من دون أن تقود السعودية ثورة شاملة حقيقية على الكثير من أسباب التطرف، فإن الحديث عن القضاء على الإرهاب بالمنطقة سيظل حبرا على ورق. أحد الأسباب الرئيسية للتطرف بشكله الراهن كامنة فى بعض الأفكار الوهابية التى تركها محمد بن عبدالوهاب (1703 - 1791)، صحيح ان دعوة الرجل حاربت الكثير من البدع والخرافات، لكنها تركت الأساس الذى يستند إليه قادة وحركات التطرف فى العالم الإسلامى منذ وفاة الرجل وحتى هذه اللحظة. حسن البنا مؤسس الإخوان هو أحد من تأثروا بأفكار ابن عبدالوهاب، وكذلك غالبية قادة ومنظرى ومفكرى الدعوة السلفية باختلاف اطيافهم. الحكومة السعودية اتخذت موقفا ثوريا وداعما لمصر بعد اخراج الإخوان من السلطة فى 3 يوليو 2013، وهى تحارب فى الصفوف الأولى ضد تنظيم داعش، وكانت إحدى الدول الأكثر تضررا من تنظيم القاعدة منذ تأسيسه تقريبا. لكن فى المقابل فإن جزءا كبيرا من المتطرفين يستمدون أفكارهم ودعمهم المادى والمعنوى من كثير من العلماء السعوديين ولم يكن صدفة ان غالبية منفذى هجمات سبتمبر وقائدهم اسامة بن لادن من السعودية. هناك تحالف قديم بين محمد بن عبدالوهاب وبين الأمير محمد بن سعود بن محمد آل مقرن الذى دعمه وعزز أفكاره ونشر دعوته وجوهر هذا التحالف لا يزال مستمرا حتى الآن. هذه التربة السعودية هى التى حضنت جماعة الإخوان عقب صراعهم مع جمال عبدالناصر منذ عام 1954 وخرج بعض قادتهم من مصر واستقروا فى السعودية وساندتهم فى قتال عبدالناصر فى اليمن، وعندما تصالح السادات مع الجماعة ليضرب بها اليسار، عاد جزء كبير من قادة الجماعة إلى مصر من المملكة لإعادة تأسيس الجماعة مرة اخرى. وبالتالى فإن الحكومة السعودية التى تعانى كثيرا من متاعب المتطرفين عليها أن تبدأ حملة تطهير للأفكار المتطرفة ومواجهة المتطرفين الذين يغسلون مخ كثير من الأتباع. صحيح أن داعش انتشر وتوغل فى العراق وسوريا، لكن الأرضية الحقيقية للتنظيم موجودة فى السعودية وبعض مدن الخليج، وبالتالى فإذا كانت هناك رغبة حقيقية فى مواجهة التطرف والمتطرفين، فلابد أن تبدأ من السعودية لتشمل غالبية المنطقة. لو فعلت السعودية هذا الأمر فإنها ستقوم بعملية تخفيف لمنابع هذه الأفكار الجهنمية المتطرفة. بطبيعة الحال الأمور اختلفت إلى حد كبير، منذ بدأت الحكومة السعودية تدرك أن هذه التنظيمات السلفية المتطرفة تشكل خطرا حقيقيا على المملكة نفسها، وبدأت فى محاربتها ومواجهتها. لكن لكى يكون العلاج حقيقيا وشافيا فلابد من عمليات جراحية تبتر وتستأصل الأعضاء الفاسدة حتى لا يتحول الورم من حميد إلى خبيث. هذه العملية لو بدأت فى السعودية فلن تكون سهلة بطبيعة الحال، لأن التيار السلفى يتمتع بنفود كبير فى كل المنطقة. وكانت هناك محاولات بعد زلزال 11 سبتمبر 2001، لكنها لم تكن متكاملة أو فى إطار رغبة شاملة فى التغيير ليس فقط فيما يتعلق بمواجهة هذه الأفكار المتطرفة، بل فى تحديث المجتمع السعودى سياسيا واجتماعيا وليس فقط اقتصاديا. الجميع يعلم أنه لا يمكن الحديث عن أى تقدم حقيقى فى المنطقة من دون مواجهة سرطان التطرف والادعاء باحتكار الدين أو تفسيره. تحتاج المنطقة العربية خصوصا منطقة الخليج إلى رياح شديدة تقتلع التطرف والتواكل والكسل وتكريس مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان والتعبير عن الرأى اضافة إلى قيم المواطنة. القوى التقليدية ستحارب هذا الأمر بضراوة، لكن هناك أملا ورهانا على الحكام الصغار الجدد بالخليج، الذين احتكوا بالعالم الخارجى والحضارة الحديثة. لكن على كل القوى المستنيرة فى المنطقة مساعدة الخليج على الخروج من مصيدة التطرف والمتطرفين. إذا حدث ذلك فهناك أمل فى الغد، وإذا كان العكس صحيحا فقل على المنطقة السلام.