تدخل المفاوضات الدولية الجارية فى سويسرا بشأن البرنامج النووى الإيرانى، مرحلة حاسمة، هذا الأسبوع، فأيام قليلة تفصل واشنطنوطهران عن توقيع اتفاق تاريخى بشأن الملف النووى الإيرانى ، حال الاتفاق على نقاط الخلاف التى أجهضت جولات سابقة من مفاوضات استمرت على مدى خمسة أشهر ، وخرجت منها مفاوضات فيينا ومسقط فى نوفمبر الماضى بخفى حنين خالية الوفاض من أى اتفاق حاسم للقضية النووية، إلى أن جاء الموعد النهائى للمهلة الممنوحة لطهران فى مارس الحالى للتوصل إلى صيغة أخيرة وواضحة للاتفاق، ومن هنا دخلت المفاوضات مرحلة جديدة وحرجة فى مدينة لوزان السويسرية (مرحلة الغرف المغلقة) بين إيران ومجموعة "5+1" (بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا والولاياتالمتحدة). حدد الجانبان 31 مارس الحالى موعدا لاتفاق الإطار السياسي و 30 يونيو القادم للاتفاق النهائى، اتفاق إذا تم سيحول أعداء الأمس إلى حلفاء ، وموافقة إيران للدخول فى حلبة المفاوضات رغم تأكيداتها الدائمة بسلمية برنامجها جاءت انصياعا وسعيا لرفع العقوبات الغربية عليها والتى خسرت فيها طهران 50 مليار دولار سنويا، علاوة على 50 مليارا أخرى تشكل خسارة عائدات بيع بترول غير منجزة، وهو ما يشكل نحو 13% من إجمالى الناتج الإيرانى، والبلد يئن تحت وطأة العقوبات، واحتمال انتعاش الاقتصاد بات قريب المنال ، دون خسارة ماء الوجه للغرب. وبالنسبة للرئيس الأمريكي باراك أوباما، فإن الاتفاق سيكون صفقة "تاريخية" وانتصارا لسياسته الخارجية ، وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن الاتفاق من شأنه أيضا أن يحقق "مكاسب دبلوماسية" ومزيدا من التجارة ، لكن الفرنسيين لا يريدون استعجال الأمور. وهم يعارضون بشدة أي اتفاق ضعيف قد يسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية في المستقبل. القوى العالمية الست تتفاوض على اتفاق يهدف إلى الحد من النشاط النووي الإيراني، مع مهلة أواخر مارس الحالى وتصر إيران على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية لكن القوى العالمية تخشى أن يكون لديها طموحات عسكرية ، ومن هذا المنطلق تسعى طهران إلى استثمار الظرف السياسى لصالحها بما يعجل من اتخاذ خطوات جريئة للفوز بمكتسبات المفاوضات النووية، فكانت جولة محادثات لوزان هى الجولة التي اقترب فيها المفاوضون أكثر من أي وقت مضى من التوصل لاتفاق ، رغم انتهائها يوم الجمعة الماضى بشكل مفاجئ، بعد أن كان الحديث عن تمديدها طوال عطلة نهاية الأسبوع واحتمال انضمام وزراء خارجية مجموعة 5+1 للمفاوضات، مما أعطى انطباعا أن الاتفاق بات قاب قوسين أو أدنى، بل أن بعض المعلومات تسربت عن شكل هذا الاتفاق وطبيعته. نقاط خلافية رئيسية وشديدة الأهمية بين طرفى الاتفاق تتمثل فى الجدول الزمني لرفع العقوبات ، وأن المفاوض الإيراني لا يقبل بطرح للقوى الكبرى يتعلق بوضع جدول زمني لرفع العقوبات، بل يطلب رفعا كاملا ونهائيا لكافة أشكال العقوبات المفروضة على طهران بمجرد بدء سريان الاتفاق، وهو طلب تحدثت أنباء عن رفض المفاوض الفرنسي له بشكل كامل، الأمر الذي عطل المضي قدما باتجاه الاتفاق. خلاف آخر ثار فيما يتعلق بعدد أجهزة الطرد المركزي التي سيسمح لطهران بامتلاكها، التي ستصل إلى 6 آلاف جهاز، حيث تصر واشنطن على ألا يزيد عددهاعن 1500 فقط، ما يعني أن تخلى إيران عن نحو 4 آلاف جهاز من الأجهزة التي تمتلكها حاليا ، علاوة على خلاف آخر بشأن مستوى تخصيب اليورانيوم، فالدول الكبرى لا ترغب في استمرار إيران في تخصيبه بنسبة 20 % وذلك لأنها نسبة قريبة للغاية من مستوى التخصيب اللازم للاستخدامات العسكرية ، وتزعم طهران أنه قاصر على الاستخدامات الطبية وتوليد الكهرباء، وترغب الدول الكبرى في خفض هذه النسبة إلى نحو 3.5 % فقط، وهو ما لا ترضى عنه إيران بالطبع . حالة الشد والجذب التى شابت تلك المفاوضات لم تقتصر على طرفيها وإنما امتد ليشمل ساحة الإعلام العالمى التى نشرت وبثت تصريحات لكبار المسئولين فى العالم فى هذا الشأن فنقلت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو النارية التى عكست نوايا تل أبيب لضرب الاتفاق النووى فى مقتل وإجهاضه عندما أعلن أن أى صيغة تفاهم لن تحمى إلا "الخطر الإيرانى الذى يهدد العالم" على حد تعبيره. صحيفة صنداي تلجراف نشرت تحليلا كتبه الصحفي كون كوغلين تحت عنوان الحرب بالوكالة بين السنة والشيعة أصبحت أقرب من أي وقت مضى. صحيفة صنداى تليجراف أكدت فى مقال لأحد كتابها أنه على الرغم من إيجابية التصريحات الأمريكية الأخيرة حول المفاوضات النووية الإيرانية إلا أن ذلك قد ينذر بطموح من الجانب الآخر لامتلاك برنامج نووي الأمر الذي يهدد بتغيير الخريطة السياسية في العالم بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص. وتساءلت "صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية "عما إذا كان نجاح المفاوضين الدوليين فى التوصل إلى إتفاق مع إيران سيوقف جهود التخريب السرية الضخمة التى تقوم بها الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية لتخريب البرنامج النووى الإيرانى ، مشيرة إلى أن محققين أمريكيون كشفوا مخططا لرجل أعمال إيرانى لشراء أنابيب ألومنيوم من النوع المستخدم فى أجهزة الطرد المركزى والتى تحظر الولاياتالمتحدة تصديره لإيران لإمكانية استخدامها فى تخصيب اليورانيوم ، وأن العملاء الأمريكيين بدلا من أن يوقفوا الشحنة، قاموا بتدبيل أنابيب الألومنيوم بأخرى ذي جودة أدنى ، وتشير الوثائق أنه فى حال تثبيت هذه الأنابيب فى مراكز الإنتاج الإيرانية العملاقة تحت الأرض، تمزقها إربا، حيث يتم تدمير أجهزة الطرد المركزى ، وقد كشف الإيرانيون قبل وقوع الكارثة وتسابق طهران حاليا الزمن لتطوير جيل قادم من أجهزة الطرد المركزية التى تعمل على إنتاج الوقود النووى بسرعة أكبر كثير حسب الصحيفة. كما تساءلت صحيفة "بوليتيكو الإلكترونية الأمريكية"، أن الرئيس أوباما سيكون ممسكا بجميع الأوراق، ولن يتطلب الاتفاق موافقة الكونجرس لسنوات عديدة مقبلة، ولن يطلب منه رفع العقوبات بشكل دائم إلا في مرحلة متأخرة ، كما سيكون الرئيس قادرا على رفع العقوبات ذات الصلة والتي تشكل جزءا من حزمة تخفيف العقوبات. وقال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند فى تصريح بثه قناة البى بى سى البريطانية أن أي اتفاق بشأن برنامج إيران النووي لن تكون "شاملة ودائمة وقابلة للتحقق" ، فيما أشار إميلي بوكانان، مراسل الشئون العالمية لبي بي سي فى تحليل له أن الرهانات عالية لجميع الأطراف وهناك نقطة خلاف رئيسية، ولكن لا يزال اتفاق الخطوط العريضة خلال الأيام القادمة يبدو ممكنا.