فى إحدى مدارس الجيزة، وصلت كثافة التلاميذ إلى أكثر من مائة تلميد فى فصل يفترض أن يستوعب أربعين طالبا. هذا النموذج الموجود فى المعتمدية كاشف لشكل التعليم فى مصر، المدرسة الابتدائية بنين، تحولت فجأة إلى مشتركة لأن المدرسة الإعدادية المشتركة المقابلة لها كان بها فترتان الأولى بنات والثانية بنين وعندما زاد عدد البنات، صارت الفترتان للبنات، وأخذوا الأولاد إلى المدرسة الابتدائية، وصارت هناك ثلاث فترات، الأولى من السابعة للعاشرة صباحا، والثانية من العاشرة إلى الثانية ظهرا، والثالثة من الثانية ظهرا إلى الخامسة عصرا. الكثافة فى الابتدائية تصل إلى مائة تلميذ، وفى الإعدادى إلى 70 تلميذا. والتلاميذ يفترشون الأرض أحيانا، المدرسة تقع فى قلب سوق الخضار والفاكهة، ومشهد خروج التلاميذ عبثى تماما.. التلاميذ الصغار وسط عربات الكارو والملاكى والتكاتك، وسيارات الخضار. الطلاب مجبرون على أخذ مجموعات التقوية بأربعين جنيها شهريا، حتى لو كانوا متفوقين ولا يحتاجونها، ومدة المجموعة صارت ربع ساعة فقط، بعد ان صار هناك ثلاث فترات، وإذا أضفنا الدروس الخصوصية لربما وضحت الصورة أكثر. السؤال الموجه إلى كل مسئولى الدولة خصوصا فى وزارة التربية والتعليم هو الآتى: كيف تكون هناك تربية وتعليم فى ظل هذا المناخ.. هل نضحك على أنفسنا، أم على المواطنين، أم نتواطأ جميعا على ان كل شىء تمام؟!. مساء الثلاثاء تحدثت مع وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالى الشربينى، وقبله بأسبوع ايضا التقيت الوزير ضمن مجموعة من الزملاء الصحفيين. الوزير قال ان هناك استراتيجية موجودة بالفعل يتم تنفيذها وانه لابد من اعادة الانضباط والاحترام للمدرسة والمدرس والعملية التعليمية برمتها، وان التربية والتعليم «شغلته اللى بيفهمها»، وتصريحات كثيرة عن الحضور والغياب لطلاب الثانوية منشورة فى الصفحة السابعة من هذا العدد. اصدق رغبة الوزير الجادة فى الاصلاح واتمنى ان ينجح قى رد الاعتبار للمدرسة والمدرس والطالب والمنهج، ولابد ان يساعده الجميع فى ذلك، لكن فى المقابل فالمسألة باختصار ان الناس لم تعد تهتم أو تكترث بالكلام الكبير عن الخطط والاستراتيجيات، بل ببرامج محددة وواضحة ومجدولة يمكن قياسها والمحاسبة عليها. أحد أسباب تحمس الناس لمشروع قناة السويس الجديدة، ان رئيس الجمهورية أخذ على الهواء مباشرة تعهدا على الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وهيئة قناة السويس بموعد التنفيذ خلال عام واحد فقط، وهو ما تم فعلا. وبالتالى فإن هذا المنهج يبدو انه الوحيد الذى يصلح مع العقلية المصرية الآن بعد ان تعرضت للتدمير والتشويه فى السنوات الأخيرة. نحتاج من الوزير ان يقول للناس معلومات محددة عن عدد المدارس فى كل مرحلة، والعجز الموجود فيها، ومتى وكيف يمكننا ان نهبط بالكثافة إلى أربعين تلميذا فى الفصل، ومتى يمكن ان يتوقف المدرسون عن الدروس الخصوصية، وكيف يمكن تطوير المناهج، واذا عاد الطلاب للانتظام هل سيجدون مكانا يجلسون فيه ومدرسا مؤهلا للشرح بدلا من الهروب إلى السناتر؟!. لا أقصد ان يصدر الوزير بيانا، فالبيانات من هذا النوع كثيرة جدا، لكن ما أقصده تحديدا ان تخبرنا الحكومة عبر وزارة التعليم عن تكلفة بناء المدارس المطلوبة، وكيف نوقف الدروس الخصوصية، والأهم هل لدينا الميزانية المحددة لهذا الأمر، وكم عدد السنوات التى نحتاجها حتى نصل إلى هذا المستوى؟!. من دون الوضوح والتحديد والمصارحة، فسوف نستمر فى إصدار البيانات المنمقة والجميلة، فى حين يستمر تكدس ملايين التلاميذ فى مدارس بلا فصول، وبلا مدرسين مؤهلين وبلا مناهج حديثة. والنتيجة هى تخريج كل هؤلاء بشهادات مضروبة لأننا لا نملك رفاهية رسوبهم بسبب مستواهم، وبالتالى يتم القذف بهم إلى سوق العمل ليتحولوا إلى المادة الخام للتطرف فى كل شىء من الجرائم الجنائية وإدمان المخدرات إلى التطرف الدينى والإرهاب. لا حل لهذا البلد سوى بثورة حقيقية تبدأ فى التعليم على جميع المستويات وبمساعدة كل المجتمع.