غامرت فتاة عشرينية بحياتها، ووضعت كلتا يديها أمام حركة باب إحدى عربات المترو لتمنع إغلاقه الآلي؛ بحثا عن موطئ قدم وجدته بعد معاناة وسط المئات من المواطنين فى واحدة من رحلات مترو الأنفاق عصر أمس الأول من محطة «الشهداء» متجهة إلى شبرا. المشهد أعلاه بدا معتادا لدى الركاب الذين لم يبد أحدهم اهتماما كبيرا بمغامرة الفتاة، إذ لم يعد الأمر فعلا يستحق الرفض لدى غالبية المواطنين، بل إن بعضهم أصبحوا يبادرون بأنفسهم من داخل العربات، بمنع الأبواب من الإغلاق انتظارا لقدوم راكب جاء مسرعا أو طفل لم يلحق بأمه بالداخل، وصار المشهد فقرة درامية متكررة فى كل رحلة لقطارات المترو تقريبا. لكن ليس كل الركاب فى ذلك سواء، فأحدهم قال بصوت مسموع: «إعاقة حركة إغلاق الأبواب تتسبب فى تعطيل حركة المترو كلها ما يؤخر رحلات الملايين يوميا لصالح راكب جاء متأخرا ويتعجل قصاء مصالحه على حساب الآخرين». لم يدر بشأن ما قاله الراكب أى نقاش، وانخرط الجميع فى حالة من الصمت، فرضها الزحام، وحرارة الجو التى لم تحل دونها المراوح الهوائية الصغيرة المثبتة فى أركان متفرقة من العربة. ومع قدوم فصل الصيف، وارتفاع درجات الحرارة، تتفاقم معاناة ركاب مترو الأنفاق بالقاهرة الكبرى، متجاوزة أزمة «الزحام» الدائم فى محطة «الشهداء»، أكبر المحطات «التبادلية» بين خطوط المترو الثلاثة، إلى أزمات أكبر رصدتها «الشروق» بعد مشاركة حيّة لركاب خط «المنيب شبرا» و»المرج حلوان»، يوم أمس الأول (الخميس). «المترو أسهل وأسرع وسيلة انتقال بالقاهرة الكبرى».. العبارة السابقة التى كانت تحظى باجماع رواد وسائل المواصلات العامة بالعاصمة، لم تعد كذلك، فإغلاق اثنتين من أهم محطات المترو، هما «السادات» و«الجيزة» جعل الانتقال أصعب وأكثر كلفة بحساب التوقيت. الأجساد المتراصة جوار بعضها، وحبات العرق فوق الوجوه والروائح الكريهة، حوّلت «المترو» من وسيلة انتقال سريعة إلى «أداة تعذيب متنقل»، لكن «ما باليد حيلة» حسبما قالت إحدى السيدات وهى تدفع حرارة الجو عن طفل صغير بدا عابسا، وهى تحمله، بقطعة كرتونية صغيرة. فى طريقها للنزول، قالت مواطنة أربعينية، وهى تحاول اتقاء مخاطر «التحرش» بتشبيك ذراعيها فوق صدرها: «أعمل بشارع قصر العينى على مقربة من ميدان التحرير ولأن محطة السادات مغلقة فأنا أركب المترو حتى محطة الشهداء ثم أعود لأركب المتجه إلى حلوان حتى أصل لأقرب محطة لمقر عملى وهى سعد زغلول، وهو ما يجعل رحلة الذهاب لعملى تأخذ ضعف وقتها المعتاد يوميا». تبدأ المعاناة اليومية لركاب المترو، من شباك قطع التذاكر، فما إن تتعطل أية نافذة فى أى من المحطات، تُصاب المحطة نفسها بزحام شديد فى أقل من دقيقتين، فيتجاوز بعض الركاب أدوار بعضهم فى الطوابير، ما يثير مشادة أو أكثر بين راكب التزم بطابوره وآخر جاء من الخارج يطلب تذكرة متعللا بالزحام و«رغبته فى عدم مضايقة السيدات» بحسب تعبير شاب صغير، وهو يبرر ل«الشروق» أسباب تجاوزه للطابور. من الطوابير إلى بوابة التذاكر تتواصل الأزمة، فما إن يقترب المواطنون وفى أيديهم القطع الورقية الصفراء ذات الشكل المستطيل، يتوسطها خط أسود، حتى يجدون عددا من الموظفين يلتفون حول ماكينة واحدة أو اثنتين تعملان، من بين عدد أكبر من الماكينات خارج الخدمة، بعضها يظل مفتوحا طوال الوقت أمام الجمهور، فى وجود أحد الموظفين، وبعضها تظل على حالتها خارج الخدمة فتعوق الحركة داخل محطات المترو بدلا من تيسيرها وضبطها. «حين نعلم أن محطات المترو تستقبل يوميا أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون مواطن، ندرك حجم المعاناة الناجمة عن تعطل رحلة الانتقال ولو لجزء يسير من الوقت»، قالها أحد الركاب، وهو موظف لدى شركة يقع مقرها بميدان التحرير. تحمل جدران بعض محطات المترو عبارات تشيد بالمشروع باعتباره «نقلة حضارية» و«عنوان للتقدم فى القاهرة فى الألفية الثالثة»، إلا أن إطلالة سريعة بعين طائر على واقع مترو القاهرة الكبرى، ستكشف للناظرين أن كاتب تلك العبارات يحتاج لمراجعتها اليوم. مدير إدارة الإعلام بهيئة مترو الأنفاق أحمد عبد الهادى، علّق قائلا: «كل حتة فى مصر فيها مشاكل.. الحياة فى مترو الأنفاق ليست مرضية فالباعة الجائلون والمتسولون مظاهر سلبية ودور الشرطة منعهم وهى تقوم بحملات من أجل ذلك». وأضاف: «المترو وسيلة الانتقال الوحيدة المنتظمة فى خطوطها الثلاث، والمحطات المغلقة ليست بإرادتنا وإنما لدواع أمنية». وعن الزحام قال عبدالهادى: «محطة الشهداء بها تكدس كبير بسبب غلق محطة السادات لأن المحطتين تبادليتان أى تستقبل ركابا يغيرون مسارات رحلاتهم على مدار اليوم، والأعطال بماكينات فحص التذاكر فى الدخول والخروج يتم التغلب عليها بماكينات الكروت الذكية». تصوير: صبري خالد تصوير: هبة خليفة