تاريخ الصراع العربى الصهيونى هو تاريخ العدوان من جانب واحد تقريبا.. طرف يبادر ويضرب وآخر يشكو ويبكى، أما ما يسمى بالمجتمع الدولى فهو خرافة. فى كل مرة تبدأ إسرائيل العدوان وبعد أن تحقق أهدافها الرئيسية يتحرك هذا المجتمع الدولى على استحياء، ويطالب إسرائيل بمصطلح غريب عجيب اسمه «ضبط النفس»، دون أن يشرحوا لنا معناه المحدد. صارت إحدى أمنياتى أن ينقلب العالم ونصير نحن العرب أقوياء ونتجبر على إسرائيل، وتبدأ هى فى الصراخ والاستجداء، ويطالبنا العالم بضبط النفس. نتحدث كثيرا ونقول إن العالم لا يفهم ولا يحترم غير لغة القوة، لكننا لا نطبقها على صراعنا مع هذا العدو الصهيونى، الذى يمثل أبغض احتلال عرفه التاريخ. من دون أن نمتلك أسباب القوة الشاملة، فلن نتغلب على إسرائيل، ولن نستعيد حقوقنا. يقال إن الرئيس السورى السابق حافظ الأسد وعندما كان يفاوض وزير الخارجية الأمريكى الأشهر هنرى كيسنجر، كان يحدثه لساعات طويلة عن الحقوق العربية فى الصراع مع إسرائيل. لكن كيسنجر رد عليه ذات مرة بأن بلاده لا تؤمن بما يسمى بالحقوق التاريخية، لأنها بلد بلا تاريخ، وتؤمن فقط بالواقع، الذى تحدده القوة. نسمع ونقرأ ونردد دائما أن نتائج المفاوضات تتحدد بالمدى، الذى يمكن لأسلحتك أن تصل إليه، ومعظم أسلحتنا العربية نحصل عليها من الغرب، وخصوصا من الولاياتالمتحدة، وهناك ما يشبه القرار الاستراتيجى بعدم السماح للسلاح الأمريكى فى أيدينا أن يهزم السلاح الأمريكى أيضا الموجود فى أيدى إسرائيل، والأخير أكثر عددا وتطورا عشرات المرات مما نحصل عليه. إذا كنا جادين فى مواجهة إسرائيل فعلينا أن نعيد النظر فى كثير من البديهيات السابقة المتعلقة بآلية إدارة الصراع. بهذه الطريقة الراهنة فلن ننتصر على إسرائيل، ولو استمر الصراع مليون سنة. حالنا كان أفضل كثيرا قبل عشر وعشرين وثلاثين سنة، ولم نتمكن من الانتصار أو حتى وقف تمدد الاحتلال.. فما الذى يجعلنا نفكر فى الانتصار هذه المرة أو المرة القادمة. نتمنى بطبيعة الحال أن تحدث معجزة كونية تزيل الاحتلال الصهيونى من الوجود، لكن وبما أن زمن المعجزات انتهى، فإن السؤال الجوهرى الذى ينبغى أن يسأله الحالمون هو: كيف ننتصر على العدو ونحن منشغلون بالقضاء على أنفسنا، كيف ننتصر على إسرائيل ومن يطلقون على أنفسهم «مجاهدين فى سيناء» يقتلون الأطفال والمدنيين والعسكريين فى سيناء بدلا من التوجه إلى غزة ومقاتلة العدو الأصلى، كيف ننتصر على إسرائيل وحماس انشغلت كثيرا بنصرة جماعة الإخوان فى مصر على حساب بقية الشعب المصرى؟! كيف ننتصر على العدو وحركتا فتح وحماس غير قادرتين على إنجاز المصالحة الفعلية، حتى هذه اللحظة أو حتى الاتفاق على آلية فتح معبر رفح؟! كيف ننتصر على العدو وهناك حرب طائفية فى سوريا ومثلها فى العراق، وآثار هذه وتلك تشغل لبنان والأردن عن أى شىء آخر؟! كيف ننتصر على العدو ومنطقة الخليج منشغلة بالتربص الإيرانى أو تخشى انتقال الرياح الطائفية إليها؟! يا أيها الحالمون أفيقوا.. إسرائيل تعيش أسعد لحظاتها منذ زرعها عنوة فى المنطقة عام 1948، وصار بعض العرب يحققون لها مجانا ما كانت لتدفع مقابله تريليونات الدولارات وأرواح آلاف الجنود. لن ننتصر على إسرائيل قبل أن ننتصر على أنفسنا أولا، وعلى طائفيتنا وعلى مرضنا وتخلفنا وجهلنا.