السيناريو الكابوسى أن تنزلق كل المنطقة العربية والإسلامية الآن بعد الحرب فى اليمن إلى صراع سنى شيعى واسع النطاق، لن تستفيد منه إلا إسرائيل وكل أعداء الأمة. لكن قد يسأل البعض: وهل المنطقة لم تنزلق بالفعل إلى هذا السيناريو الكارثى؟!. هناك صراع سنى شيعى مشتعل فى أكثر من مكان بالمنطقة خصوصا العراقوسورياولبنان، لكن ما يحدث فى اليمن الآن أكثر سفورا وينذر بانقسام غير مسبوق وصراع مذهبى قد يستمر عقودا. على كل العقلاء فى المنطقة أن يقاوموا بكل السبل الممكنة هذا الانزلاق إلى الحرب المذهبية وأن يفضحوا كل العملاء أو السذج الذين يقودوننا إلى هذا المستنقع. نعم هناك صراع تاريخى، ولكن علينا أن نفكر بعقولنا حتى نعرف طبيعة هذا الصراع والقوى التى تدفع إلى تأجيجه كلما لاحت فرصة لإخماده. الشيعة والسنة موجودون معا فى المنطقة منذ نحو 1400 سنة، وليس متصورا أن تقضى طائفة على أخرى.. إذن لماذا يتصور البعض أنه قادر على إلغاء الآخر؟!. الجلى أن هناك صراعات قومية وسياسية واجتماعية يحاول أطرافها رفع راية الدين أو المذهب أو القبيلة لكى يحسموها. هناك فى الجانب السنى منظمات وحركات وجماعات كثيرة ترفع شعارات دينية لتحقيق غايات سياسية من أول الوهابية نهاية بالإخوان وما بينهما من فصائل وتيارات مختلفة. الأمر نفسه فى الجانب الشيعى ونرى ذلك واضحا فى الفصائل والمنظمات الشيعية فى العراقوسورياولبنان وابران بطبيعة الحال. الآن أحدث نسخة لهذا الصراع التاريخى موجودة فى اليمن. الزيود الشوافع وحتى سنوات قليلة مضت كانوا مختلفين تماما مع المذهب الجعفرى الاثنى عشرى، لكن فجأة زالت معظم الحواجز وصار غالبية الحوثيين دمية فى يد نظام ولى الفقيه فى قم الإيرانية. الأمر الواضح أن إيران تسعى لتحقيق هيمنة فارسية على أساس قومى، لكنها تدرك أن ذلك لن يتم إلا عبر رفع لافتة المذهب الشيعى. علينا أن نتذكر أن المصريين السنة وغالبية السنة العرب رفعوا صور حزب الله الشيعى وزعيمه حسن نصر الله أثناء العدوان الإسرائيلى على جنوبلبنان عام 2006، لكن عندما صمت الحزب عن نتائج غزو أمريكا للعراق عام 2003 وما بعدها، ثم انحاز لبشار الأسد فى سوريا ونورى المالكى فى العراق وحسين الحوثى فى اليمن، نظر الجميع اليه باعتباره حزبا طائفيا للأسف الشديد. الشيعة العرب حاربوا ببسالة مع وطنهم العراق ضد إيران الشيعية فى حرب الثمانى سنوات من 1980 1988، وشيعة لبنان كانوا فى مقدمة المقاتلين فى صفوف الثورة الفلسطينبة، لكن إيران عادت الآن لتنتقم من الجميع وتعلن أنها صارت تهيمن على أربع عواصم عربية رئيسية هى بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. القاعدة وداعش وكل التنظيمات السنية المتطرفة قدمت أفضل خدمة لإيران وعملائها فى المنطقة، وأظهرت إيران باعتبارها دولة تناضل ضد الإرهاب والتكفير، ورأينا جنرال إيران الخفى قاسم سليمانى يقود المعارك علنا على الأرض فى العراق بينما الطائرات الأمريكية والغربية تساعده من الجو. المهمة الرئيسية لكل العقلاء العرب والمسلمين هى أن يخوضوا المعركة الصحيحة ضد الفساد والاستبداد والتطرف بكل أشكاله سواء كان سنيا أوشيعيا، وعليهم أن يقاوموا بكل الطرق الاصطفاف على أساس مذهبى. باختصار شديد المعركة على أساس المذهب سوف تستفيد منها فقط إيران التى تريد أن تصبح شرطى المنطقة مرة أخرى، وتركيا التى تريد إقناعنا بأنها منقذنا ضد «إيران الصفوية» التى كانت سنية ثم تشيعت فجأة، وأمريكا التى يستنجد بها الجميع ويخطب ودها، وأخيرا إسرائيل التى تلقت أفضل خدمة منذ إنشائها من خصومها الذين انشغلوا جميعا بتصفية بعضهم البعض وانخرضوا فى حرب عبثية مجنونة لا نعرف إلى أى درك سوف تهبط بنا.