• مسئولة العدالة الاقتصادية بالمالية: الوزارة لا تزال تدرس حجم الضرر الذى سيقع على بعض الفئات من خفض دعم الطاقة • تشريعات التأمينات تم وضعها فى السبعينيات ولم تواكب متغيرات الخصخصة وزيادة عدد العاملين فى القطاع غير الرسمى • معاشات العمالة غير المنتظمة تبدأ من 180 جنيهًا فى الشهر لا يشعر الاقتصاديون بالاطمئنان عندما يراقبون المؤشرات المالية لنظام التأمينات المصرى التى تنبئ بأزمة مالية قادمة فى الطريق اذا استمر النظام على العمل بأسلوبه الحالى، ويشارك خبراء السياسات الاجتماعية الاقتصادين فى نقدهم لنظام التأمينات فهو بالرغم من مشكلاته المالية يقدم معاشات منخفضة القيمة قياسا بحجم الدخول قبل الخروج من الوظيفة، وحتى على المستوى التكافلى تكشف احصائيات المستفيدين من معاشات الضمان الاجتماعى ان الدولة لا تصل بمساعداتها النقدية الا لشريحة ضئيلة من المحتاجين، تلك المعضلات تفرض نفسها بقوة على صناع القرار فى الوقت الحالى مع تأهب الحكومة إلى اتخاذ اجراءات لإعادة هيكلة الدعم خلال الفترة المقبلة بما يفرض عليهم تعزيز شبكة الأمان الاجتماعى لحماية المواطنين من آثار تقليص الدعم. فى سنة 2000 كانت نسبة حجم ما ينفقه نظام التأمينات المصرى إلى احتياطات هذا النظام 22 ضعفا، وتراجعت هذه النسبة عام 2005 إلى حوالى 18 ضعفا، ومن المتوقع ان تبلغ تلك النسبة 5.5 ضعف بحلول 30 يونيو 2014، تلك المؤشرات يسوقها محمد معيط، نائب رئيس هيئة الرقابة المالية، كإجابة عن سؤال وجهناه اليه حول رؤيته للمخاطر المالية لنظام التأمينات الحالى معلقا «فى 2010 كنا نتوقع ان نظام التأمينات سيدخل فى مرحلة حرجة بحلول 2025، ولكن المؤشرات الحالية تنذر بأنه سيدخل فى تلك المرحلة قبل هذا التاريخ». 2010 كان تاريخا مميزا لنظام التأمينات المصرى حيث صدر فيه قانون جديد ينظم هذا القطاع يقوم على التأمين على الاجر الحقيقى وليس الأجر التأمينى فقط ويستهدف تغطية القطاع الاكبر من المواطنين على ان تتولى الدولة توفير الحماية الاجتماعية للفئات غير القادرة. إلا أن القانون الذى شارك معيط فى الترويج له بقوة آنذاك، حيث كان يعمل مساعدا لوزير المالية لشئون التأمينات، واجه انتقادات قوية من الرأى العام، كان من ابرزها زيادة قيمة اشتراكات التأمينات ورفع سن المعاش فى القانون، حتى تم الغاء القانون بعد الثورة. «تأسيس نظام جديد للتأمينات فى مصر يجب ان يقوم ما يريده الناس، وايضا ما تستطيع الدولة ان تقدمه» يقول معيط وهو يؤكد على انه بالرغم من انتقادات الرأى العام للقانون الجديد فإن امتيازات نظام التأمينات لا يمكن ان تتحسن بدون التأمين على مجمل الدخل وزيادة الاشتراكات «الا تسمع مثلا من يقول انه كان يعمل وكيل وزارة وراتبه قبل الخروج من الوظيفة 15ألف جنيه ثم تلقى معاشا ب1200 جنيه!». تشريعات بعيدة عن الواقع ويبلغ اجمالى حجم الاشتراكات المدفوعة فى نظام التأمينات 62 مليارا اجمالى المنصرف 70 مليار جنيه، وتعود التشريعات المنظمة للتأمين على العاملين فى القطاع الحكومى والخاص والعاملين فى الخارج ومن يعملون لدى انفسهم تشريعات تعود إلى حقبة السبعينيات، وتأثرت منظومة التأمينات المصرية بالتحولات الاقتصادية التى تلت حقبة التسعينيات، حيث ارتفعت نسبة من تقاعدوا مبكرا عن العمل بشكل واضح منذ عام 1996 فى ظل سياسات الخصخصة واعادة هيكلة القطاع العام كما تعتبر دراسات ان معدلات البطالة المرتفعة والتحسن الذى طرأ على توقعات اعمار المواطنين ساهما ايضا فى خلق ضغوط على نظام التأمينات. وتنامى دور القطاع غير الرسمى فى الاقتصاد خلال العقود الماضية الامر الذى جعل نسبة كبيرة من العاملين خارج منظومة التأمينات «التشريعات التى تنظم التأمينات تأسست على أن القاعدة الاكبر من العاملين فى القطاع الرسمى، مما جعل تلك المنظومة غير مواكبة للمتغيرات التى جرت فى الاقتصاد» تقول هانيا الشلقامى، استاذة العلوم الاجتماعية بالجامعة الامريكية بالقاهرة. وبينما يقدر جهاز التعبئة العامة والاحصاء قوة العمل ب27.6 مليون مواطن، يصل عدد المؤمن عليهم إلى 16.1 مليون وعدد من يتلقون معاشات فى الوقت الحالى 8.5 مليون مواطن. وتعمل الحكومة فى الوقت الحالى على اعداد قانون جديد للتأمينات يجمع مزايا القانون القائم والقانون الذى أعده وزير المالية الاسبق يوسف بطرس غالى وألغى العام الماضى، وبعد مرور نحو 4 سنوات على قانون غالى يرى معيط أنه من الممكن اعادة النظر فى تعديل بعض مواد القانون ومنها رفع سن استحقاق معاش الشيخوخة إلى 65 عاما، ولكن معيط يدافع عن وجهة نظر القانون فى رفع سن المعاش بقوله «سن المعاش فى قانونى التأمين على العاملين لدى انفسهم والعاملين بالخارج يصل إلى 65 عاما، اى اننا كنا نسعى لتطبيق تجربة تأمينية كانت مطبقة بالفعل على قطاعات من العمالة المصرية منذ السبعينيات». فقراء بدون معاش وتهتم الحكومة بشكل واضح خلال الفترة الحالية بتحسين مستوى المعاشات الضمانية التى تستهدف الفئات المحرومة من التأمينات والذين عادة ما يكونون من الفئات شديدة الفقر او من تعرضوا لظروف تمنعهم عن كسب العيش كأشكال الاعاقة المختلفة، حيث انهم من الفئات التى ستكون الاكثر تأثرا بالآثار التضخمية لرفع اسعار الطاقة. وبالرغم من تعدد المعاشات الضمانية الا ان مؤشرات اعداد المستفيدين منها تدلل على أن نسبة كبيرة من الفقراء لا تصل اليهم تلك المعاشات «كل من تجاوز ال65 عاما وليس له معاش يستحق معاش الضمان الاجتماعى، ولكن عدد من هم مسجلون فى هذا المعاش 191.5 ألف مواطن، اعتقدأن أعداد المسنين الفقراء اكبر من ذلك» تقول الشلقامى، وترجح استاذة العلوم الاجتماعية ان انخفاض عدد المستفيدين من هذا المعاش قد تعود إلى وجود قطاعات من المستحقين لا يعرفون كيف يحصلون عليه او وجود شروط تصعب حصولهم على المعاش، «الدولة لا تشترط فقط الا يكون للمسن معاش آخر، ولكن ايضا الا يكون هناك من ينفق عليهم وليس لديهم ممتلكات، اعتقد اننا فى حاجة لنظام جديد يضمن الحماية الاجتماعية لكبار السن». فئة اخرى ترى الشلقامى ان نسبة مهمة منها لا تصل اليها المعاشات الضمانية وهم المعاقون، «عدد الاطفال المعاقين الذين يحصلون على معاش الضمان حوالى 5000 طفل، اعتقد انه عدد قليل قياسا بنسبة المعاقين فى المجتمع التى تقدر بنحو 10% من السكان». العمالة غير المنتظمة ايضا من الفئات الاكثر عرضة للتأثر بالتضخم فى الاسعار، وترى الشلقامى ان قانون التأمين الخاص بها (رقم 112) لا يوفر لها الحماية الاجتماعية «هذا القانون صدر فى الثمانينيات، وبعض الاسر التى تعمل لديها عاملات فى المنازل شجعتهن على الحصول على هذا المعاش من باب المسئولية الاجتماعية، لكن عمليا هذا القانون لا يغطى نسبة مهمة من تلك الفئة ويقدم امتيازات محدودة». ويبلغ الاشتراك الشهرى لمعاش العمالة غير المنتظمة جنيها واحدا فى الشهر وتبدأ قيمة هذا المعاش من 180 جنيها «من الممكن ان نخير المشتركين بين زيادة قيمة الاشتراك وتحسين المعاش بحيث يكون اداة جيدة للادخار» كما تقول الشلقامى. ويأتى اهتمام الحكومة بإعادة هيكلة المعاشات الضمانية ضمن مساعيها لتوفير تحويلات نقدية للفقراء تخفف عنهم ضغوط ارتفاعات مرتقبة فى اسعار الطاقة، ولكن خطة الدولة لتقديم التحويلات النقدية لم يتم اعلانها بعد بشكل واضح «وزارة المالية لا تزال تدرس حجم الضرر الذى سيقع على بعض الفئات جراء خفض دعم الطاقة، بجانب طريقة التعويضات التى ستمنح لهم، وعدد المستفيدين» كما تقول شيرين الشواربى رئيسة وحدة العدالة الاقتصادية بوزارة المالية، مشيرة إلى أن «الوزارة لديها أكثر من سيناريو لتنفيذه لكن حتى الآن لم تستقر على واحد منهم». وكانت الشواربى قد قالت فى تصريحات صحفية سابقة إن هناك جدلا داخل الحكومة حول إعطاء دعم نقدى مشروط أو غير مشروط، للفئات المتضررة من خفض دعم الطاقة. وبحسب الشواربى فإنه «لا يوجد خلاف حكومى فى هذا الشأن، ولكن الأمر عبارة عن دراسة تقوم بها أكثر من وزارة وليست وزارة المالية فقط، وفى النهاية سيتم الإعلان عن تفاصيل الخطة التى ستتبعها الوزارة خلال أيام قليلة قادمة». ما لا يقل اهمية عن اعادة هيكلة نظام التأمينات وتوفير حزمة من الخدمات الاجتماعية والتحويلات النقدية للفقراء هو «التوقف عن انتاج الفقر» كما تقول الشلقامى، مشيرة إلى ضرورة وجود اعادة نظر فى السياسات الاقتصادية فى مجملها لتحقيق هذا الهدف.