلطة الفلسطينية والذى يختزل أهدافها فى الإدارة الأمنية «للمناطق الفلسطينية» ودرء خطر «الأجيال الجديدة من الجلادين والمجرمين» الذين لن يمكنهم اليمين لا من تقرير المصير ولا من إقامة الدولة المستقلة. زيف خالص، ابتذال كامل لإبادة بشعة يتحمل مسئوليتها مجرمو الحرب النازيين، اغتيال للحقيقة بإطلاق مزاعم مسئولية الشعب الفلسطينى عن المحرقة فى ألمانيا التى وثقت ديمقراطيتها لجرائم النازى وتحمل شعبها جماعيا عبء النقد الذاتى والاعتراف والاعتذار والتعويض واستعادة إنسانيته التى ذبحها كقربان لإسعاد الديكتاتور، تجديد دماء هوية «الضحية الدائمة» التى لا يعرف اليمين الإسرائيلى ولا مجرمو الحرب كنتنياهو غيرها لتبرير جرائمهم وعنفهم ضد الشعب الفلسطينى صاحب الحق العادل فى تقرير المصير. المقاومة السلمية هى الحل.