«اعتداءات جسدية ولفظية» مع مرور الأيام صارت هذه الكلمات الثلاث من مجرد حالات للاعتداء على الصحفيين المكلفين بتغطية فاعليات المسيرات المختلفة، إلى ظاهرة متكررة باستمرار. ولعل مسيرة «اليوم العالمي للتضامن مع المعتقلين المصريين» خير دليل على آخر التجاوزات في حق الصحفيين، خصوصًا بعد تعرضهم للضرب والقبض عليهم بمحيط «محطة مترو الأهرام بمصر الجديدة»، أثناء توجههم مع الحركات الشبابية تجاه قصر الاتحادية، لتضاف حلقة جديدة لمسلسل الاعتداء على الصحفيين الذين طالما نادوا بوضع حد له. «سامر في قلب المسيرة» «سامر عمر – محرر الشروق المكلف بتغطية المسيرة» روى ما دار على مدار ثلاث ساعات، قائلًا: «بعد حوالي ربع ساعة من انطلاق المسيرة من أمام محطة مترو الأهرام، ظهرت مدرعتان من خلف المسيرة، أطلقت باتجاهها قنبلة غاز ما أدى لتشتت المشاركين بالمسيرة، قبل أن يظهر مجموعة من البلطجية، وسط قوات الأمن، ليلقوا على المتظاهرين زجاج وحجارة، وعلى الفور رد المتظاهرون بالحجارة أيضًا». وأضاف «سامر»: «استمر التراشق بالحجارة لحوالي نصف ساعة، وسط مشاركة من قوات الأمن التي أطلقت قنابل الغاز باتجاه المتظاهرين، ما دفعهم للفرار إلى الشوارع الجانبية، وقررت أنا وعدد من الزملاء الصحفيين السير في مجموعة، قبل أن يتفرق جمعنا في الشوارع الجانبية، ليعترضني أحد أفراد الشرطة، الذي أبرزت له كارنية الجريدة وأبلغته بهويتي الصحفية، إلا أنه لم يبالِ وأدخلني إلى عربة شرطة (بوكس)، وكنت أول المقبوض عليهم، قبل أن تواصل السيارة مطاردة آخرين بالشوارع القريبة». وواصل محرر الشروق حديثه، قائلًا: «خلال تلك المطاردة أخرجت هاتفي وأرسلت برسالة إلى الجريدة أُبلغهم فيها بالقبض عليَّ وتحويلي إلى قسم النزهة، حيث أبلغني أحد العساكر ذلك، بعدما رفض الضابط إبلاغي، قبل أن تمتلئ العربة بنحو 35 شابًّا». وأشار إلى أن «أفراد الشرطة اعتدوا على المقبوض عليهم بالأيدي والسباب، قبل أن يغيب أحد المقبوض عليهم عن الوعي للحظات ثم يفيق ويتقيأ، فطالب عدد من المقبوض عليهم أمناء الشرطة والضابط المسؤول عن المجموعة بنقله إلى أقرب مستشفى لتردي حالته الصحية، وهو ما قابله الضابط بالرفض، قائلًا (في ستين داهية، اللي زيكم المفروض يتعدموا)». وأضاف محرر الشروق: «بعد مشادة بين أحد المقبوض عليهم وضابط شرطة، أخرج طبنجته وأطلق طلقة صوت داخل (البوكس)»، مؤكدًا أنه خلال عملية القبض العشوائي ألقى أفراد الشرطة القبض على اثنين، قال أحدهم: «يا باشا عمرو بيه هو اللي منزلني»، فطلب منه أحد أفراد الشرطة الصمت، فرد: «يا باشا إحنا معاكم، وموجودين عشان العيال الإخوان، واسأل عمرو بيه». واستكمل: «وفي قسم النزهة انقسمنا إلى مجموعتين، وكال لنا أفراد الشرطة السباب، وجمعوا منا الهواتف وأجهزة اللاب توب والبطاقات الشخصية، وبعد حوالي نصف ساعة قضيناها بممر داخل القسم، أُدخلنا إلى مكتب رئيس المباحث، الذي انهال علينا بالسب وهددنا بالاعتداء علينا، وحصلت بيننا مشادة كلامية بعدما طلبت منه حسن المعاملة خاصة بعدما علم بأني كنت أُؤدي مهام عملي لا أكثر قبل أن يسبني ومهنة الصحافة عمومًا». سامر عمر واصل حديثه، موضحًا: «انتقلت بعد ذلك إلى غرفة أخرى قريبة، حضر إلينا أمين شرطة أخذ بياناتنا بالكامل، وبعد نصف ساعة أخرى نادانا أمين الشرطة لنتحدث إلى ضابطين من جهاز الأمن الوطني كانوا يفحصون جهاز اللاب توب الخاص بي». وأشار إلى أن «أحد المتظاهرين كان في حالة إعياء شديدة، وأغمي عليه، وسنَّده اثنان من زملائه المقبوض عليهم، طالبه رئيس المباحث بالوقوف فلم يستطع، قبل أن يطلب من أحد أفراد الشرطة إحضار الكرباج، وفي تلك الأثناء نُقلنا إلى مكتب ثالث، وهنا سمعنا أصوات صراخ قادمة من مكتب رئيس المباحث». «عبد الرحمن: البلطجية يتدخلون» من جانبه، قال الزميل المصور بجريدة البديل، عبد الرحمن محمد، إن بداية الأحداث وقعت بعد اعتداء من وصفهم ب«البلطجية» على المسيرة من الخلف بالزجاج والحجارة، في حضرة عناصر الشرطة، مضيفًا «لما المتظاهرين بدأوا يحدفوا طوب على البلطجية، الدخلية هنا بدأت تضرب غاز وخرطوش». وأضاف أن الزملاء الصحفيين والمتظاهرين فروا لأحد الشوارع وظل «البلطجية ومعهم الداخلية خلفهم، حتى اعترضهم صاحب أحد المحال بالمنطقة ليحاصروا». وتابع: «البلطجية مسكونا ونزلوا ضرب فينا أنا ومحمود ونحاول نفهمهم إننا صحفيين مفيش طبعًا.. كان كل همهم إنهم يضربونا ويسرقوا حاجتنا لحد ما جه واحد صاحب محل ودخلنا عمارة ودخلنا مخزن وقفل علينا الباب عشان ينقذنا منهم». واستكمل: «وإحنا قاعدين جوة طبعًا سامعين صوتهم وعاوزين يدخلوا ويخدونا وكدة، المهم مفيش عشر دقايق والمباحث كانت دخلت وأول لما دخلوا علينا خدوا التليفونات والشنط والكاميرات وكل حاجة وكانوا واقفين طول الطريق ضرب بقى وشتيمة وكل حاجة ونقول صحفيين مفيش». وأضاف مصور البديل: «قبل ما يخرجونا من العمارة قرروا إنهم يسيبونا للبلطجية بقى تقوم بالواجب، اتضربنا تاني ودراعي ودماغي اتبهدلت، ومحمود صاحبي اتعور في رجله، وضرب في كل حتة وطوب وإزاز ومواسير، وكان في واحد صديقي شافني حاول يخلصني منهم معرفش واتمسك هو كمان وحطونا في البوكس بعد طبعًا العلقة التمام وبرضه فضل تحديف طوب وضرب واحنا جوه البوكس». وداخل إحدى مدرعات الشرطة، يبدأ فصل جديد في رواية عبد الرحمن، الذي قال: «هنا بقي تبدأ مرحلة تانية خالص، دخلنا مدرعة مفيهاش مكان، مش عارفين نتنفس، كلنا فوق بعض، وربطوا إيدينا ورا ضهرنا، وفضلنا ساعتين مثلًا، وبعدها قرروا يودونا القسم ورحنا على قسم مصر الجديدة، كنا تلاتة صحفيين وتلاتة تانين اتمسكوا من محل العصير والشارع وعلي صاحبي اللي كان بيحاول يخلصني من البلطجية والشرطة وفضلنا في القسم لحد ما خرجنا». ونفى عبد الرحمن أن يكون أحد تعرض له أو للزملاء الصحفيين داخل قسم الشرطة، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن عددًا من المقبوض عليهم تعرضوا للضرب والشتائم، قبل أن يخرج وزملائه من القسم بعدما حصلوا على بياناتهم الخاصة.