ونحن نودع 2014، دعونا نتذكر أن مصر المواطن والمجتمع والدولة تستطيع أن تخرج من أزماتها الراهنة وتتجاوز تحدياتها الداخلية والإقليمية والدولية الكثيرة إذا توافقت أغلبيتنا على إعادتها إلى مسار تحول ديمقراطى حقيقى، وعلى إرساء مبادئ سيادة القانون والشفافية والمساءلة والمحاسبة ومحاربة الفساد، وعلى إيقاف المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات لاستعادة معانى العدل والسلم الأهلى واستعادة عافية المؤسسات العامة والخاصة وإحياء السياسة، وعلى مواجهة الإرهاب والعنف بمزيج ذكى من الأدوات العسكرية والأمنية والتنموية والمجتمعية وفى إطار ضمانات الحقوق والحريات. ونحن نودع 2014، دعونا نتذكر أن الوطن يئن مع أنين ضحايا انتهاكات الحقوق والحريات، مع المظالم التى يكابدها طلاب وشباب وآخرون يعاقبون بسلب حريتهم أو بإجراءات تعسفية أخرى كالفصل من الجامعات أو من مواقع العمل، مع الدماء الطاهرة لشهداء ومصابين من القوات المسلحة والشرطة وبين صفوف المواطنين يوقعهم إجرام إرهابى لا دين له ولا وطن ولا ضمير، ويئن أيضا بفعل تطرف وكراهية وهيستيريا تخوين وتشويه وعقاب جماعى لم نختبرها قبل هذه الأيام. ونحن نودع 2014، دعونا نتذكر أن مجتمعنا يبحث عن طاقات أمل وحيوية ومبادرات أهلية تواجه الفقر الذى أوقع فى شباكه ربع المصريات والمصريين (وفقا للبيانات الرسمية) ويزيد (وفقا للحسابات الواقعية)، وتجابه البطالة التى تبلغ معدلات كارثية بين النساء والشباب وفى المحافظات الفقيرة فى الصعيد وفى سيناء وفى بعض مناطق الدلتا، وتغير من وضعية انهيار خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية التى تؤثر فى الفقراء ومحدودى الدخل قبل غيرهم، وتفتح الأبواب للمبادرة الفردية والقطاع الخاص للإسهام فى الجهود التنموية لأن انتظار الفعل الأحادى من قبل السلطة التنفيذية والمؤسسات والأجهزة الرسمية خطأ وسلبى وحظوظ نجاحه فى تحسين أوضاعنا محدودة للغاية. ونحن نودع 2014، دعونا نتذكر أن منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية تتعرض لهجمات سلطوية متلاحقة لا طائل من ورائها ولا عائد إلا القضاء على حيوية وفاعلية الناس وإخضاعهم جميعا للرأى الواحد والصوت الواحد، وأن هذه التنظيمات الوسيطة بالإضافة إلى قطاعات الطلاب والشباب الواسعة تستطيع أن تسهم بإيجابية فى الخروج من أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية بل وفى مواجهة التطرف والإرهاب والعنف وفى التعاون البناء مع السلطة التنفيذية شريطة أن تتوقف الهجمات السلطوية والتوظيف الرسمى المستمر للأدوات القمعية، وأن المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية لهم دور أساسى فى التعبير عن مصالحنا كمواطنات ومواطنين وفى الدفاع عن حقوقنا وحرياتنا وحمايتنا من تغول وقمع السلطة التنفيذية، وأن الأفضل لمصر المواطن والمجتمع والدولة أن يحافظ على المجتمع المدنى وأن يباعد بيننا جميعا وبين استمرار حالة الصراع والشقاق والاستقطاب الراهنة. ونحن نودع 2014، دعونا نتذكر أن ليبيا فى جوارنا المباشر والمشرق العربى من حولنا وظروف العالم بتقلباته وصراعاته وتكالب قواه الكبرى على النفوذ والمصالح الاستراتيجية والأسواق يتطلب العمل بجد وجماعية لإعادة مصر إلى مسار تحول ديمقراطى ومسارات تنمية مستدامة وتقدم، ولإدراك حتمية الابتعاد عن السلطوية المتنامية اليوم وعن انتهاكات الحقوق والحريات المتكررة، ولالتزام سيادة القانون ورفع المظالم وجبر الضرر عن ضحايا الظلم والانتهاكات من طلاب وشباب وغيرهم؛ كل ذلك لكى نبتعد عن وضعية الوطن المنتظر دوما لدعم الآخرين أو المنظور إليه كأحد أطراف أزمة إقليمية مدمرة، ولكى نستعيد قدرتنا على التعامل بندية مع العالم وقواه، ولكى نعيد وقبل كل شىء آخر المواطن المصرى إلى واجهة العمل التنموى والاهتمام الإيجابى بالشأن العام ونحيى السياسة التى يتهددها الآن المزيد من «ضربات الموت» بفعل الإطار القانونى والإجرائى الكارثى المحيط بالانتخابات البرلمانية القادمة ونزوع السلطة التنفيذية الطاغى لشرعنة «الاستثناء» عبر قوانين سلطوية كقانون التظاهر وعبر مواد قانونية قمعية كالمادة 78 المعدلة من قانون العقوبات. فى وداع 2014، دعونا نُعِدْ حساباتنا.