التعديلات محدودة على «الإجراءات الجنائية» لكن تأثيرها واسع.. وتساؤلات حول تناقضها مع مبادئ «النقض والإدارية العليا» أثار مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية والمتعلق بجواز استغناء المحاكم عن سماع الشهود، جدلا واسعا منذ إعلان مجلس الوزراء الموافقة عليه دون الكشف عن تفاصيله، وتجدد الجدل على نطاق أوسع فى أوساط القضاة والمحامين منذ إحالته إلى قسم التشريع بمجلس الدولة، أمس الأول، ما يدل على جدية الحكومة فى إصداره قبل انعقاد البرلمان المنتخب. التعديلات التى أدخلتها وزارة العدل على القانون محدودة للغاية، لكنها واسعة التأثير، فهى لم تضف مواد أو تلغى أخرى، بل استبدلت كلمات معدودة فقط من شأنها استئثار المحكمة وحدها دون الدفاع والمتهمين بشئون الشهود. فالمادة 277 القديمة كانت تنص على أن «يكلف الشهود بالحضور بناء على طلب الخصوم بواسطة أحد المحضرين أو أحد رجال الضبط قبل الجلسة بأربع وعشرين ساعة غير مواعيد المسافة، إلا فى حالة التلبس بالجريمة فإنه يجوز تكليفهم بالحضور فى أى وقت ولو شفهيا بواسطة أحد مأمورى الضبط القضائى. ويجوز أن يحضر الشاهد فى الجلسة بغير إعلان بناء على طلب الخصوم». تم وضع كلمة «المحكمة» بدلا من «الخصوم» فى السطر الأول من المادة، لتصبح المحكمة وحدها المعنية بطلب سماع الشهود فى الأحوال العادية. أما المادة 289 القديمة فكانت تنص على أن «للمحكمة أن تقرر تلاوة الشهادة التى أبديت فى التحقيق الابتدائى، أو فى محضر جمع الاستدلالات أو أمام الخبير إذا تعذر سماع الشاهد لأى سبب من الأسباب أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك». وفى التعديل تم حذف عبارة «أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك» ليصبح الاستغناء عن سماع الشهود مسألة جوازية حصرية للمحكمة فقط، وينتفى دور الخصوم فى هذا الأمر ومن النقاط المثيرة للجدل فى التعديل المقترح، أن أحكام محكمة النقض المتواترة ومبادئ المحكمة الإدارية العليا استقرت على عدم الاعتداد بمحضر جمع الاستدلالات إذا ارتأت المحكمة ذلك، كما استقرت على أن التحقيق المبدئى الذى تجريه النيابة لا يغنى عن إعادة التحقيق بمعرفة المحكمة ذاتها. ومن أبرز المبادئ فى هذا الصدد، ما جاء فى حكم المحكمة الإدارية العليا المؤرخ فى 17 فبراير 1962 بأن «تقرير المباحث لا يزيد فى قيمته على محضر تحريات أو جمع استدلالات ويخضع تقدير ما جاء فيه لرقابة المحكمة، فلها أن تناقشه وتأخذ به إذا ما اطمأنت إليه واقتنعت به، كما أن لها أن تطرحه من أدلة الثبوت إذا ما استبان لها عدم صحة ما جاء فيه أو عدم ارتكازه على وقائع محددة أو غير مجهلة».