انتبه.. هنا أرض المشرحة، هنا لا يمكنك تفسير ماذا يحدث، كما لا يمكنك الحديث عن نظريات المؤامرة. أمام مشرحة زينهم، وقف شباب شاهد الموت أمام عينيه ليلة أمس، وتمركز أهل يبحثون عن أبنائهم المفقودين، أو المقتولين، في اشتباكات استاد الدافع الجوي التي راح ضحيتها عدد من أعضاء ألتراس نادي الزمالك. تجمع عدد من الصحفيين إلى جانب أهالي الضحايا، يمارسون عملهم في صمت تام، كاميراتهم منغلقة، يترقبون الموقف، مناقشات جانبية هنا وهناك، الجميع يحاول تفسير ما يحدث وفقا لمعتقداته.. ومواطنون يحاولون إلقاء اللوم على الشباب "انتوا خربتوا البلد"، وفي محاولة لتخفيف حدة الموقف يرد أحد الشباب " مش هنحط جمارك على لسان الناس، البلد عندكوا صلحوها". في ركن آخر، وقف رجل في العقد الخامس من عمره، صامتا مترقبا، يبدوه عليه الحزن، جاء إلى المشرحة لمساندة صديقه الذي لم يستطع العثورعلى ولده منذ وقوع الحادثة، وكل المؤشرات تقول بأنه توفي، "محمد السيد" 17 سنه ، شاب يحلف له جيرانه بالأدب والأخلاق، مختفي واسمه ليس في كشوف الوفيات أو المصابين. شيخ هرم، تجمع حوله عدد من الشباب، يتلوعليهم آيات من القرآن الكريم تحث على الصبر، وتحث أيضا على تحكيم العقل في التصرف مرددا (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً). ربة منزل، حاولت أن تستوعب ما حدث من خلال الأخبار التي ترددت منذ وقوع الحادثة، ولكن هول ما سمعته منعها من النوم طوال الليل، نزلت إلى المشرحة حتى تصدق بعينيها. حاولت هذه الأم البديلة، الحديث مع الشباب المكلوم، تنصحهم، بل عاتبتهم: "الاستاد بعيد، ومفيش هناك غير جيش وشرطة ومرتضى منصور، إزاي وقعتوا في الفخ"، هكذا كانت تصرخ. أم لأحد الضحايا لا تعرف مصير ولدها، تصرخ لفض النقاش الدائر: " متقولوش عليهم ألتراس، كلمة ألتراس هتضيع حقهم ، قولوا مواطنين عشان حقهم ميضيعش ، قولوا مواطنين راحوا يشجعوا وماتوا". بطل الرواية "عم سعيد" مسئول الغسل في المشرحة، وقف بعيدا عن الجمع، حملت قسمات وجهه كثيرا من الأسى، قضى ليلته التي بدأت في ال11 من مساء أمس، وحتى ال 10 صباحا اليوم، في تغسيل 19 جثة، لضحايا حادث استاد الدفاع الجوي. عم سعيد، أقسم إن ال 19 جثة، تم تسليمها إلى ذويها، ولا يوجد بالداخل أي جثث أخرى، فيما اقترب طفل يسأله عن ابن عمه، "عم سعيد مشفتش ابن عمي، شبهي كدا، عنده 14 سنة". الجميع أمام المشرحة، في انتظار وصول حوالي 11 جثة أخرى، وصلت أنباء عن تحركهم من مستشفى البنك الأهلي، إلى المشرحة، ولكن منذ الصباح لم يصل أحد، وحينما ضاقوا بالصبر، دقوا أبواب المشرحة. ولكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، الدكتور حسام عبد الغفار، أكد في تصريحات للشروق أن عدد الوفيات لم يزد عن 19، وتم تسليمهم جميعا. على حوائط المشرحة، كتب اسم ضحايا، فمشرحة زينهم لم يفوتها حدث، وكل من مات سجل اسمه على جدرانها، هناك تجد أسماء " أحمد ، محمد الجندي ، عمرو حسين، عبقرينو، محمد مجدي، وزة ...." ومن قتلوا أمس ستحفر أسمائهم قريبا إلى جانب السابقين.