البورصة المصرية تربح 23.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الخميس    مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية يحذر من مصدر جديد للأمراض في غزة    حريق المنقف.. النيابة العامة الكويتية تأمر بحبس مواطن ومقيمين احتياطيا لاتهامهم بالقتل الخطأ    رسميًا.. ميلان يعلن تعيين باولو فونسيكا مدربًا جديدًا    الصحة السعودية تحذر الحجاج من أخطار التعرض لارتفاع الحرارة    حملات الداخلية على مخالفات المخابز تضبط 14 طن دقيق    نجوم الفن يحتفلون مع سلمى أبو ضيف بعقد قرانها.. صور    محافظ الفيوم: استعدينا بكل طاقتنا لفترة أقصى الاحتياجات المائية للزراعات    محافظ أسوان: تخطي المستهدف في توريد القمح    جنوب الوادي تتقدم 200 مركزًا دوليًا في مجال الطاقة النظيفة    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    أتليتيكو مدريد يمدد عقد لاعبه أكسيل فيتسل حتى عام 2025    مفتي الجمهورية يُهنئ الرئيس والشعب المصري بمناسبة عيد الأضحى    شباب ورياضة بني سويف تطلق ماراثون الدراجات الهوائية    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    أمل سلامة: تنسيقية شباب الأحزاب نموذج للعمل الجماعي    ضبط القائمين على تسريب امتحانات الثانوية العامة بجهينة سوهاج    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره لطريق الواحات    قرار جمهوري بتعيين الدكتورة حنان الجويلي عميدًا ل«صيدلة الإسكندرية»    في أول ليالي عرضه.. «ولاد رزق 3» يزيح «السرب» من صدارة الإيرادات    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة    إيران: ما يحدث بغزة جريمة حرب ويجب وقف الإبادة الجماعية هناك    تسيير 3 خطوط طيران مباشرة إلى دول إفريقية.. "الهجرة" تكشف التفاصيل    تبدأ من 205 جنيهات.. قيمة المصروفات الدراسية للعام الدراسي المقبل    إخماد حريق داخل محل فى إمبابة دون إصابات    بالأسماء.. غيابات مؤثرة تضرب الأهلي قبل موقعة فاركو بدوري نايل    بعد رأس الحكمة.. تفاصيل أكبر صفقة لهيئة المجتمعات العمرانية بالقاهرة الجديدة    أمريكا توافق على حزمة مساعدات عسكرية جديدة تؤمن لأوكرانيا أنظمة دفاع جوية    المفتى يجيب.. ما يجب على المضحي إذا ضاعت أو ماتت أضحيته قبل يوم العيد    وزارة الصحة تستقبل سفير السودان لبحث تعزيز سبل التعاون بالقطاع الصحى بين البلدين    توقيع الكشف الطبي على 142 مريضا من الأسر الأولى بالرعاية في المنيا    بيان عاجل بشأن نقص أدوية الأمراض المزمنة وألبان الأطفال في دمياط    ضبط 14 طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    عقوبات أمريكية لأكثر من 300 فرد وكيان يساعدون روسيا على حرب أوكرانيا    سائق أوبر يحاول خطف خطيبة مطرب المهرجانات "مسلم" والأخير يطارده بسيارته    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    دار الإفتاء توضح حكم صيام يوم عرفة    يوم عرفة.. إليك أهم العبادات وأفضل الأدعية    محافظ القليوبيه يتابع أعمال إنشاء مستشفى طوخ المركزي    بيان من الجيش الأمريكي بشأن الهجوم الحوثي على السفينة توتور    اليوم.. موعد عرض فيلم "الصف الأخير" ل شريف محسن على نتفليكس    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    وزير الصحة يؤكد على الدور المحوري للصحة الانجابية    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    بالتعاون مع المتحدة.. «قصور الثقافة»: تذكرة أفلام عيد الأضحى ب40 جنيهاً    "الله أكبر كبيرا.. صدق وعده ونصر عبده".. أشهر صيغ تكبيرات عيد الأضحى    فطيرة اللحمة الاقتصادية اللذيذة بخطوات سهلة وسريعة    لأول مرة.. هشام عاشور يكشف سبب انفصاله عن نيللي كريم: «هتفضل حبيبتي»    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»:«هنجيبه في دقيقتين».. «التعليم» تحذر من هذا الفعل أثناء امتحانات الثانوية العامة.. ماذا أقول ليلة يوم عرفة؟.. أفضل الدعاء    البرازيل تنهي استعداداتها لكوبا 2024 بالتعادل مع أمريكا    عبد الوهاب: أخفيت حسني عبد ربه في الساحل الشمالي ومشهد «الكفن» أنهى الصفقة    قرار عاجل من فيفا في قضية «الشيبي».. مفاجأة لاتحاد الكرة    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    هاني سعيد: المنافسة قوية في الدوري.. وبيراميدز لم يحسم اللقب بعد    مدرب بروكسيي: اتحاد الكرة تجاهل طلباتنا لأننا لسنا الأهلي أو الزمالك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمراضنا وحلولنا الجذرية
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 08 - 2009

أعلن اللواء محمد سيف الدين جلال محافظ السويس أخيرا أنه سيتم إحالة المصابين بإنفلونزا الطيور إلى النيابة العامة بتهمة تربية الطيور وتجريمهم بتهمة الإضرار بالنفس والغير. أما المصابين من الأطفال فسوف يتمتعون بتطبيق قانون حماية الطفل عليهم وذلك بمعاقبة أولياء أمورهم بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. قبل ذلك بأشهر قليلة أثارت الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر جدلا بمطالبتها التفرقة بين مريض الإيدز الذى أصيب بالمرض نتيجة ممارسة الرذيلة أو حقن المخدرات وبين من انتقل إليه المرض لأسباب أخرى وذلك فى إطار مشاركتها آنذاك فى «الحركة المصرية لرفع الوصم والتمييز ضد مرضى الإيدز»، وعليه فإن رفع الوصم والتمييز يكون فقط من نصيب النوع الثانى من المرضى. وللحق فإن هذا الرأى ووجه بانتقاد شديد من جهات فقهية وطبية وغيرها، منها ما كتبه د. خالد منتصر من أن اتخاذ أسباب المرض كمعيار للتمييز بين المرضى هو ضد فلسفة وروح الطب ويتنافى مع مضمون القسم الذى يقسمه الأطباء قبل ممارسة المهنة.
لهذين المثلين دلالات عدة، أهمها التأثير السلبى لمثل هذه الاجتهادات على جهود مكافحة الأوبئة الخطيرة والحد من انتشارها والتى يلزمها بالضرورة تعاون وتفاهم وثقة بين الأجهزة الحكومية والمواطنين. إن تعاون المواطنين يلزمه بالأساس وضوح فى الرسالة الموجهة إليهم وتنسيق بين جهات الحكومة المختلفة لكى تكون تلك الرسالة وما بها من توجيهات متسقة وخالية من التضارب والتناقضات. لذلك فليس من المعقول أن تطلب الجهات المعنية بالصحة من المواطنين سرعة اللجوء إلى المستشفى فى حالة الاشتباه فى الإصابة بالمرض وفى الوقت ذاته تشمر جهة رسمية أخرى عن ساعديها لتحويل المريض إلى النيابة. صحيح أن وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى سارع برفض اقتراح محافظ السويس إلا أن الضرر وقع. فتصريحات مثل هذه حتى وإن لم تجد طريقها إلى حيز التنفيذ إنما تهدم القليل من الثقة التى تم بناؤها فى الفترة الأخيرة فيما يخص مكافحة إنفلونزا الطيور بالذات وقد تعود بنا خطوات إلى الوراء حيث أدت السياسات والتصريحات المتخبطة فى بداية ظهور المرض إلى تفاقم المشكلة بشكل كبير. ففى بداية الأزمة تم منع تربية الطيور المنزلية نهائيا ودون التفرقة بين الريف والحضر وهو قرار لم يلتفت إطلاقا إلى الأهمية القصوى للطيور بالنسبة لاقتصادات الأسرة الريفية بشكل عام والمرأة الريفية بشكل خاص. طلب إعدام الطيور كان يعنى أن تقوم الأسرة الريفية بإهلاك جزء أساس من رأسمالها. ولما كان ذلك القرار حينها مصحوبا بمداهمات للقرى للتحقق من أن الطيور قد تم إعدامها بالفعل لجأ الفلاحون إلى إخفاء الطيور فى الغرف الداخلية حيث أماكن نومهم مما كان له أثر كبير فى شدة انتشار المرض. بعد ذلك اتخذت طرق المكافحة أشكالا أكثر واقعية وتفهما للظروف فتم استثناء الريف من الحظر وظهرت حملات توعية معقولة المستوى حول الأسلوب الصحى للتعامل مع الطيور الحية.
يجىء تصريح محافظ السويس ليحيى جو التربص وحالة البلبلة التى قد يطال ضررها جهود مواجهة إنفلونزا الخنازير لو أحجم الناس عن الإفصاح عن حالات الاشتباه خشية تحميلهم مسئولية ما. والأمر ليس بمستبعد إذا نظرنا مثلا إلى رد فعل عائلة السيدة سماح سليمة التى توفيت نتيجة إنفلونزا الخنازير، حيث تحاول أسرتها بكل الطرق نفى أن الإنفلونزا هى سبب الوفاة وكأنها تهمة. والأخطر هو ما نشرته صحف الخميس 23 يوليو حول الاشتباه فى إصابة ثلاث ممرضات بإنفلونزا الخنازير ومحاولة إحداهن الهرب ومطاردة الشرطة لها، وكان ذلك بالمناسبة فى محافظة السويس. آخر ما نحتاجه فى مواجهتنا الصعبة لأمراض جديدة وخطيرة هو أن يدخل على الخط عنصر الخوف من الحكومة ودفع الناس إلى تفضيل المخاطرة بإخفاء مرضها على التوجه إلى جهة حكومية فى مواجهة غير مأمونة النهايات.
لكن من الواضح أن البعض من ذوى السلطة أو أصحاب الرأى يرى أن حل مشكلة إنفلونزا الطيور يكون عن طريق سجن المريض وإنفلونزا الخنازير عن طريق إبادة الخنازير والإيدز عن طريق نبذ المنحرفين. ويرى هؤلاء أن تلك خطوات حاسمة تليق بمجتمع ينقصه الانضباط والتربية والفضيلة وأن مثل تلك الحلول هى ما نحتاج لاقتلاع المشكلات من جذورها. وفى واقع الأمر فإن هذه النظرة تتناقض مع ما يراه مثلا خبراء التنمية وما تقول به أدبياتها حيث الحديث عن اقتلاع المشكلات من جذورها غالبا ما يقصد به التعامل مع أسباب المشكلة وليس مع تجلياتها فيكون مثلا التعامل مع انتشار الأمراض والأوبئة عن طريق خطط طويلة المدى لتحسين ظروف المعيشة والتعامل مع قضايا صعبة مثل الفقر والبطالة والتلوث ورداءة مستوى التعليم والصحة العامة. أما فى حالتنا هذه فمفهوم الحلول الجذرية يقف وراءه اعتقاد بوجود أجزاء معطوبة من المجتمع والحل الجذرى هو بتر تلك الأجزاء لكى يصح جسم المجتمع. الحلول الجذرية بمعناها الصحيح تستلزم سياسات رشيدة ومتسقة ونفسا طويلا. أما الحسم بالترويع أو الإقصاء على أساس أخلاقى فهو أقرب إلى الحلول الفاشية منها للحلول الجذرية وما ينوبنا منها ليس فقط القهر وإنما الفشل أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.