انعقد فى الأسبوع الماضى وعلى مدى يومين 25 و26 مارس أحد أهم مؤتمرات طب القلب فى القاهرة. تأتى أهمية مؤتمر Combat - MI من ارتباط موضوعاته بصلة مباشرة بتلك اللحظات الحاسمة الفارقة فى حياة الإنسان إذا ما تعرض للإصابة بجلطة فى الشرايين التاجية. ناقش المؤتمر فى دورته التاسعة ما استحدثه العلم والعلماء خلال عام مضى من وسائل تشخيص وعلاج لأهم سبب يهدد حياة الإنسان ويجعلها فى مرمى الخطر: جلطة الشريان التاجى. فى الوقت الذى تعد أمراض الشرايين التاجية أخطر وأهم ما يتهدد حياة الإنسان تظل الساعة الأولى التى تلى مباشرة الإصابة بجلطة الشريان التاجى أو ما يطلق عليها «الساعة الذهبية» هى مفتاح الحياة الذى يدور إما فى اتجاه الضوء عبر النفق المظلم ليعبر الإنسان جسر الخطر أو يعم الظلام التام إذا ما دار عكس الاتجاه «سلسلة الحياة» Chain of life.. تعبير يعكس طبيعة تلك الوقائع المتلاحقة التى تلم بعضلة القلب حينما تباغتها جلطة الشريان التاجى فإذا ما قدر للإنسان أن تتوافر له عملية الإنقاذ فى الساعة الأولى من الإصابة اتصلت حلقات السلسلة والتأمت الدائرة وكتبت له النجاة. أما إذا انكسرت الدائرة وانفصلت إحدى تلك الحلقات فلا مفر من المصير الذى يبدأ بتلف خلايا عضلة القلب تختلف درجاته بدءا من التأثير على كفاءتها وانتهاء بوفاة المريض. حول وقائع تلك الساعة الفارقة فى حياة الإنسان ينعقد سنويا ذلك المؤتمر المهم الذى يدعو له ويشرف على أعماله الأستاذ الدكتور أحمد مجدى رئيس أقسام طب القلب بمعهد القلب القومى والأستاذ الدكتور سامح شاهين أستاذ أمراض القلب بجامعة عين شمس. يلقى المؤتمر الضوء على المحاور الأساسية التى يجب العمل على تعزيزها ودعمها: • توعية الإنسان العادى بمخاطر أمراض الشرايين التاجية وأعراضها الحادة وضرورة طلب المساعدة العاجلة باللجوء لمستشفى متخصص به غرفة للرعاية المركزة. • الاستراتيجية التى تبدأ بمجرد اتصال المريض لتبدأ إجراءات إسعافه حال الوصول إليه فى مكانه وأثناء نقله بعربة إسعاف مجهزة إلى طوارئ المستشفى. • العلاج الحاسم الذى يبدأ فى المستشفى بنقله واستقباله ليبدأ العلاج الدوائى لإذابة الجلطة. • القسطرة القلبية العاجلة لفتح الشريان التاجى وإعادة تروية عضلة القلب بتيار من الدم السارى. الأمر الذى يضمن محدودية إصابة خلايا القلب بالتلف الذى يحد من كفاءتها فيما بعد. يتعاون فى أداء تلك المنظومة فريق متكامل من أطباء القلب الباطنيين ومتخصصى القسطرة القلبية والرعاية المركزة والطوارئ إلى جانب فنى التمريض والمعمل والعاملين فى فريق الإسعاف. • كيف تحدث جلطة الشرايين التاجية؟ يظل القلب رمانة الميزان فى حركة الدم الدائبة بين الشرايين والأوردة.. ينقبض القلب بقوة ليدفع الدم فى شريان الأورطى الذى يتولى دفعه فى كل شرايين الجسم التى تشكل شبكة محكمة الصنع متصلة حتى أطرافها التى تبدأ منها شبكة أخرى من الأوردة يعود فيها الدم إلى القلب مرة أخرى عبر الوريدين السفلى والعلوى. تنبسط عضلة القلب لتستقبل الدم القادم من كل أوردة الجسم لتنقبض مرة أخرى لتدفعه فى اتجاه الرئتين التى تتولى عملية تنقيته ليعود ويضخه فى شريان الأورطى. سريان الدم فى يسر هو الأصل فى بقاء الإنسان سليما معافى من خطر الإصابة بالجلطة سواء كان ذلك فى الشرايين أو الأوردة الأمر الذى يسميه العلم بالجلطة الدموية الشريانية أو الجلطة الدموية الوريدية. يسبق تكون الجلطة الشريانية عوامل عديدة تمهد لحدوثها وتنذر بأخطارها أهمها إصابة الشرايين بالتصلب. لا يحدث تصلب الشرايين فجأة إنما هى عملية طويلة الأمد قد تستمر لسنوات عديدة قبل أن تسفر عن أعراض يشعر بها الإنسان. تبدأ بما يشبه الخدش داخل بطانة الشريان يجذب إليه بعضا من خلايا الدم البيضاء التى انتهى عمرها والصفائح الدموية والأهم ذرات الكوليستيرول المتناهية فى الصعر (الكوليستيرول الردئ LDL). مع مرور الوقت الذى يختلف بالطبع بين إنسان وآخر قد تتلكأ بعض ذرات الكالسيوم الأمر الذى يضيف صلابة لتلك البثرة التى تكونت على البطانة الداخلية للشريان. لا يبقى الحال على ما هو عليه إذ يتسبب ما حدث فى ضيق الشريان المصاب وبالتالى قلة وانحسار الدم فيه الأمر الذى يبدأ معه التهديد الحقيقى لحياة الإنسان وينذر بالخطر. تتكسر تلك البثرة وتنفجر داخل الشريان التاجى محدثة جرحا حقيقيا فى جداره الأمر الذى يستنفر الجهاز المناعى لجسم الإنسان معتبرا ما حدث اعتداء عليه يستوجب التدخل السريع الحاسم. تبدأ عوامل تخثر الدم عملها لتحدث الجلطة التى تسد الشريان بالكامل فتحرم المساحة التى يغذيها تماما من الدم الأمر الذى يعرف باحتشاء عضلة القلب. قد لا يقف الأمر عند هذا الحد إذا ما تفتتت أجزاء من الجلطة وأبحرت مع تيار الدم السارى إلى أى نقطة أبعد فى الشرايين واستقرت فيها محدثة جلطة أخرى قد تكون فى المخ على سبيل المثال محدثة سكتة دماغية. تصلب الشرايين عملية طبيعية تواكب التقدم فى العمر لكن بداياتها تختلف من إنسان لآخر وتداعياتها تعجل بها تفاصيل حياة الإنسان وإدراكه لطرق الوقاية منها. من تلك العوامل التى لا يمكن دفعها العامل الوراثى وارتفاع نسبة الإصابة بها عند الرجال عن النساء فى سن الشباب. أما العوامل التى يجب محاولة تغييرها وعلاجها فتبدأ بالإصابة بارتفاع ضغط الدم ومرض السكر والسمنة والتدخين وارتفاع نسب الكوليستيرول الردى وحامض اليوريك فى الدم إلى جانب افتقاد الحياة النشطة وممارسة بعض من الرياضة البدنية.