حركة الأموال العالمية كانت المؤثر الرئيسى على أداء أسواق المال فى العالم. فى الثلاث سنوات من 2008 إلى 2011 (منذ بداية الأزمة المالية العالمية فى النصف الثانى من عام 2008) ، خرجت أموال كثيرة من أسواق الأسهم العالمية وتم استثمارها فى أسواق السندات قليلة المخاطر(نسبيا!) وانخفض العائد على السندات السيادية الأمريكية لمدة عشر سنوات إلى 1.6%. وفى هذه الفترة انخفضت قيمة الأصول عامة وانخفضت أسعار الأسهم عالميا. ولمواجهة هذا اضطرت البنوك المركزية حول العالم إلى طباعة النقد وهو ما يعرف باسم سياسة التيسير الكمى (Quantitative Easing). وكانت الولاياتالمتحدة فى طليعة تلك الدول، حيث طبع مجلس الاحتياطى الفيدرالى (البنك المركزى الأمريكى) حوالى 3 تريليونات دولار. وزاد إجمالى أصول ميزانيته من تريليون دولار قبل الأزمة إلى حوالى 4 تريليونات دولار حاليا. وقد أدت سياسات التيسير الكمى إلى تحسن قيمة الأصول عالميا فى الفترة من 2011 إلى 2013. وارتفعت البورصات حول العالم فى أمريكا واليابان وأوروبا والخليج وكل الأسواق الناشئة. ومع تحسن قيمة الأصول عالميا وتحسن الاقتصاد فى بلدان العالم عامة وأمريكا خاصة بدأ مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى منذ ثلاثة أشهر تخفيض حجم طباعة النقد (Tapering) من 85 مليار دولار شهريا إلى 75 مليار دولار شهريا ثم إلى 65 مليار دولار الآن تمهيدا للوصول إلى صفر ثم إلى سحب ما تم ضخه مع الوقت. وهو ما يعنى أن كمية الأموال المتاحة حول العالم سوف تقل وبالتالى ترتفع تكلفة الحصول عليها. وأدت تلك الإفصاحات من جانب الفيدرالى الأمريكى إلى انخفاض قيمة كل عملات بلدان الأسواق الناشئة. وللدفاع عن قيمة العملات (لما لها من آثار تضخمية) بدأت البنوك المركزية فى الأسواق الناشئة رفع أسعار الفائدة (فى الأرجنتين وتركيا وجنوب أفريقيا) والبقية تأتى. وهذا له تأثير سلبى على معدلات النمو فى تلك البلدان. الخلاصة أن الفترة القادمة لن تكون سهلة فيما يتعلق بتوافر الاستثمارات فى الأسواق الناشئة. وفى مصر، فإننا لا نعتمد حاليا على تمويل الموازنة من سوق السندات العالمىة كما أن الاستثمار فى سندات الخزانة ضعيف جدا من جانب الصناديق العالمية المتخصصة فى العائد الثابت (Fixed Income Funds) وأيضا من جانب صناديق التحوط (Hedge Funds) بعد أن كانت هذه الصناديق تسد فجوة تمويلية فى السابق. وكان إجمالى استثمارات هذه الصناديق فى سوق سندات الخزانة المصرية قبل ثورة يناير حوالى 11 مليار دولار خرجت كلها فى أسبوع واحد بعد الثورة. كما خرج من سوق الأسهم فى ثلاثة أشهر من عام 2011 حوالى 3 مليارات دولار. وخلال الثلاث سنوات الماضية تحملت الدول الخليجية (قطر وقت المجلس العسكرى ووقت الإخوان ثم الإمارات والسعودية والكويت بعد 30 يونيو 2013 ) عبء تمويل عجز الموازنة وعجز الميزان التجارى ولكن مصر لن تستطيع الاعتماد على دول الخليج للأبد وسوف تضطر خلال ال18 شهرا القادمة (على الأكثر) إلى العودة للاقتراض من أسواق السندات العالمية فى ظروف صعبة عالميا (كما أوضحنا) ومحليا (بسبب الاضطرابات السياسية). وسوف يتطلب ذلك فى أغلب الظن الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى وما يتتبعه ذلك من تخفيض محتمل لقيمة العملة (خاصة فى ضوء الانخفاضات المتتالية لعملات البلدان الناشئة كما أوضحنا). إن سياسة البنك المركزى المصرى فى الفترة القادمة مهمة للغاية. فرفع سعر الفائدة يحافظ على قيمة الجنيه وبالتالى يحافظ على نسب تضخم معقولة ولكن معدلات النمو ستتأثر سلبا وتزيد البطالة. فى المقابل فإن تخفيض قيمة الجنيه يتسبب فى زيادة الأسعار (التضخم) ولكنه يزيد تنافسية التصدير (خاصة لو حدث تخفيض للعملة بنسب أكبر من نسب تخفيض عملات البلاد المنافسة فى التصدير) ويزيد الاستثمار وتقل البطالة. وفى هذا السيناريو فإن قيمة الأصول بالجنيه تزيد وترتفع البورصة مع الوقت (لاحظ أن تخفيض العملة فى الأرجنتين بنسبة 35% فى الشهرين الماضيين واكبه ارتفاع فى البورصة). إن ما يحدث فى أسواق المال فى العالم يؤثر فينا بصورة مباشرة. والثلاث سنوات القادمة تتسم بارتفاع تكلفة الأموال بسبب تخفيض حجم طباعة النقد. وما لم يكن هناك حكومة جديدة تفهم ذلك وتفهم أيضا حدود الممكن من استقطاب الأموال وكيف ومن أين تأتى الأموال وشروطها وطبيعتها (أسهم، سندات..إلخ) فنحن ذاهبون إلى أزمة. يجب الوصول لقناعة أن المساعدات الخليجية قد تستمر لفترة ولكنها ليست حلا طويل المدى. وإنه يجب الاعتماد على أنفسنا. إذا تصرفنا بطريقة صحيحة خلال الأشهر الأربعة الأولى بعد انتخاب رئيس الجمهورية القادم فإننا نستطيع وبحق عبور الأزمة والانطلاق. إن تشكيل الوزارة القادمة هو مربط الفرس. رئيس الجمهورية القادم عليه وضع الأسس فى اليوم التالى لحلف اليمين (إن لم يكن قبلها أثناء المعركة الانتخابية) ولن يكون هناك وقت لمسلسل البحث عن رئيس وزراء ومسلسل الاعتذارات والمواءمات. كل هذا يجب أن يسبق حلف الرئيس الجديد لليمين. لكى يقدم حكومته فى اليوم التالى لحلف اليمين لتتكون من عناصر فاهمة وببرنامج مفصل يتم تجهيزه والاتفاق عليه مسبقا مع الرئيس. يجب أن تحلف هذه الوزارة اليمين فى اليوم التالى لحلف الرئيس لليمين. نحن ذاهبون للحرب وعلينا أن نكون جاهزين. لن يكون هناك وقت للتدريبات وللتعلم أثناء الحرب ولن يكون هناك وقت لقراءة إرشادات استخدام (Manual) منصات إطلاق الصواريخ. مصر ممكن أن تكون «قد الدنيا» ولكن اختيار الوزارة القادمة وتجهيز برنامج مفصل قبل حلف الرئيس القادم لليمين ومن عناصر تتسم بالكفاءة هو مربط الفرس