تشكلت لجنة من 30 متخصصا فى مجال المناجم والمحاجر لإعداد قانون جديد ينظم عمل القطاع وذلك بناء على مقترح من مجلس علماء الثروة المعدنية التابع لهيئة الثروة المعدنية ومن المنتظر عرض القانون على مجلس الشعب فى دورته القادمة، كما قال حسين حمودة رئيس الهيئة. وبينما لن يغير القانون كثيرا من البنود الخاصة بعمل المناجم، فإنه سيعيد تبعية المحاجر مع المناجم إلى وزارة البترول من خلال الهيئة، «مما يمكنها من وضع نظام صارم يحمى ثرواتها من الإهدار ويشجع الاستثمار فيها»، تبعا لحمودة. ووفقا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وصل عدد المناجم فى مصر حتى مارس من العام الماضى إلى 53 منجما، تعجز معظمها عن اجتذاب مستثمرين محليين أو أجانب، بسبب القانون المنظم لعملها والذى يعود إلى عام 1956. وهذا القانون هو نفسه الذى ينظم عمل المحاجر، حتى بعد فصلها عن المناجم، وضمها للمحليات بقرار رسمى صدر فى الستينيات. وكانت أزمة عمال المنيا قد سلطت الضوء مجددا على مشكلات المحاجر، وبدأت عندما قام محافظ المنيا نهاية الشهر الماضى برفع سعر الإتاوة المفروضة على المستثمرين المستأجرين للمحاجر بنسبة 20%، مما أدى إلى إغلاقهم لهذه المحاجر التى تمد مصانعهم بالمواد الخام اللازمة لصناعة كربونات الكالسيوم، والأسمنت ولذلك احتج العمال وقاموا بعمل مظاهرات واحتجاجات بسبب ضياع مصدر رزقهم الوحيد. وقد تراجع محافظ المنيا عن قراره قبل عدة أيام، وتم الإفراج عن المعتقلين، وتماثل المصابون للشفاء، وعادت المحاجر للتشغيل والعمال لنشاطهم، لكن ظلت مشكلة المناجم والمحاجر كما هى، واستمرت مخاوف المستثمرين الذين تعتمد أنشطتهم على خامات تلك المحاجر من زيادات أخرى فى الرسوم والإتاوات خاصة فى ضوء عدم معرفة الجهة التى تتبعها هذه المحاجر. «المحاجر بلا أب فى مصر»، كما قال فايز جريس،رئيس مجلس إدارة شركة أسكوم للتعدين التابعة لمجموعة القلعة، والتى تنتج كربونات الكالسيوم، ذاكرا أن الجهة التى تمنح ترخيص استغلال المحجر غير محددة، فبعد أن تتفق الشركة التى ترغب فى ذلك مع المحافظة التى يقع على أرضها المحجر، قد تفاجأ بإخطار من هيئة الثروة المعدنية التابعة لوزارة البترول بأن الترخيص يجب أن يكون منها، وإخطار ثان مماثل من هيئة الخدمات البشرية التابعة للقوات المسلحة، ويذكر جريس أنه بسبب كثرة الجهات التى تخاطب المستثمر هناك مزحة تعبر عن الوضع بين العاملين فى هذا القطاع وهى «المحاجر ملهاش أب ولكن لها 7 أب». وبدأت مشكلة المحاجر عندما تم فصلها عن المناجم والملاحات بقرار جمهورى فى الستينيات، وقال حمودة إن المحاجر والمناجم والملاحات كانت تخضع جميعها للثروة المعدنية، لكن قرارا رسميا صدر فى الستينيات فصل المحاجر، لتتبع المحليات، ومنذ ذلك الوقت وثروة مصر فى المحاجر تتعرض للإهدار. وأضاف حمودة أن المحاجر لا تخضع إلى أى إشراف فنى أو قانونى، لذلك لا تستغل بطريقة سليمة، حيث يزيد المهدر على الإنتاج الفعلى بعدة أضعاف (يتم إهدار 7 أطنان من الخامات لإنتاج طن واحد)، «كما أن هناك جرائم أخلاقية يجب أن يحاسب عليها من يرتكبها حسابا عسيرا» تبعا لحمودة. وأضاف أن بعض المستأجرين يستغلون خامات المحاجر الثمينة فى صناعة سلع هزيلة مثل استخدام الحجر الجيرى فى صناعة الطوب للبناء على الأراضى الزراعية «فالضرر يكون من الجانبين من ناحية إهدار الخامة الثمينة، ومن ناحية أخرى استخدام المنتج النهائى فى الإضرار بالأرض الزراعية»، علما بأن الحجر الجيرى فى مصر يعتبر من أرقى الأنواع العالمية، الذى يدخل فى صناعة الأدوية والمواد الكيماوية. إهدار ثروة المحاجر ليس المشكلة الوحيدة التى يواجهها القطاع، فالمعوقات التى تضعها المحليات تؤدى إلى هروب المستثمر، وأهمها انتهاج المحافظة التى يتبعها المحجر سياسة غير محددة من ناحية تكلفة الإيجار والإتاوة، وقال جريس إن الشركات تتفق مع المحافظة من خلال عقد على قيمة الإيجار السنوية، وأيضا على الإتاوة وهى عبارة عن مبلغ معين تحصله عن كل طن أو متر مكعب يتم استخراجه من المحجر (حسب نوعية الخامة المتوافرة به)، لكن المحافظة تقوم برفع الإتاوة سنويا بنسب غير منتظمة وتحددها حسب وجهة نظر المسئولين بها، وأكد ذلك حمودة الذى قال «المحليات تتعامل مع المحاجرعلى أنها نهيبة». وقد قامت محافظة المنيا برفع قيمة الإتاوة العام الماضى بنسبة 100%، كما ابتكرت وسيلة أخرى تقوم من خلالها بتحصيل رسوم إضافية وتسمى (الكارتة)، وهى عبارة عن رسوم تحصل من كل سيارة نقل للخامات فى طريق المحجر، تبعا لجريس. وأضاف جريس أن زيادة الأسعار دون قواعد معينة، يضر بالاستثمارات التى يمكن أن تتحول للخسارة بعد حين بسبب ارتفاع التكلفة، والتى لم تأخذها فى الحسبان دراسة جدوى المشروع، فمثلا عندما أعدت شركة أسكوم دراسة مشروع كربونات الكالسيوم فى المنيا فى عام 2006 كانت تكلفة الإتاوة 50 قرشا لكل متر صخرى، ووصلت الآن إلى 5 جنيهات، مشيرا إلى أن كل المحاجر فى مصر تعانى من هذه المشكلة وليست محافظة المنيا فقط، التى تحولت إلى أزمة شغب ومظاهرات نتيجة الظروف الاقتصادية القاسية التى تعيشها الشركات بسبب حالة الركود كواحدة من أسوأ تبعات الأزمة المالية العالمية، «وهى مش ناقصة أى زيادة فى تكلفة الإنتاج حتى لو كانت أقل من 1% وليست 20%». وكانت شركة أسكوم التى بدأ مصنعها الإنتاج فى أبريل الماضى بطاقة إنتاجية 180 ألف طن، تخطط لإقامة خط آخر بطاقة إنتاجية بنحو 100 ألف طن، على أن تخصص نصف الإنتاج للتصدير، لكن ضربت الأزمة العالمية الطلب، مما جعلها توجه كل إنتاجها إلى السوق المحلية والتى يزيد فيها العرض عن الطلب مما يجبر المنتجين على خفض السعر إلى أدنى حد ممكن، وقال جريس إن زيادة التكلفة عبر رفع الرسوم غير المبرر عن طريق مسميات مختلفة قد يدفع الشركة إلى التخلى عن تلك التوسعات حتى بعد تحسن الأحوال الاقتصادية العالمية. وصل عدد المحاجر فى مصر إلى 1727 محجرا فى مارس من العام الماضى، ويعتبر الحجر الجيرى، والبازلت، والرمل، والزلط، وكسر الجرانيت، والرخام الأبيض، والجبس والطفلة من أهم الخامات المتوافرة فيها. على جانب آخر تعانى المناجم المصرية من عدم القدرة على جذب استثمارات عالمية أو محلية، ويرى يوسف الراجحى مدير عام شركة سنتامين إيجبت، التى قامت بأول عملية استخراج الذهب من مصر فى مطلع يوليه الماضى، أن قدم قانون المحاجر والمناجم، وعدم تطويره بما يناسب المستجدات على ساحة الاقتصاد والاستثمارات العالمية يقف وراء ضعف الاستثمارات التى تقبل على هذا القطاع فى مصر. وأضاف الراجحى أن مصر تعامل قطاع المناجم بنفس معاملة مشروعات البحث والتنقيب عن البترول، مثل إسناد المشروع عن طريق المزايدات، وأيضا المشاركة باقتسام الإنتاج، وهو ما يخالف النظام السائد فى دول العالم المختلفة، والتى تتعامل مع المناجم بنظام الإسناد المباشر. وأشار إلى أنه يمكن الاستمرار فى نظام طرح مزايدات بشرط وضع قواعد صارمة يتم على أساسها اختيار الشركة، وأهم تلك القواعد الخبرة والملاءة المالية المرتفعة، وقال إن تلك القواعد تجنب المزايدات دخول هواة وشركات غير جادة تحصل على الأرض ولا تستغلها، «وهى عادة ما تزايد على الشركات الكبيرة بوسائل ملتوية» تبعا لتعبيره. إلا أن حمودة أكد أن القانون الجديد كان حريصا على الاستمرار فى هذا النظام، لأنه يضمن حق الدولة فى ثرواتها، وقال إن المزايدات تضمن اختيار أفضل الشركات التى يمكن أن تستثمر فى مصر.