هذا الفيلم المتقن، مثل أعمال أحمد عبدالله السابقة، يثير التفكير والتأمل.. صحيح، قد يبدو كلاسيكيا فى اعتماده على الأبيض والأسود، فضلا عن اعتماده على متابعة شخصية جوهرية واحدة، وربما يذكرك ب«الليلة الأخيرة» لكمال الشيخ 1963.. لكن الأبيض والأسود هنا، يتضمنان عشرات الألوان، الخافتة والصاخبة، المستكينة والمتمردة.. والبطلة، ذات جوانب متباينة، متضاربة، تجعلها، وكأنها عدة شخصيات، ولا تأتى الإشارات المتوالية ل«الليلة الأخيرة» كمجرد تحية لمخرج كبير، يعد أحد أعمدة السينما المصرية، لكن يعد امتدادا بديعا، ملهما، لحالة «نادية» فاتن حمامة التى تبحث عن نفسها، بعد عقد ونصف العقد، عاشت فيما يشبه الغيبوبة، أو فقدان الذاكرة. «مها»، برونق جديد فى أداء حورية فرغلى، عاشقة فن السينما، مهندسة الديكور، تكاد تتماهى تماما فى شخصية بطلة «الليلة الأخيرة».. متزوجة من «مصطفى» ماجد الكدوانى صاحب الطباع التى لا علاقة لها بدهاء وقسوة «محمود مرسى»، زوج فاتن حمامة، فى فيلم كمال الشيخ. الكدوانى، يتحمل تقلبات «مها» بسعة صدر، برحمة، يراها مريضة نفسيا، تعيش حياة أخرى، فى خيالها المنهك، المعتل، حتى أنه يصحبها لطبيب نفسانى يؤدى دوره ممثل له شأنه، يتمتع بحضور عميق، اسمه محمد صالح. من ناحية ثانية، نتابع «الحياة الأخرى» التى تعيشها «مها».. ندرك، مع توالى المشاهد، أنها ليست حياة خيالية، ولكنها حقيقية، لا تقل فى واقعيتها عن حياتها المليئة بالخلافات والمتاعب مع زوجها «مصطفى».. الواضح أن الأخوين «دياب» محمد وشيرين سارا بمهارة على الحبل المشدود، بين الواقع والخيال، لذا فإن أحد مفاتيح الفيلم يتمثل فى النظر له كافتراضات، أو كبحث عن إجابة لسؤال: ماذا يحدث لو؟.. «مها»، فى العديد من المشاهد، تؤكد حسب زعم الفيلم أنها تزوجت «شريف» خالد أبوالنجا ولم تتوفق معه، لأسباب لا علاقة لها بالأسباب التى أدت للتنافر بينها و«مصطفى» «شريف»، لا يريد إنجاب أطفال، «مصطفى»، يقترب فى هدوئه من حد اللامبالاة. عبثا تحاول التفرقة بين الماضى والحاضر، أو الواقعى والمتخيل، ذلك أن مخرجنا المتمكن، نجح فى جعل الحكايتين على ذات القدر من المصداقية، المشكوك فيها.. وبالتالى، يبدو «ديكور» كأنه حالة، يثير قضية الاختيارات.. «مها»، القلقة، المعذبة، القوية، أمام اختيارين إجباريين، فإما أن تعيش حياة راكدة، حسب رغبة والدتها، منحة البطراوى، مع زوج خامل عاطفيا، أو أن تبقى زوجة بلا أطفال، مع زميلها، مهندس الديكور، شريف. الأواصر، بين «ديكور» و«الليلة الكبيرة»، أقوى من أن تكون مجرد تحية.. حالة حورية فرغلى هنا، تتشابه مع حالة فاتن حمامة هناك.. فاتن، تفيق على اسم غير اسمها، وزوج لم تختره بإرادتها. وبرغم وجاهة المعيشة التى تحياها، فإنها فى لحظة تنوير، ترفض كل هذا وتريد أن تكون نفسها. «مها» أيضا، أو حورية فرغلى، فى لحظة ألق، تردد، بصوت مسموع، نابع من القلب، منولوجا داخليا، تتحدث فيه عن الطريقين اللذين يتحتم عليها اختيار أحدهما، إما مصطفى أو شريف، وهى، ترفض الطريقين، بما يحملان من قهر واستبداد، وترنو، إلى طريق ثالث، بالتأكيد، موجود، وإن لم يظهر جليا بعد.. إنها، بهذا المنولوج، لا تعبر عن حيرة وقلق البنت المصرية الآن وحسب، بل تجسد موقف المواطن الذى يرفض صيغة إما أو. «ديكور»، ينتهى نهايتين.. «مها»، بإرادة كاملة، ترفض الاثنين، تطل عليهما، بلا ندم، من نافذة مفتوحة على آمال رحبة.، وهى نهاية نموذجية. لكن مبدعى الفيلم العقلى، المثير للأفكار، المحير، ترددوا فى ترك «ديكور» محملا بالإيحاءات، فأضافوا مشهدا، بالألوان هذه المرة، يدعى أن ما شاهدناه هو مجرد فيلم فها هم أبطاله فى العرض الخاص يتقبلون التهانى بينما الأمر.. ليس كذلك.