قبل أيام قليلة احتفلت مؤسسة الأهرام بمرور 140 عاما على تأسيسها، وتلقيت دعوة كريمة لحضور الاحتفال. قبل الحفل كان لى شرف المشاركة فى استقبال الكاتب الأكبر محمد حسنين هيكل على باب الفندق مع الاساتذة والأصدقاء أحمد السيد النجار رئيس مجلس الإدارة ومحمد عبدالهادى رئيس التحرير والكاتب الكبير عبدالله السناوى، أحد افضل من يكتبون فى الصحافة المصرية الآن. قبل بداية الحفل بدقائق وجدت نفسى وسط كوكبة من عقول مصر وكبار مسئوليها، يتقدمهم الأستاذ هيكل وعمرو موسى وبهاء طاهر وكبار نجوم الأهرام وأكثر من نصف مجلس الوزراء، وعندما جاء المهندس إبراهيم محلب قال البعض مازحا إنه يمكن عقد مجلس الوزراء فى هذا الصالون. دردشت كثيرا مع وزير التموين النشيط الدكتور خالد حنفى، حيث شرح لى تصوره للمستقبل إذا تم تطبيق منظومة الكروت الذكية ليس فقط فى البوتجاز بل فى أشياء كثيرة على غرار منظومة الخبز الناجحة، كما استمعت إلى شرح جيد من المهندس خالد عبدالعزيز عن تصوره لكيفية استيعاب الشباب. حجم ونوعية الحضور فى تلك الليلة يعكس القيمة المعنوية للأهرام، ويكفى وجود قامة كبيرة مثل هيكل الذى ارتبط اسمه بأزهى فترات الأهرام من عام 1957 وحتى خلافه مع السادات وخروجه من المؤسسة فى أوائل عام 1974. الأهرام ليست صحيفة تهم أبناءها أو العاملين فيها فقط، بل هى مؤسسة تهم كل المصريين والعرب، وكما قال الكاتب الصحفى ورئيس التحرير الصديق محمد عبدالهادى فى كلمته فإن الأهرام أصبحت واحدة من المعالم الأساسية فى مصر والعالم العربى، وأكد أن الأهرام ما بعد 25 يناير أخذت على عاتقها مسئولية الوقوف إلى جانب المطالب الشعبية. الخطأ الأكبر الذى وقعت فيه الأهرام وغيرها من الصحف القومية فى بعض الفترات أنها انحازت كاملا إلى وجهة نظر الحكومة والرئيس، وفى هذه اللحظات، تفقد فورا دورها باعتبارها منبرا لكل المصريين على اختلاف أفكارهم وتوجهاتهم وعقائدهم. قيمة الأهرام تبرز وتتأكد حينما تفتح صفحاتها للجميع، وحينما تدافع فعلا عن هموم الناس ومشاكلهم الحقيقية حتى لو اختلفت أحيانا مع وجهة نظر الحكومة. ورأينا فى الفترة الأخيرة توجها محترما يتمثل فى ان بعض كتابات رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير تختلف مع بعض توجهات الحكومة على ارضية الاصلاح الحقيقى بعيدا عن «كدابين الزفة». الإعلام المصرى وخصوصا الصحافة المطبوعة تمر الآن بمرحلة فارقة، وتستطيع الأهرام بحكم دورها وتأثيرها وثقلها أن تلعب دورا مهما فى المساعدة فى إخراج الإعلام من أزمته. القواعد القديمة لم تعد صالحة، فى عصر الفيس بوك وتويتر وواتس آب وفايبر ويوتيوب، لم يعد يكفى ان تستند إلى التاريخ القديم، تحتاج إلى ان تمارس دورك عبر ما تقدمه للناس من نماذج ملهمة وأفكار خلاقة تناسب العصر الذى نعيشه دون أن تتخلى عن الثوابت. التحديات التى تواجه الأهرام وغيرها من المؤسسات الصحفية كبيرة، وهى نفس التحديات التى تواجه المجتمع. حينما تنهض الأهرام وتعود لسابق عهدها متألقة ومنبرا للإشعاع لكل الآراء الوطنية المستنيرة، فإنها تلعب دورا مهما لصالح كل المجتمع. وفى ظل الفوضى والعبث والانفلات الذى يدب فى المجتمع الإعلامى المصرى الآن فإن وجود مؤسسات قوية مثل الأهرام والأخبار والتليفزيون القومى إلى جانب المؤسسات الخاصة التى لعبت دورا مهما فى السنوات الأخيرة مثل الشروق والمصرى اليوم، هو ضمانة لكل المجتمع حتى لا ينزلق إلى ما هو أخطر من الفوضى. الشرط الرئيسى للنجاح والاستمرار هو الانحياز إلى القواعد المهنية والتنوع وإلى الشعب وقضاياه وإلى الحقيقة وفتح الباب أمام كل الأفكار الحرة. كل التهنئة للأهرام وأبنائها، وكل الأمل لمهنة الصحافة أن تخرج من كبوتها وهى تختار اليوم نقيبا ومجلسا يدافع عن هذه المهنة التى تتعرض إلى رياح عاتية من كل جانب.