ثار جدل واسع بعد انتهاء الاستفتاء الاخير على الدستور حول نسب مشاركة الشباب، بين من يرى أنه كان هناك تدن فى نسب مشاركة الشباب مقارنة باستفتاء ديسمبر 2012 ومن يرى أنه لا يوجد أى تدنٍ أو عزوف وأن نسب مشاركة الشباب طبيعية. وحقيقة الأمر أن دوافع هذا الفريق كانت اثبات موقف سياسى ما، لا علاقة له بالنقاش حول الدستور والمضحك فى الأمر أنه جدل سفسطائى بحت لأنه يحسم ببساطة بإحصاءات دقيقة ومحايدة ولكنها للأسف غير متوافرة. فى محاولة لاستكشاف آراء الشباب حول الموقف من الاستفتاء والدستور، توجهت لدائرة اصدقائى ومعارفى وأهلى من الشباب، فوجدت حقيقة أن بعضهم شارك فى الاستفتاء الأخير ولكن أغلبهم امتنع عن المشاركة. جميع من شاركوا كانوا موافقين على الدستور، رغبة فى تحقيق الاستقرار ودفع البلاد للمزيد من النمو والتقدم، بالإضافة إلى ثقتهم فى الفريق السيسى ورغبة فى دعم خارطة الطريق والتأكيد على شرعية 30 يونيو، فضلا على تلقين جماعة الإخوان المسلمين درسا والانتقام منهم لما اقترفوه طوال عام كامل أمضوه فى حكم البلاد. القليل جدا من دائرة المعارف الخاصة بى قرر المشاركة والتصويت بلا وكانت أسبابهم تنصب على رفض الدستور ذاته وعدد كبير من مواده خاصة تلك المتعلقة بالمحاكمات العسكرية للمدنيين وتلك التى تنظم دور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية فى مصر. الجدير بالذكر أن المشترك بين من اختاروا المشاركة بالموافقة على الدستور أنهم كانوا ذوى خلفيات اقتصادية أو يعملون فى شركات متعددة الجنسيات. أما بالنسبة للفريق الذى قرر عدم المشاركة فكانت أسبابه أكثر تعددا وتوافقا. فقد رأى جميعهم أن عملية الاستفتاء لم تكن عملية ديمقراطية حقيقية وأن النتيجة محسومة مسبقا، وأن الدستور سيتم تمريره سواء ذهبوا للتصويت أو لم يذهبوا. كان الانطباع السائد هو أن عملية الاستفتاء مسرحية هزلية سبقتها دعاية مستفزة بهدف حشد الناس للتصويت ب «نعم» فى أسلوب لا يختلف كثيرا عما فعله نظام الإخوان أثناء الدعوة لاستفتاء ديسمبر 2012. وقد أضاف الكثير من الممتنعين أن ما سبق الاستفتاء من عمليات إلقاء القبض والتشويه والتنكيل بالعديد من الرموز الشبابية المرتبطة بثورة الخامس والعشرين من يناير فضلا على توارد الأنباء حول إلقاء القبض على بعض من يدعون للتصويت ب«لا» أو من قاموا بإبطال أصواتهم كانت جميعها إشارات بعودة القبضة الأمنية وإحكامها سيطرتها على المجريات السياسية فى مصر مرة أخرى. وقد كان لدى البعض منهم معضلة أخلاقية تتمثل فى رفضهم اعطاء الشرعية من خلال مشاركتهم فى عملية سياسية أتت نتيجة لسقوط عدد كبير من الضحايا ورغبة منهم فى تعكير صورة النظام أمام العالم الخارجى؛ فظهور النتيجة الكاسحة للاستفتاء على هذا النحو تعطى الانطباع بأنها لم تكن عملية حرة تماما. هذا بالطبع بالإضافة إلى من كانت لهم اعتراضات موضوعية تتعلق بديباجة الدستور وبعض مواده خاصة تلك المتعلقة بالمحاكمات العسكرية ونظام الحكم والفصل بين السلطات ولكنها كانت الأقل تكرارا. الملاحظ من تلك المواقف هو أن الاستفتاء حقيقة لم يكن على الوثيقة الدستورية التى أعدتها لجنة الخمسين وإنما على سياق أوسع يشمل الموقف من 30 يونيو، وخارطة الطريق، وأداء النظام منذ تلك اللحظة، والموقف من جماعة الإخوان المسلمين، ودور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية، وشخص الفريق السيسى، وفى ذيل القائمة الدستور لأنه حتى من وافقوا على الدستور أكدوا أنه ليس الدستور الأمثل وأن لديهم بعض التحفظات على عدد من مواده. تشير أغلب المواقف أيضا إلى عدم اهتمام أصحابها بقراءة الدستور وأن قرار المشاركة من عدمه كان استنادا لموقفهم من السياق السابق وليس من الدستور. لقد اتفق حقيقة كل من يشارك ومن امتنع على أن الدعاية المكثفة للتصويت ب«نعم» على الاستفتاء كانت نتائجها سلبية وسببت قدرا كبيرا من الاستفزاز للجميع وأن استمرار المناخ الاستقطابى سبب بلبلة لقطاع كبير من الشباب أفقدته القدرة على اتخاذ القرار. وأخيرا فإنه كان لايزال هناك من هو حريص على زيادة مشاركة الشباب فى الحياة السياسية فى مصر يجب أن يعلم أنه شباب واع لا تحركه الدعاية وإنما تحركه القيم والمبادئ والقناعات.