تتجه أنظار المراقبين السياسيين بعد غد الاثنين إلى العاصمة السودانية الخرطوم، لمراقبة انطلاق الانتخابات التشريعية والرئاسية بالبلاد، والتي تجرى وسط حالة من التوتر السياسي والاتهامات المتبادلة بين حزب المؤتمر الوطني "الحاكم"، وبعض الأحزاب والقوى السياسية المؤثرة على الساحة السودانية، والتي أعلنت رفضها المشاركة في العملية الانتخابية. ومع دخول العملية الانتخابية مرحلة الصمت الانتخابي التي بدأت اليوم السبت، عكف المرشحون، والمفوضية القومية للانتخابات، والجهات الأمنية المعنية بحمايتها وتأمينها في ترتيب أوراقهم والاستعداد لاستقبال المواطنين أمام صناديق الاقتراع المنتشرة بالمراكز والمقار الانتخابية والتي يتجاوز عددها سبعة ألاف مقر انتخابي موزعة على 18 ولاية من الولايات السودانية. ومع هذا الصمت الانتخابي الذي ثبت حتى الآن التزام المرشحين بتنفيذه، تظهر على السطح بجلاء أصوات الرافضين من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة لإجراء تلك الانتخابات في موعدها المحدد، وبرر كل حزب موقفه الرافض بعدة أسباب يعتقد-من وجهة نظره- أنها كافية لوقف سير تلك الانتخابات. وقد أعلنت المفوضية القومية للانتخابات بالسودان، اكتمال الترتيبات كافة، لبدء عملية الاقتراع بعد غد الاثنين بجميع الولايات لاختيار مرشحيهم للمجلس التشريعي ورئاسة الجمهورية، موضحة أن عدد من يحق لهم التصويت يبلغ 13 مليونا و 642 ناخبا مقيدين بالسجل الانتخابي، موزعين على المراكز الانتخابية المنتشرة بمختلف الولايات. وأكد رئيس المفوضية القومية للانتخابات مختار الأصم، أن عملية مراقبة الانتخابات مفتوحة أمام كافة المنظمات المحلية والدولية، وقال "إن المفوضية هدفت من خلال مشاركة المنظمات والهيئات في مراقبة الانتخابات، لبلوغ أقصى درجات الشفافية والوضوح في إجراء العملية الانتخابية". وكشف الأصم، عن تقديم 190 منظمة أجنبية طلبات لمراقبة الانتخابات منها منظمات من الصين الشعبية وجنوب أفريقيا والبرازيل وفرنسا، مشيرا إلى انه تمت الموافقة على طلبات 31 منظمة منها للمشاركة في الرقابة الدولية على كل مراحل الانتخابات. وأشار إلى أن هناك عددا كبيرا من المنظمات المعنية بشفافية الانتخابات أبدت رغبتها للمراقبة، لافتا إلى قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي اتخذ قرارا بالإجماع لمراقبة الانتخابات السودانية، ودعمها عبر إرسال بعثة كاملة تشمل السفراء المعتمدين لديه. وقال الأصم، أن هناك الأن أكثر من230 منظمة محلية و 31 منظمة عالمية لمراقبة العملية الانتخابية، وشدد على أن الرقابة العالمية أو الإقليمية لا تضمن نزاهة الانتخابات، ولكن من يضمن نزاهتها هي الرقابة الداخلية التي تقودها الأحزاب السياسية ووكلاء المرشحين بالبقاء مع صناديق الاقتراع لحين الفرز وإعلان النتيجة. وأكد أن عملية الاقتراع التي تبدأ صباح بعد غد الاثنين ستستمر لمدة ثلاثة أيام، على أن تغلق صناديق الاقتراع الساعة السادسة مساء يوم 15 إبريل الجاري، وتبدأ عملية فرز الأصوات يوم 16 أبريل، مشيرا إلى أن إعلان نتائج انتخابات رئاسة الجمهورية سيكون يوم 27 أبريل بقاعة الصداقة بالخرطوم. ويتضح من المشهد السياسي الراهن بالسودان أن المقاطعين لها ساقوا حزمة مبررات لمواقفهم، أهمها اشتعال الحرب في 7 ولايات وانحياز مؤسسات الدولة والتشكيك في الإحصاء السكاني وغياب التوافق الوطني والحريات العامة. ويبدو للمتابع لمشهد السياسي الداخلي للسودان، أن الشارع السوداني يكاد لا يعرف مرشحا لرئاسة الجمهورية سوى مرشح الحزب الحاكم الرئيس عمر البشير، من ضمن قائمة تضم 16 مرشحا للرئاسة من المغمورين، أو من هواة البحث عن الشهرة. وعلى مستوى الدوائر القومية والولائية، لا ينافس مرشحي حزب المؤتمر الوطني في الغالب سوى منشقين من الكيان نفسه، بينما وهب الحزب بعضا من حلفائه دوائر ليضمن بقاؤهم ضمن منظومة الحكم القادمة، وتم إعلان فوز بعض المرشحين بالتزكية، بلا منافسة أو ضجيج. ويعزو حزب المؤتمر السوداني "المعارض"، عدم مشاركته في الانتخابات إلى جملة أسباب، ويحصي رئيس الحزب إبراهيم الشيخ، أسبابا يقول إنها أولية وإستراتيجية لهذا الموقف، منها أن التعداد السكاني الذي تقوم عليه الانتخابات وقامت عليه انتخابات 2010 مشكوك في نزاهته. ويمضي الحزب الشيوعي السوداني، في رفض الانتخابات إلى أنها غير متكافئة لسيطرة حزب المؤتمر الوطني على المرافق والمؤسسات، ويقول السكرتير العام للحزب سيد أحمد الخطيب، إن القوات النظامية والقضاء غير مستقلين والمفوضية مُعينة من النظام والإعلام مسيطر عليه. ويؤكد رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي،-المتواجد خارج البلاد- مقاطعته للانتخابات، متهما النظام بالإعداد لتزويرها، وقد انسحب حزب الأمة من الحوار الوطني، بعد أن كان من أكبر داعميه، وذلك عقب إطلاق سراح المهدي في يونيو 2014 من اعتقال دام شهرا، إثر توجيهه انتقادات لقوات الدعم السريع التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، ليختار بعدها المهدي معارضة النظام من الخارج. في حين تشترط حركة "الإصلاح الآن"، القادمة إلى مضمار المعارضة السودانية حديثا، لإجراء الانتخابات حدوث الاستقرار السياسي في البلاد أولا، وانشقت الحركة بقيادة غازي صلاح الدين العتباني، من الحزب الحاكم في أكتوبر 2013 عقب مذكرة رفعتها قيادات بارزة احتجت على مقتل العشرات في احتجاجات سبتمبر ضد رفع الدعم الحكومي عن المحروقات. وقال العتباني، أثناء تدشين الحركة لحملتها الخاصة بمقاطعة الانتخابات في فبراير الماضي، إن عشرة أسباب كانت وراء قرار حزبه مقاطعة الانتخابات أهمها عدم وجود الاستقرار السياسي، واستمرار الحرب في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، بجانب استمرار الحكومة في تقليص الحريات. في حين صمد حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي على رفضه لإجراء الانتخابات، رغم تمسكه اللافت بمبادرة الحوار الوطني، على الرغم من انسحاب كل رفقائه، وهو ما جعل العملية أشبه بحوار لإعادة توحيد الإسلاميين من جديد. وعلى الرغم من هذا التباين والاختلاف في المواقف السياسية، فإن الوضع الراهن بالسودان، هو رفع شعار "لا صوت يعلو على صوت الانتخابات"، وتعتزم حكومة الخرطوم السير في تنفيذ الاستحقاق الدستوري للبلاد، رغم العراقيل التي توضع أمامها والتي كان أخرها موقف الاتحاد الأوروبي الرافض للانتخابات، والتي انتقده وقلل منه مساعد الرئيس السوداني-نائب رئيس الحزب الحاكم-إبراهيم غندور، بقوله، نحن لا نحتاج "صك غفران" من الاتحاد الأوروبي أو من غيره. ويكفي أن القارة الأفريقية وهي القارة الأم لنا، تشاركنا في مراقبة الانتخابات، فضلا عن الجامعة العربية ومنظمة "الإيجاد" ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من المنظمات الأهلية والإقليمية والدولية، التي أرسلت بالفعل بعثاتها للمشاركة في هذا الاستحقاق الدستوري للمواطن السوداني.