فرحة العثور على الحاج صبرى سكرتير الأستاذ نجيب محفوظ، وتأكيده أن الأستاذ نجيب كان يمليه «أحلام فترة النقاهة» كلمة كلمة، بعد حفظ الحلم أولا، كانت الأبرز خلال مقابلتى معه، وهو ما أوقعنى فى فخ الخبر والسبق الصحفى، رغم أن قصة لقاء الحاج صبرى وما يحمله من تراث ثقافى، نُقل إليه، عبر جلساته الطويلة والقريبة من سيد الكتابة الأستاذ نجيب محفوظ، مدهشة، وحكاياته عن الأستاذ بديعة. «دعانى مديرى إلى العشاء فى مسكنه واستقبلنى هو وكريمته الصحفية، وكان الطعام عبارة عن ملعقتين من المكرونة وتفاحة قسمتها الفتاة ثلاثة أقسام متساوية، وقد ظننت عندما قدم أنه فاتح شهية، ولكن تبين أنه العشاء كله، وقالت الفتاة وهى توصلنى إلى الباب: أين تمضى سهرتك؟ فقلت لها: سأبحث عن مطعم لأتناول العشاء». هذا الحلم 227، المنشور فى الجزء الأول من «أحلام فترة النقاهة»، هو ما تذكره الحاج صبرى، قائلاً: «كان الأبرز خلال أحاديثى مع الأستاذ نجيب محفوظ»، وضحك بقوة، وكأنه يرى الأستاذ نجيب أمامه. ثم حكى الحاج صبرى عن كرم الأستاذ نجيب محفوظ، متذكرا ال«ألف جنيه» التى كانت نصيبه من الأستاذ نجيب لحظة توقيعه على عقد دار الشروق لنشر أعماله، وكانت الألف جنيه حلاوة توقيع العقد. الحاج صبرى، الرجل الثمانينى، الذى يحتفظ بصورة كبيرة له مع الأستاذ نجيب محفوظ، بدا عليه السعادة حين أمسك فى يديه أصول الأوراق التى كتبها بخط يده، والتى ستنشر قريبا عن دار الشروق، لتصبح الجزء الثانى من «أحلام فترة النقاهة»، ثم قال: «بعد رحيل الأستاذ نجيب محفوظ سألت كثيرا عن تلك الأحلام التى لم تنشر من قبل. الحمد لله أنها ستنشر دلوقتى». غير أنى كنت مشغولاً بالحب العظيم الذى يكنه كل من تعرف بالأستاذ نجيب محفوظ، فحتى بعد رحيله منذ 9 سنوات، وجدت كثيرين يتحدثون عنه بإجلال واحترام، بل وجدته عند البعض ما يزال عائشا وسطنا. الحاج صبرى تعرف على محفوظ عام 1954 عندما كان فى زيارة للأديب يوسف السباعى ليطبع روايته «بين القصرين». وكان الحاج صبرى سكرتيرا فى نادى القصة حين نشر محفوظ الثلاثية وذاع صيته، وظل صبرى يتردد على مكتب الأديب نجيب محفوظ فى نادى القصة ليوقع له على بعض الأوراق. وظلت علاقتهما فى هذه الحدود حتى توطدت العلاقة بينهما بعد أن حصل نجيب محفوظ على جائزة نوبل فى الآداب، فأصبح يعانى من متاعب فى عينيه، فبحث محفوظ عن شخص ليقرأ له، وأستقر الأمر على الحاج صبرى سكرتير «ثروت أباظة»، وكذلك سكرتير يوسف السباعى، وتوفيق الحكيم. ومن وقتها عام 1986 إلى رحيل الأستاذ نجيب محفوظ ظل الحاج صبرى الأقرب إلى الأستاذ نجيب محفوظ. وحكى الحاج صبرى كلمة هنا وكلمة هناك عن عادات الأستاذ نجيب محفوظ فى قراءة الصحف، خاصة جريدة الأهرام، والتزامه الشديد وانضباطه فى كل شىء. «روح أنت يا صبري، أنا عاوز أستريح بقى» الجملة الأخيرة التى قالها محفوظ لصبرى، والتى تذكرها جيدا الحاج صبرى خلال جلستى معه، قائلاً: «للأسف لم أستطع الذهاب إلى المدافن؛ حيث إننى لا أملك سيارة، لكنى كنت أذهب دوما إلى المستشفى، وكان الأستاذ محفوظ يسأل عنى، ويطمأن حين آتى إليه، خاصة بعد نشر أحلام فترة النقاهة فى مجلة نصف الدنيا».