السكون والهدوء هما سمة ساحة الاستقبال بمنفذ السلوم البري بعد أن كانت تعج بالحركة والحراك ما بين شاحنات بضائع تصدير ذاهبة إلى الجانب الليبي، وحافلات ركاب قادمة إلى مصر عبر منفذ مساعد البري، وما بين أبواب المنفذ الموصدة وخلو الماكن من أية حركة، وإجراءات أمن غير مسبوقة ولم تشهدها مدينة السلوم أو المنطقة الجمركية منذ عشرات السنوات، تتوقف شاحنات نقل البضائع المصرية التي كانت في طريقها إلى الداخل الليبي على مسافة مئات الأمتار لحين استئناف حركة النقل البري بين البلدين مرة أخرى أو العودة من حيث أتوا. في انتظار فتح طريق الجيش يقول الأسطى طارق أحمد ماهر، أحد قائدي شاحنات النقل السورية والمحملة بمواد غذائية، إننا ننتظر صدور قرار فتح المنفذ البري أو العودة مرة أخرى إلى الداخل المصري، ولكن المشكلة التي تواجهنا هي أننا لا نستطيع العودة مرة أخر من خلال هضبة السلوم حيث استحالة نزول شاحنة محملة بما يزيد عن 50 طن أن تنحدر هذا الانحدار الحاد دون أن تنقلب ويكون مصير كل ما بداخلها هو الموت المؤكد، لذا نحن نأمل في حالة عودتنا إلى أن تفتح لنا القوات المسلحة الطريق الخاص بها والذي يلتف حول هضبة السلوم ودون انحدار كي نصل إلى محافظتنا بسلام. أنصار الشريعة تبحث عن المسيحيين والمخالفات الشرعية إبراهيم محمد أحمد من مركز كفر الزيات محافظة الغربية، سائق شاحنة رخام ينتظر قرار العودة أو استكمال رحلة الدخول إلى ليبيا، يصف ما يتعرض له سائقو الشاحنات المصرية خلال رحلاتهم داخل الأراضي الليبية، حيث عصابات قطاع الطرق من اللصوص والمليشيات المسلحة وجماعة أنصار الشريعة، قائلًا: إن ما بين مسافة 1000 متر نجد لجنة شريعية تستوقفنا وتبحث عن أية مخالفات من منطلق رؤيتهم هم "خمور أو مخدرات" أو مسيحيين وحال وجود أحد الأشخاص المسيحيين يكون مصيره القتل أو الخطف أما إذا وجدت خمور أو مخدرات فمصادرة البضائع الموجودة بالشاحنة. تكرار فرض الإتاوات ويضيف جمال أنور حسين، سائق شاحنة من محافظة الجيزة، فرض الإتاوات النقدية على السائقين هي السمة الدائمة لكل رحلات الشحنات فما بين رسوم تحليل دماء أمام بوابة كل مدينة ليبية بواقع 5 دينار ليبي على كل تحليل، نجد من يستوقفنا من أجل الحصول على إتاوة مرور تقدر بعشرة دينارات ليبية وإلا كان جزاء عدم الدفع هو تكسير زجاج السيارة بالحجارة أو بالآلات الحادة. النصيب الأكبر من سوء المعاملة للمصريين فقط أما جاد رجب السيد فيؤكد أن المصريين هم الذين لهم النصيب الأكبر من سوء المعاملة من الليبيين وخاصة المليشيات والعصابات المسلحة وجماعة أنصار الشريعة دون باقي الجنسيات ولأسباب لا يعرفها أحد خاصة بعد ثورة 30 يونيو؛ لأنه وفي حالة قيادة أحد السائقين المصريين لشاحنة سورية فإن المعاملة تكون مختلفة اعتقادًا منهم أن قائد السيارة سوري الجنسية وليس مصريًّا. الحل في منطقة شحن وتفريغ مشتركة عربي أحمد محجوب، سائق شاحنة من محافظة الغربية، يقول: في مثل هذه الظروف يجب تفعيل الاتفاق الأمني بين الجانب المصري والليبي والذي تم في مارس الماضي وكانت ضمن بنوده إنشاء منطقة شحن وتفريغ بضائع مشتركة بين مصر وليبيا، حيث تقوم شاحنات نقل البضائع المصرية بنقل البضائع إلى منطقة الشحن والتفريغ المتفق عليها لتقوم بعد ذلك الشاحنات الليبية بنقل البضائع إلى ليبيا حيث لا تتعرض لمل نتعرض له نحن من استفزاز وابتزاز وإرهاب وتوقيف مستمر. القرار سيزيد من الركود الاقتصادي وقال أحمد حسين بدوي، سائق شاحنة من حلوان: إن إجمالي عدد الشاحنات المصرية الواردة من مصر إلى ليبيا يصل عددها كل يوم ما بين 300 إلى 400 شاحنة بضائع عبارة عن مواد بناء "سيراميك ورخام وأسمنت وأدوات صحية وأدوات كهربائية... إلخ" بما يقرب من 80% من البضائع التي تدخل ليبيا، وبنسبة 20% تقريبًا عبارة عن مواد غذائية، مشيرًا إلى توقف حركة التصدير إلى ليبيا ستصيب الاقتصاد المصري بمزيد من الركود والشلل. وداخل مدينة السلوم الحدودية أسفل الهضبة حيث الركود التام في الحركة الاقتصادية بعد توقف حركة المسافرين من وإلى ليبيا وحركة التجارة التي تقوم بها شاحنات نقل بضائع التصدير. أهالي السلوم يعيشون وضعًا اقتصاديًّا مأساويًّا يوسف عبد الحي القطعاني، أحد أبناء مدينة السلوم وصاحب شركة مقاولات، يصف الوضع بالمأساوي نظرًا لاعتماد جميع سكان المدينة الذي يصل عدد إلى ما يقرب من 30 ألف نسمة فضلًا عن الغرباء القادمين من محافظات أخرى ويعملون في المدينة على منفذ السلوم فقط والحراك الذي ينتج من حركة السفر ونقل البضائع، كذلك غلق ما يقرب 70 إلى 80 مكتب تخليص جمركي، وإنهاء إجراءات سفر يعمل فيها أبناء مدينة السلوم، حيث أبدى تخوفه من تزايد أعمال التهريب كرد فعل لغلق المنفذ البري، موضحًا أن مدينة السلوم لا يوجد بها أي مورد اقتصادي يشتغل عليه الأهالي، فمراكب الصيد عددها محدود ولا يتجاوز ال10 مراكب فقط، بينما لا يسمح بترخيص المزيد من مراكب الصيد، بالإضافة إلى التشديدات الأمنية التي أصبحت ضرورية الآن لتحقيق الأمن والأمان التي كنا نرجوها لمواجهة البلطجية والخارجيين على القانون. سجن محاصر بالبوابات الأمنية وفرص تنمية ضائعة بينما يطالب زايد القطعاني بضرورة وسرعة تنمية المدينة التي تحولت إلى سجن مفتوح تحيط به البوابات والدوريات الأمنية من كل جانب واتجاه، فمن الممكن أن تكون المدينة سياحية من الطراز الأول لو طبق ونفذ مشروع منتجع هضبة السلوم وسياحة السفاري والرحلات البحرية من خلال مارينا اليخوت، وكذلك الرقعة الزراعية التي تعتمد على مياه الأمطار والآبار لو تم عمل عدة مكثفات لتحلية مياه البحر وهي محدودة التكلفة، بالإضافة صناعة صيد الاسماك والاستزراع السمكي، مطالبًا بزيادة مساحة التخطيط العمراني للمدينة والتي ضاقت بسكنها نظرًا لضيق المساحة المحددة لهم للبناء والسكن بينما باقي المساحات الصحراوية الشاسعة التي تحيط بهم محظور الاقتراب منها لاعتبارات أمنية. خالد المعبدي، سائق سيارة نصف نقل صغيرة تعمل داخل مدينة السلوم، يؤكد أن جميع الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة من كافيتريات وورش صيانة ومطاعم ومحلات بيع خضروات وجزارة تأثرت وبشكل كبير بعد توقف حركة المنفذ البري، ويقول بعد أن كنت بسيارتي الصغيرة لا أتوقف عن العمل في نقل البضائع والمنتجات ما بين المحلات التجارية بوسط وأطراف المدينة وكان عائد سيارتي يكفي متطلبات واحتياجات الأسرة التي أتكفل بها، أصبحت الحركة الآن محدودة جدًّا وسوف يزداد الركود أكثر وأكثر مع مرور الوقت؛ ليتحول أصحاب الأعمال إلى عاطلين ولا ندري ماذا يخبئ لنا المستقبل القريب. انخفاض المبيعات إلى ما يقرب من 70% وتقلص عدد الزبائن إلى أكثر من النصف هكذا جاء وصف أحمد صلاح، صاحب مطعم مأكولات شعبية في مدينة السلوم، حيث كان مطعمه مقصدًا لسائقي الشاحنات والمسافرين الذين اختفوا من شوارع السلوم التي كانت تمتلئ بهم وبتحركاتهم ليلًا ونهارًا، موضحًا أن مدينة السلوم تعد مدينة محرومة من أي فرص تنمية كونها مدينة حدودية عسكرية، متمنيًا أن يكون هناك تفكير حقيقي وجاد في تنمية هذه المدينة التي تحملت الكثير والكثير من الصعاب. في نفس الوقت أكد مصدر آمني أن التشديدات والإجراءات والتدابير الأمنية التي اتخذت من قبل الأجهزة المختلفة وبالتنسيق الكامل مع القوات المسلحة تعد غير مسبوقة في حيث التشديد علي الحدود برًّا وبحرًا بداية من شمال السلوم وحتى جنوب واحة سيوة مع انتشار كثيف لوحدات المراقبة من قوات حرس الحدود واستخدام أجهزة الاستشعار الحراري لرصد المتسللين والذي تجاوز عددهم إلى ما يقرب ال1500 متسلل من مصر إلى ليبيا خلال أقل من ثلاثة أشهر ماضية، وذلك نظرًا لما تشهده ليبيا من عمليات حرب منظمة وشاملة على الجماعات التكفيرية المسلحة والمليشيات التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، وذلك تحسبًا لدخول أو تسلل أية عناصر من هؤلاء إلى مصر والانضمام إلى الخلايا الموجودة في الداخل لتنفيذ أية أعمال ضد أبناء الشعب المصري. كذلك أكد اللواء عناني حسن حمودة، مدير أمن مطروح، أنه تم إعلان حالة الاستنفار الأمني وإعلان حالة الطوارئ القصوى بطول المنطقة الحدودية الغربية الفاصلة بين مصر وليبيا مؤكدًا أن هناك تشديدات وزيادة بإجراءات الدخول في منفذ السلوم البري مع تشديد وتكثيف جميع الدوريات المعنية لمراقبة الدروب المدقات الصحراوية.