غالبية تيارات الإسلام السياسى لا تؤمن بحق الإخوة المسيحيين فى المواطنة الكاملة، ينظرون إليهم نظرة فوقية ليست فى السياسة فقط، ولكن فى كافة مناحى الحياة تقريبا. الإرهابيون والمتطرفون فى ليبيا ليسوا استثناء أو شواذا فيما يتعلق بتعاملهم مع الأقباط. بل ربما كانوا أكثر وضوحا فى التعبير عن مواقفهم تجاه المسيحيين عموما. الإرهابيون يكفرون الجميع بمن فيهم بعض المسلمين، وبالتالى يكفرون كل أبناء الديانات والعقائد الأخرى. إرهابيو ليبيا كانوا أكثر وضوحا حينما قالوا لبعض الأقباط المصريين المخطوفين: «لا نريد أى مسيحى فى ليبيا»، هم يريدون مجتمعا نقيا من منظورهم الخاص، مغلقا عليهم ليس فيه أى مخالف لأفكارهم حتى لو كان مسلما. بقية تيارات الإسلام السياسى تختلف فقط مع إرهابيى ليبيا فى الدرجة وليس فى جوهر الموضوع، وتلك هى أحد المشاكل الكبرى التى يعانى منها تيار الإسلام السياسى. نتذكر جميعا الجدل الذى صاحب الإعلان عن برنامج الإخوان المسلمين تمهيدا لاعلان حزب عام 2007. وقتها رفض الإخوان بغالبية قادتهم وكوادرهم ومفكريهم فكرة ولاية القبطى أو المرأة، وعلى حد علمى فإن هذا هو جوهر موقف الجماعة حتى هذه اللحظة. بل ان هذه الجماعة وبانتهازية شديدة ركزت بعد خروجها من السلطة فى 30 يونيو 2013 على دور الأقباط فى هذا الخروج، وصورت الامر باعتباره انقلابا مسيحيا ضد دولة الإخوان وليس ثورة شعبية شاملة. جماعات الإسلام السياسى تعانى انفصاما واضحا فيما يتعلق بعلاقتها مع المسيحيين، هى تنظر إليهم باعتبارهم درجة ثانية فى الداخل، لكنها تخطب ودهم فى الغرب. راهن الإخوان وغيرهم كثيرا على الديمقراطيات الأوروبية فى الانتصار لهم ضد حكومات بلدانهم قبل ثورات الربيع العربى وبعده بل هناك من يرى فى بعض فصول هذا الربيع دعما أمريكيا لا تخطئه عين. الإعجاب الإخوانى الظاهرى الآن بالديمقراطية الغربية، لا يتم ترجمته إلى إيمان حقيقى بفكرة المواطنة والمساواة الكاملة بين كل المواطنين بغض النظر عن دياناتهم أو ألوانهم أو مذاهبهم. ينكر الإخوان حق ولاية القبطى فى مصر، لكنهم يتوددون كثيرا إلى مسيحيى بريطانيا لعدم تصنيفهم ارهابيين. هؤلاء يقيمون ويأكلون ويشربون ويحصلون على الجنسية فى بلاد يصفونها بالكفر فى سرهم، لكنهم ينفون عن مسيحيى بلدانهم الحق الأصيل فى المواطنة، ومن الطريف ان بريطانيا تستضيف لاجئين متطرفين إسلاميين يكفرون الجميع بمن فيهم الغرب بالطبع، وهو أمر يدعو احيانا للريبة والغرابة. لا اتحدث عن كل الإسلاميين فمنهم المعتدلون يؤمنون بالمواطنة الحقيقية، ويعيشون فى أوروبا واندمجوا فى مجتمعاتها وآمنوا فعلا بالديمقراطية، لكن اتحدث عن تلك الفئة التى اختطفت الإسلام واساءت إليه وإلينا وإلى نفسها، ولنا فى داعش وتفريعاتها خير دليل. اعرف ان هذا الكلام لن يعجب كثيرين من المنتمين إلى هذه التيارات وانصارها، اعرف ان بعضهم سيقول: «لقد اصدرنا بيانا يدين داعش والنصرة أو انصار الشريعة وممارساتهم». لا أقصد إصدار البيانات، بل اتحدث عن جوهر ايمان الإخوان وكل حركات الإسلام السياسى بحق غيرهم ومنهم المسيحيون فى المواطنة الكاملة وما يتطلبه ذلك من تغيير فى أشياء وأفكار ومبادئ وسلوكيات كثيرة. إذا كانوا يؤمنون بذلك فعليهم التوقف عن التعامل مع المسيحيين فى مصر باعتبارهم درجة ثانية، بل مواطنين كاملى الأهلية. عليهم اقناع أنصارهم بعدم التعامل مع الناس على أساس مذهبى أو طائفى أو دينى أو عرقى، وعليهم عدم التعاون والتحالف مع فصائل ومنظمات عربية تخطف وتقتل وتطرد الأقباط فقط لأنهم مسيحيون. ايمان الإخوان بالمواطنة الكاملة هو أمر لا يتعلق فقط بما يحدث فى ليبيا، بل هو أمر شديد الارتباط بالتغيير الجوهرى الذى ينبغى ان تشهده الجماعة إذا كانت حقا تريد ان تمارس السياسة على أسس صحيحة.