- مصر تمر بجراحة «قلب مفتوح».. والصحافة عملية انتهاك للعقل المصرى وصل يسرى فودة، قبل موعده، لتوقيع كتابه «فى طريق الأذى.. من معاقل القاعدة إلى حواضن داعش»، إلا أنه انتظر قليلا حتى يأتى الوقت المحدد لمناقشة كتابه، الصادر حديثا عن دار الشروق، رغم امتلاء قاعة مكتبة الشروق بالزمالك بجمهورها، فضلا عن حضور نخبة من الإعلاميين والكتّاب والسياسيين: الكاتب عبدالله السناوى، نبيل فهمى وزير الخارجية السابق، الشاعر فاروق شوشة، المهندس إبراهيم المعلم، الكاتب زياد بهاء الدين، وعماد الدين حسين رئيس تحرير الشروق. كان أغلب الحضور من الشباب، الذى يبدو أنه قرأ الكتاب جيدا. وسأل بعضهم أكثر من مرة فى أمرين، الأول هل لا يزال يسرى فودة متمسكا بقوله: « طول ما الدم المصرى رخيص.. يسقط يسقط أى رئيس»؟ والثانى لماذا يبدو أن يسرى فودة كان متعاطفا مع أعضاء تنظيم القاعدة؟ وهو السؤال الذى نال نصيب الأسد من وقت حفل توقيع الكتاب. أجاب فودة: ما زلت أقول: «طول ما الدم المصرى رخيص.. يسقط يسقط أى رئيس». وعن تعاطفه مع تنظيم القاعدة قال: «إن الصحفى لابد أن يكون محايدا وموضوعيا، وعلى القارئ تكوين رأيه وفقا للمعلومات التى تقدم له من الصحفى. أنا لا أتخذ أحكاما مسبقة، بالطبع عندى مشكلة أخلاقية فى قتل المدنيين وإراقة الدم. لكن لم تكن لدىّ مشكلة إخلاقية فى الجلوس مع إرهابيين. وكل المعلومات التى حصلت عليها منهم كانت تتعلق بالماضى. أما إذا كنت قد حصلت على معلومة مستقبلية منهم، فمن المؤكد أننى لم أكن أستطيع السكوت على معلومة قد تنقذ حياة البعض». وحاول فودة توضيح رأيه أكثر، بعد إلحاح من الحضور، قائلا: «بالطبع أنا ضد قتل المدنيين. لكن لابد من فهم السياق العام الذى أوجد هؤلاء الإرهابيين، فالإسلام عرف عبر تاريخه، آراء ناس مختلفة تخرج عن السياق، وتحاول أن تغير الوجه السياسى بالقوة، ولا يمكن الحكم على النوايا ولذلك أبعد عن الأحكام المسبقة، فحاولت فقط رسم صورة لمساعدة الناس على فهم هؤلاء، وفهم السياق العام». وكشف فودة عن متناقضات فى تنظيم القاعدة، فمثلا محمد عطا، أحد منفذى الهجوم فى 11 سبتمبر 2001، كان خجولا ومنظما ومتفوقا فى دراسته، حتى أن أستاذه الألمانى أشاد به، وقد كان أكثر ال19 فرصا فى الحياة، وأعتقد أن ما دفعه للقاعدة هو أنه كان حساسا جدا، تأثر بفكرة وجود القيم فى بلاد «الكفرة»، وغيابها فى المجتمعات الإسلامية، مشيرا إلى أن محمد عطا حاول الرجوع إلى مصر لكنه فشل فاصطدم بالسياق العام، لكن هذا ليس مبررا للإرهابيين. طالما الأساس غير منضبط فى منطقتنا فستبقى هناك تناقضات، حسب فودة الذى قال: «طالما أن المواطن العربى يشعر بأنه غير ممثل اقتصاديا أو اجتماعيا سيظل خارج السياق». وأكد فودة أن حضور الشباب حفل توقيع كتابه: «يبهج القلب المتعب ويبعث الكثير من الأمل» وأشار إلى أنه كان ضيفا على برنامج صالون التحرير وقد انتهى الوقت قبل الاجابة على سؤال مهم حول الصحافة اليوم، وها هى الإجابة: تمارس الصحافة الآن عملية انتهاك للعقل المصرى، فى جانب منها ممنهج. وقد أصبح معيار النجاح هو ألا تسقط أخلاقيا، ولكن هذا المعيار لا يرضى طموح الصحفى والإعلامى». لكنه استدرك أن هناك صحفيين محترمين، منهم الكاتب عماد الدين حسين الذى يريد أن يقول الكثير. وأوضح فودة أن الصحافة أصيبت بكثير من المصائب، لكننى «أحاول أن أرى الجزء الايجابى فى كل شىء حتى فى حال مصر التى تمر بجراحة قلب مفتوح. وأقول قدرنا أن «تلبس» الثورة وما بعدها فى جيلنا بدلا من جيل آخر، وعلينا أن نحتفل بأننا جزء من تاريخ سيُقرأ كما نقرأ تاريخنا القديم، متمنين حضور تلك اللحظات التاريخية». ورأى فودة أن صدور الكتاب كان علاجا نفسيا لما مررنا به، وقال فودة إن إبراهيم المعلم يضغط حاليا لصدور كتاب آخر فيما بعد الثورة. وقال المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق، إن فودة قدم لنا كتابا بالغ الامتاع بأسلوب أدبى رشيق؛ لأنه نموذج للكتابة الجميلة البلاغية، وهو تلميذ فى مدرسة الشاعر فاروق شوشة الإعلامية التى تحترم الضيوف والمشاهدين، معلنا أن يسرى فودة ينوى كتابة مقال أسبوعى لجريدة الشروق. الكاتب عبدالله السناوى، الذى أدار الندوة، قال إن كتاب يسرى فودة نص أدبى، خاصة أن فودة يكتب الشعر، إلا أن هذا الشق الأدبى يغيب بسبب السياسة والصراع حول القاعدة وداعش. أما الشاعر فاروق شوشة فقال إن علاقتى بيسرى فودة يختلط فيها العاطفى بالموضوعى، والعاطفى «أننى أراه فى صورة ابنى البكر، والموضوعى يتمثل فى موضوع الكتاب وأسلوبه، ونحن مدينون لدار الشروق لإصدارها كتابا جديدا فى الجرأة ولكن فودة أكثر جرأة». وأكد شوشة أن لغة الكتاب تجمع بين شاعرية يسرى فودة؛ حيث الشاعر يبتعد والهموم والأذى يظهر ويقترب. وهى وفقا لشوشة ليست مجرد لغة بديعة؛ بل فودة مستوعب لتراثنا الثقافى العربى من استشهاده لمقولات وأقوال، مشيرا إلى أن فكرة المغامرة والمخاطرة امتزجت مع جمال لغته وأسلوبه المركب المتشابك من الشاعرية ومجال الكتاب الكابوسى فى مجال الصحافة التليفزيونية الاستقصائية، لذلك الذى سيحب هذا الكتاب أكثر منا هم هؤلاء الشباب؛ لأنهم أكثرنا قدرة على المخاطرة والمثابرة، وسيجدون عمق التناول فى الكتاب، وكذلك هموم المسئولية التى جعلت فودة أكبر من سنه، من حيث المكابدة والمعاناة بهذه التجاعيد التى تظهر على وجهه، فهو إنسان مهتم وكاتب مهموم، ولو أنه تعامل مع المعايير الإعلامية المأسوف عليها الآن، لكان أصغر من سنه وفرحا أكثر». وقال نبيل فهمى وزير الخارجية السابق إن يسرى فودة يلتزم المهنية الكاملة، ويحترم قراءه ومشاهديه، وأثق أن كتابه سيكون إضافة مهمة فى مكتبتنا العربية والإعلامية. وأكد زياد بهاء الدين أنه «ليس من الضرورى أن يكون معيار القبول أن ترضى آراؤه جميع الناس»، مضيفا أن اللهاث وراء الرأى العام لا يمكن أن يأتى بالنفع، فمسألة إرضاء الجميع فخ لا أسمح لنفسى أن أقع فيه».