بمشاركة 12 دولة، افتتاح المؤتمر الدولي لتكنولوجيا المياه ببورسعيد (صور)    التموين تطلق شوادر لبيع الخراف الحية واللحوم 20 مايو    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم الجمعة 16-5-2025 في سوق العبور    وزير الإسكان يُصدر قرارات إزالة تعديات ومخالفات بناء بالساحل الشمالي وملوي الجديدة    ارتفاع أسعار البيض اليوم الجمعة 16-5-2025 في الأسواق (موقع رسمي)    الزراعة: إقامة مصنع كوري للقاحات البيطرية بطاقة 200 مليون جرعة سنويًا    ترامب من الإمارات: متشوق للعودة إلى واشنطن لهذا السبب    بعد انتهاء جولته الخليجية.. ترامب: جلبنا 10 تريليونات دولار من الاستثمارات لأمريكا    الصحة الفلسطينية: إسرائيل تنفذ تطهيرا عرقيا فى غزة.. 250 شهيدا فى غارات على القطاع    لابورتا يحسم مستقبل فليك مع برشلونة بعد الفوز بالدوري الإسباني    "سينجح معهم".. لاعب أورلاندو السابق يتحدث عن مميزات مدرب الأهلي الجديد    بقيمة 5 ملايين جنيه، ضربات أمنية ضد تجار النقد الأجنبي خارج السوق المصرفي    عاطل يعتدي على طفلة أثناء لهوها بحديقة بمدينة نصر    نيران الكرتون تودي بحياة سيدة في سوهاج.. والتحقيقات تكشف مفاجأة    حال الاستئناف، 3 سيناريوهات تنتظر نجل الفنان محمد رمضان بعد الحكم بإيداعه في دار رعاية    بسام راضي يروج لافتتاح المتحف المصري من إستاد الكوليسيوم الأثرى بروما    أمير كرارة يدخل عالم الرعب في «ظروف غامضة».. جريمة قتل تُفجّر الأحداث    مفتى الجمهورية: الحج دون تصريح رسمي مخالفة شرعية ومن يفعل ذلك "آثم شرعا"    محافظ أسيوط يفتتح المعرض الأول لبيع المستلزمات الطبية بأسعار مخفضة (صور)    "الرعاية الصحية" تبحث مع "سانوفي" العالمية التعاون في علاج الأمراض الجينية والمناعية    خبير أثري: المتحف المصري الكبير أصبح من أهم المؤسسات الثقافية الدولية بالعالم    بكلمات مؤثرة.. خالد الذهبي يحتفل بعيد ميلاد والدته أصالة    أمن أسوان ينجح في إعادة الهدوء لمنطقة كلابشة بعد مشاجرة بين عدد من الأشخاص    هل يجوز تخصيص يوم الجمعة بزيارة المقابر؟ «الإفتاء» تُجيب    مواقف ترامب الدراماتيكية في الخليج ترعب إسرائيل    الدوري الإسباني.. بيتيس يبقي على آماله الضئيلة بخوض دوري الأبطال    وزير خارجية فرنسا يدعو نتنياهو للاستجابة لمطالب المجتمع الدولي بشأن غزة    مسؤول عسكري إسرائيلي: الحوثيون عدو صعب والساحة اليمنية معقدة    مصطفى عسل يتأهل إلى نصف نهائي بطولة العالم للاسكواش بأمريكا    رئيس شعبة المواد البترولية: محطات الوقود بريئة من غش البنزين.. والعينات لم تثبت وجود مياه    راشفورد لن يواجه مانشستر يونايتد    رئيس رابطة محترفات التنس يحدد موعد تقاعده    ميسي يعود لقيادة الأرجنتين.. وسكالوني يفك أسر مهاجمه    لأول مرة منذ عام| انكماش الاقتصاد الياباني وسط تهديدات رسوم ترامب التجارية    لاعب المغرب: نسعى لكتابة التاريخ والتتويج بأمم إفريقيا للشباب    4 أبراج «لا ترحم» في موسم الامتحانات وتطالب أبناءها بالمركز الأول فقط    بالأسماء.. جثة و21 مصابًا في انقلاب سيارة عمالة زراعية بالبحيرة    البلشي: 40% من نقابة الصحفيين "سيدات".. وسنقر مدونة سلوك    في دقائق.. حضري سندويتشات كبدة بالردة لغداء خفيف يوم الجمعة (الطريقة والخطوات)    طريقة عمل البامية باللحمة، أسهل وأسرع غداء    بسنت شوقي: أنا اتظلمت بسبب زواجي من محمد فراج (فيديو)    د. محروس بريك يكتب: منازل الصبر    توقفوا فورا.. طلب عاجل من السعودية إلى إسرائيل (تفاصيل)    أبو شقة: لدينا قوانين سقيمة لا تناسب ما يؤسس له الرئيس السيسي من دولة حديثة    بيت لاهيا تحت القصف وحشد عسكري إسرائيلي .. ماذا يحدث في شمال غزة الآن؟    جداول امتحانات الترم الثاني 2025 في بورسعيد لجميع الصفوف    هل الصلاة على النبي تحقق المعجزات..دار الإفتاء توضح    نشرة التوك شو| حجم خسائر قناة السويس خلال عام ونصف وتحذير من موجة شديدة الحرارة    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    بحضور وزير العمل الليبي.. تفعيل مذكرة التفاهم بين مجمع عمال مصر ووزارة العمل الليبية    وكيل أول الشيوخ: مشروع قانون الإيجار القديم لن يخرج إلا في هذه الحالة    مسابقة معلمين بالحصة 2025.. قرار جديد من وزير التربية والتعليم وإعلان الموعد رسميًا    طريقة عمل الأرز باللبن، حلوى لذيذة قدميها في الطقس الحار    25 صورة من عقد قران منة عدلي القيعي ويوسف حشيش    رامي جمال يعلن عن موعد طرح ألبومه الجديد ويطلب مساعدة الجمهور في اختيار اسمه    هل يمكن للذكاء الاصطناعي إلغاء دور الأب والأم والمدرسة؟    دون إصابات.. سقوط سيارة في ترعة بالغربية    دعمًا للمبادرة الرئاسية.. «حماة الوطن» بالمنيا يشارك في حملة التبرع بالدم| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمراضنا وحلولنا الجذرية
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 08 - 2009

أعلن اللواء محمد سيف الدين جلال محافظ السويس أخيرا أنه سيتم إحالة المصابين بإنفلونزا الطيور إلى النيابة العامة بتهمة تربية الطيور وتجريمهم بتهمة الإضرار بالنفس والغير. أما المصابين من الأطفال فسوف يتمتعون بتطبيق قانون حماية الطفل عليهم وذلك بمعاقبة أولياء أمورهم بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. قبل ذلك بأشهر قليلة أثارت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر جدلا بمطالبتها التفرقة بين مريض الإيدز الذى أصيب بالمرض نتيجة ممارسة الرذيلة أو حقن المخدرات وبين من انتقل إليه المرض لأسباب أخرى وذلك فى إطار مشاركتها آنذاك فى «الحركة المصرية لرفع الوصم والتمييز ضد مرضى الإيدز»، وعليه فإن رفع الوصم والتمييز يكون فقط من نصيب النوع الثانى من المرضى. وللحق فإن هذا الرأى ووجه بانتقاد شديد من جهات فقهية وطبية وغيرها، منها ما كتبه د. خالد منتصر من أن اتخاذ أسباب المرض كمعيار للتمييز بين المرضى هو ضد فلسفة وروح الطب ويتنافى مع مضمون القسم الذى يقسمه الأطباء قبل ممارسة المهنة.
لهذين المثلين دلالات عدة، أهمها التأثير السلبى لمثل هذه الاجتهادات على جهود مكافحة الأوبئة الخطيرة والحد من انتشارها والتى يلزمها بالضرورة تعاون وتفاهم وثقة بين الأجهزة الحكومية والمواطنين. إن تعاون المواطنين يلزمه بالأساس وضوح فى الرسالة الموجهة إليهم وتنسيق بين جهات الحكومة المختلفة لكى تكون تلك الرسالة وما بها من توجيهات متسقة وخالية من التضارب والتناقضات. لذلك فليس من المعقول أن تطلب الجهات المعنية بالصحة من المواطنين سرعة اللجوء إلى المستشفى فى حالة الاشتباه فى الإصابة بالمرض وفى الوقت ذاته تشمر جهة رسمية أخرى عن ساعديها لتحويل المريض إلى النيابة. صحيح أن وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى سارع برفض اقتراح محافظ السويس إلا أن الضرر وقع. فتصريحات مثل هذه حتى وإن لم تجد طريقها إلى حيز التنفيذ إنما تهدم القليل من الثقة التى تم بناؤها فى الفترة الأخيرة فيما يخص مكافحة إنفلونزا الطيور بالذات وقد تعود بنا خطوات إلى الوراء حيث أدت السياسات والتصريحات المتخبطة فى بداية ظهور المرض إلى تفاقم المشكلة بشكل كبير. ففى بداية الأزمة تم منع تربية الطيور المنزلية نهائيا ودون التفرقة بين الريف والحضر وهو قرار لم يلتفت إطلاقا إلى الأهمية القصوى للطيور بالنسبة لاقتصادات الأسرة الريفية بشكل عام والمرأة الريفية بشكل خاص. طلب إعدام الطيور كان يعنى أن تقوم الأسرة الريفية بإهلاك جزء أساس من رأسمالها. ولما كان ذلك القرار حينها مصحوبا بمداهمات للقرى للتحقق من أن الطيور قد تم إعدامها بالفعل لجأ الفلاحون إلى إخفاء الطيور فى الغرف الداخلية حيث أماكن نومهم مما كان له أثر كبير فى شدة انتشار المرض. بعد ذلك اتخذت طرق المكافحة أشكالا أكثر واقعية وتفهما للظروف فتم استثناء الريف من الحظر وظهرت حملات توعية معقولة المستوى حول الأسلوب الصحى للتعامل مع الطيور الحية.
يجىء تصريح محافظ السويس ليحيى جو التربص وحالة البلبلة التى قد يطال ضررها جهود مواجهة إنفلونزا الخنازير لو أحجم الناس عن الإفصاح عن حالات الاشتباه خشية تحميلهم مسئولية ما. والأمر ليس بمستبعد إذا نظرنا مثلا إلى رد فعل عائلة السيدة سماح سليمة التى توفيت نتيجة إنفلونزا الخنازير، حيث تحاول أسرتها بكل الطرق نفى أن الإنفلونزا هى سبب الوفاة وكأنها تهمة. والأخطر هو ما نشرته صحف الخميس 23 يوليو حول الاشتباه فى إصابة ثلاث ممرضات بإنفلونزا الخنازير ومحاولة إحداهن الهرب ومطاردة الشرطة لها، وكان ذلك بالمناسبة فى محافظة السويس. آخر ما نحتاجه فى مواجهتنا الصعبة لأمراض جديدة وخطيرة هو أن يدخل على الخط عنصر الخوف من الحكومة ودفع الناس إلى تفضيل المخاطرة بإخفاء مرضها على التوجه إلى جهة حكومية فى مواجهة غير مأمونة النهايات.
لكن من الواضح أن البعض من ذوى السلطة أو أصحاب الرأى يرى أن حل مشكلة إنفلونزا الطيور يكون عن طريق سجن المريض وإنفلونزا الخنازير عن طريق إبادة الخنازير والإيدز عن طريق نبذ المنحرفين. ويرى هؤلاء أن تلك خطوات حاسمة تليق بمجتمع ينقصه الانضباط والتربية والفضيلة وأن مثل تلك الحلول هى ما نحتاج لاقتلاع المشكلات من جذورها. وفى واقع الأمر فإن هذه النظرة تتناقض مع ما يراه مثلا خبراء التنمية وما تقول به أدبياتها حيث الحديث عن اقتلاع المشكلات من جذورها غالبا ما يقصد به التعامل مع أسباب المشكلة وليس مع تجلياتها فيكون مثلا التعامل مع انتشار الأمراض والأوبئة عن طريق خطط طويلة المدى لتحسين ظروف المعيشة والتعامل مع قضايا صعبة مثل الفقر والبطالة والتلوث ورداءة مستوى التعليم والصحة العامة. أما فى حالتنا هذه فمفهوم الحلول الجذرية يقف وراءه اعتقاد بوجود أجزاء معطوبة من المجتمع والحل الجذرى هو بتر تلك الأجزاء لكى يصح جسم المجتمع. الحلول الجذرية بمعناها الصحيح تستلزم سياسات رشيدة ومتسقة ونفسا طويلا. أما الحسم بالترويع أو الإقصاء على أساس أخلاقى فهو أقرب إلى الحلول الفاشية منها للحلول الجذرية وما ينوبنا منها ليس فقط القهر وإنما الفشل أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.