بين سائح غادر مدينة أسوان لانعدام وسائل الترفيه، وغياب الأمن، وعامل بازار سياحى ينتظر على أبوابه زبائن لا يأتون، وأطفال يلهون بلعب الكرة فى الشوارع الجانبية بعد إغلاق مدارسهم، وآخرون ينتظرون انتهاء الحرب الدائرة بين النوبيين والهلايلة، لإيقاف ماكينة الخراب.. رصدت «الشروق» بعض ملامح تجمد مظاهر الحياة فى المدينة السياحية وتأثيرها على المواطنين. غادر الأمن فهرب السياح مشاهد العنف القبلى التى تناقلتها وسائل الإعلام من المدينة السياحية، لم تمنع سائحة ألمانية، أن تصطحب صديقتها إلى أسوان، فى رحلة قصيرة بدأت من الأقصر وانتهت فى أسوان، إذ إن الفتاتين صممتا على زيارة المدينة رغم معرفتهما بالأحداث، إلا أنهما قررتا مغادرتها لخلوها من الأمن وإغلاق المحال وأماكن الترفيه المعتادة. الشارع السياحى.. فى انتظار ضيوفه والأمن على يمين الطريق بالشارع السياحى، يجلس ناصر محمد، شاب عشرينى، بجوار بضاعته من الجلاليب المحلية المصفوفة جيدا، لا تلتفت عيناه يمينا أو يسارا، مستسلما لما آلت إليه الأوضاع فى بلاده وتأثيرها على حركة البيع فى الشارع الخالى من ناسه. فالخلافات القبلية التى تصدرت النشرات الإخبارية المصرية والدولية فى الأيام الأخيرة، أتت بمردود سلبى على حركة التجارة فى الشارع السياحى قلب أسوان النابض. مظاهر الركود السياحى بدت جلية على وجوه الباعة الذين جلسوا يتسامرون عن تداعيات الفتنة بعيدا عن محالهم، فى حين وقف آخرون ينتظرون من لم يسافر خوفا على حياته. «كنا بنشوف السياح أكثر من المصريين» العبارة تدوى صداها فى أركان المقهى النوبى، منتصف الشارع السياحى، ليتفاعل معها رواده فى رثاء ركود الحال الذى بدا جليا بالشارع ذائع الصيت للأجنبى قبل المصرى. ماتش كورة لم يجد مصطفى محمد، وتسعة من أصدقائه بمدرسة أحمد طه الثانوية، إلا الشوارع الجانبية، لممارسة نشاطهم الكروى فى الشوارع القريبة من موقع مدرستهم بكورنيش النيل، عوضا عن حوش المدرسة، بعد تعطل الدراسة فى أسوان، غير عابئين بما يجرى حولهم من صراعات النار. حرق الحناطير أعمال الخراب الواسعة التى امتدت من قلب «السيل الريفى» بحرق المنازل والمحال إلى قطع الطريق أمام مبنى محافظة أسوان، طالت عربات الحناطير التى تمتلكها قبيلة الهلايلة، بعدما أضرم النوبيون النيران فى «الحناطير» المصطفة بطريق الكورنيش، فى سابقة هى الأولى من نوعها أن تحرق الحناطير رمز السياحة على كورنيش النيل بأسوان. تمرد على القضبان مظاهر الاحتجاج التى بدت واضحة فى شوارع المدينة من تحطيم المحال وحرق واجهات بعض المبانى، تصاعدت مع تجمهر القبيلتين فى فترات متفاوتة على قضبان السكة الحديد، احتجاجا على غياب الدولة، مما اضطر وزارة النقل لوقف حركة القطارات المتجهة إلى الصعيد. مطرب بلا جمهور فى المطعم النوبى، الذى يقع أعلى الجزيرة الوسطى بالنهر، جلس مطرب يتغنى على أنغام العود، بين أغانٍ تراثية ونوبية، جمهوره لا يتعدى بعض السياح يحملون جنسيات مختلفة، يتجددون تلقائيا على مدار اليوم، أملا فى قدوم المزيد من السائحين الذين هجروا المدينة وتركوها خاوية بعد اشتباكات القبائل المتناحرة. يعملها الصغار ويقع فيها الكبار أطفال «دابود» يستمعون لأحاديث كبار العائلات النوبية بمركز حدود النوبى حصن الدابودية عن ضرورة كبح جماح شبابهم، حقنا لدماء أبنائهم الذين شاركوا فى مشاجرة «العبارات المسيئة» مع أبناء الهلالية بمدرسة صالح حرب، واستغراب شديد من كبار النوبيين حول كيفية وصول السلاح للمجتمع السلمى. وابناء الهلالية يتفقدون المحال المحترقة ب«خور عواضة» بعد ذبح 16 شخصا من قبيلتهم وسحلهم على «الكارو»،