في قصص قصيرة جدا بعضها لا يزيد أحيانًا على بضعة أسطر تستطيع الكاتبة المصرية ثناء حسن، تكثيف حالات ولحظات إنسانية في دراما قصصية تبدو عفوية ولكن وراءها جهدا كبيرا في إخفاء "الصنعة" الأدبية. وتعتمد المجموعة القصصية التي تحمل عنوان «ملكة الغجر» على لغة محايدة ومتقشفة توجز ولا تستطرد.. توحي ولا تصرح وترفض استخدام كلمات زاعقة في التعبير عن معاني الاحتجاج والعناد والفقر والموت العبثي والتسامح أو التعصب الديني مكتفية بتصوير مشاهد دالة ومشحونة بالمعنى. ففي قصة «هروب» التي تقع في عشرة أسطر يخجل الولد من ثياب بالية ترتديها أمه ويخجل من إلحاحها في المساومة وهي تشتري له حذاء "الولد حتما كره الأحذية ومن يبيعونها وأمه وجلبابها وقدميه اللتين لا تعرفان كيف تتعاملان مع الأحذية. الأم افترشت الأرض وجلست وجذبت من قدميه الحذاء القديم فتشبع الجو برائحة قدميه... فنظر إليها في يأس وأطلق ساقيه للريح وهرب". أما قصة «رحيل»، فتلخص في 21 سطرًا ما يشبه المرثية عن منزل يرحل فجأة كل من يتحدث عن طول إقامة فيه ثم تحمل جدرانه صور الراحلين ولكن أحدًا لم يكف يومًا عن الأمل في طول إقامة ووضع خطط لترميم المنزل وتشذيب أشجار حديقته. ولكنهم يرحلون تاركين صورًا باهتة وتواصل الجدران تصدعها حتى إن شجرة المانجو العجوز لم تجد من يقطف ثمارها وهي لا تستطيع بمفردها التوقف عن الإثمار ولا مغادرة الحياة. والمجموعة التي تقع في 85 صفحة متوسطة القطع، أصدرتها دار «شرقيات للنشر والتوزيع» في القاهرة. وفي عشرة سطور هي مجمل قصة «حنان»، تسجل ثناء حسن إشارات تحيل إلى ثقافة أبطال القصة ورؤيتهم للآخر المختلف في الدين، حيث تروي طفلة صغيرة أنها تحرص على شراء الكعك كل صباح من المرأة الفقيرة "مريم" غير مبالية بتهديدات أمها. وتقول الراوية: "مريم كانت تقبلني دائما على جبيني بينما تنتظرني أمي على السلم لتبحث في حقيبتي عن بقية كعك مريم وعن بقايا قبلاتها على جبيني وتهدد مجددًا بقطع أصبع من أصابعي أو فقء عيني، بينما انسحب من أمامها حائرة لا أدري لماذا تغضب كل هذا الغضب وهي التي لا تجيد صناعة الكعك ولا منح القبلات؟". ومن دون وقوع في المباشرة تحتفي المجموعة بمفهوم الكتابة عبر مناقشة درامية لفكرة «الجدوى» إذ تبلغ بطلة قصة «خيانة» سن الثلاثين ولم تتزوج ولكنها رغم الحزن تتحصن بنظارتها الطبية وكبريائها أمام قريبتها التي أنجبت "ثلاث فتيات وفتى اخترت له اسما وصنعت له مئزرا. وأنت عندك أشعار محمود درويش وصلاح عبد الصبور... لو كنت شجاعة لأدركت أن ثلاثين عامًا أكثر من كافية للألم وأغلقت أسطوانتك على هذا اللحن اليتيم للأبد".