فيما يبدو أن سياسة التقشف ستكون شرارة الربيع الأوروبي، حيث تعيش حاليا العديد من دول الاتحاد الأوروبي على صفيح ساخن فى ظل ظروف سياسية واقتصادية متعاقبة ومتشابكة أدت الى خروج المظاهرات المنددة بسياسة التقشف التى يفرضها الاتحاد الأوروبي على الأعضاء من دوله. يأتي ذلك فى الوقت الذى تنتهج فيه أثينا بعد تولي رئيس وزراء اليونان أليكسيس تسيبراس مهام منصبه تنتهج سياسة اقتصادية بعيدة عن التقشف تحاول من خلالها الخروج من أزمتها المالية الخانقة، مما يثير قلق الدول الأوروبية وفى ذات الوقت يدفع دولا أخرى إلى المطالبة باتباع نفس النهج. التقشف كما يعرّفه خبراء الاقتصاد هو لجوء الدولة إلى إتباع سياسات مالية تهدف إلى إحداث قدر من التوازن بين الإنفاق العام للدولة وإيراداتها العامة باستخدام الأدوات المعلومة للسياسة المالية مثل رفع الضرائب أو زيادة الرسوم أو صافى أرباح الشركات، وأن تلجأ الدولة إلى خفض الإنفاق العام بأشكاله المختلفة مثل الإنفاق على البنية التحتية أو مساعدات الأسر منخفضة الدخول. أو أن تقوم بخفض أجور العاملين، حيث تهدف هذه الإجراءات الى رفع درجة السيولة التي تتمتع بها الحكومة وتقليل درجة اعتمادها على الاقتراض بكافة أشكاله، وتتم هذه العمليات من الخفض الاختيارى للإنفاق العام بهدف السيطرة على العجز في الميزانية العامة للدولة، والسيطرة على نمو الدين العام ورفع تنافسية الاقتصاد المحلى ورفع مستويات نموه الاقتصادى. مشهد يعيد للاذهان أحداث الربيع العربى، الذى إندلع قبل 4 أعوام فى منطقة الشرق الأوسط، مظاهرات احتجاج على سياسة التقشف عمت أسبانيا أوائل الأسبوع الحالى، سبقها نفس نوعية المظاهرات فى ألمانيا، مظاهرة مدريد العاصمة الاسبانية الحاشدة شارك فيها ما يقرب من 15 ألف شخص تلبية لدعوة وجهتها منظمات اجتماعية ونقابية، تحت شعار "الخبز، والعمل، والمأكل، والشرف" ، للاحتجاج على سياسات التقشف في البلاد، وذلك تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى "لمسيرة الكرامة" التي اندلعت في 22 مارس من العام الماضي، وفيها طالب المحتجون الحكومة الأسبانية بإنهاء سياسات التقشف التى تتبناها بسبب الأزمة الاقتصادية . فيما جمعت مظاهرات مدينة فرانكفورت الألمانية نحو 10 الأف متظاهر، أمام المقر الجديد للبنك المركزي الأوروبى، وفيها ألقى المحتجون بالمسئولية عن صياغة سياسة منطقة اليورو وإجراءات التقشف على هذا المصرف، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية، واشتبك المحتجون المعارضون لسياسات التقشف مع شرطة مكافحة الشغب، وأضرموا النيران فى المتاريس والسيارات لتغطى سحب الدخان على الاحتفال المقام بمناسبة افتتاح المبنى البنك الشاهق الذي كلف مليار يورو، وقامت الشرطة باعتقال نحو 350 محتجا، وأصيب على الجانب الأخر نحو 90 شرطيا جراء إلقاء حجارة عليهم. وعلى النقيض، يتصدر المشهد الوضع فى اليونان ، فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخصيص ملياري يورو لمساعدة اليونان على مواجهة التداعيات الإنسانية والاجتماعية للأزمة المالية الخانقة وخطط التقشف الصارمة التي نفذتها الحكومات المتعاقبة، وجاءت ذلك بعد يوم واحد من المحادثات التى أجراها رئيس وزراء اليونانى مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وكبار مسئولى الإتحاد الأوروبى على هامش القمة الأوروبية التى عقدت مؤخرا في العاصمة البلجيكية بروكسل. وفى هذا الصدد، شددت المفوضية الأوروبية على أن الأموال مخصصة هى فقط لدعم النمو وبرامج التنمية الاجتماعية وخفض البطالة، حيث أدت الأزمة المالية التي تعيشها اليونان منذ سنوات وحالة الركود الاقتصادي إلى أن تجاوز معدلات البطالة نسبة 26%، بما يقدر بأكثر من مليون وربع مليون عاطل، وتخطى نسبة الفقر 23%، بالإضافة إلى عدم قدرة ملايين اليونانيين على دفع الضرائب والرسوم المفروضة عليهم ، والتي تصل إلى حوالى 76 بليون يورو ، أي 42 % من إجمالي الناتج القومى الداخلي. تتسم العلاقة بين اليونان وشركائها فى الاتحاد الأوروبى بالتربص الدائم، منذ وصول حزب سيريزا اليسارى بزعامة رئيس الوزراء أليكسيس تسيبراس إلى السلطة في اليونان في يناير الماضى، والذي تعهد بالحد من إجراءات التقشف التي اتفقت عليها الحكومات اليونانية السابقة مع الدائنين الدوليين مقابل حصولها على حزمة قروض بقيمة 240 مليار يورو، حيث تنتهج الحكومة اليونانية الجديدة إصلاحات اقتصادية بعيدة عن سياسة التقشف. وطبقا لما ذكرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن الحكومة اليونانية الجديدة على خلاف مع كثير من دول منطقة اليورو بعد تراجعها عن تدابير التقشف المتفق عليها سابقا خاصة ألمانيا، مشيرة إلى إن "قمة الاتحاد الاوروبى جاءت مؤخرا كمحاولة من قبل القادة السياسيين لحل المأزق، وسط مخاوف من اضطرار اليونان إلى الخروج من منطقة اليورو". فيما، حذر وزير المالية البريطانى جورج اوزبورن من أن الأزمة المالية في اليونان وإغراق أسعار البترول تشكلا مخاطر حقيقية على الاقتصاد البريطانى، مؤكدا أن الوضع الاقتصادى الحالى لليونان يمكن أن يمثل ضررا كبيرا على الاقتصاد البريطانى، وأن خروج اليونان من منطقة اليورو سيبقى أكبر تهديد للاستقرار الاقتصادى في أوروبا.