تكاثرت علينا قضايا أمن الدولة فى مصر، حتى، بدا وكأننا فى موسم التخويف وتكثيف الضربات الأمنية. إذ إلى جانب العرض المستمر بنجاح «ساحق» لمسلسل القبض على أعضاء جماعة الإخوان، فإن هذا «الإنجاز» أغرى أجهزة الأمن بالانتقال إلى تقديم عروض أخرى أكثر تطورا، وهو ما أدخلنا فى مرحلة إنتاج «الأفلام»، فمن فيلم خلية حزب الله، إلى «عصبة تفجيرات الحسين»، ومذبحة الزيتون، وتنظيم الإخوان الدولى، ثم خلية القاعدة فى محافظة الدقهلية.. والبقية تأتى. لا يعنى ذلك بالضرورة أن القضايا التى أصبحت تحتل مكانا ثابتا فى صحف الصباح كلها من وحى الخيال، ذلك أن الوقائع الأصلية قد تكون صحيحة، ولكن الجهد الذى يبذل ينصب على كيفية تحويل الواقعة إلى فيلم، وقد أثبتت التجربة أن الأجهزة المعنية تتمتع بكفاءة عالية فى «التمشيط» واصطياد البشر، لكن كفاءتها محدودة للغاية فى نسج القصص وحبك وقائعها، وهى الثغرات التى يركز عليها المحامون وسلطت عليها الأضواء فى بعض الصحف المستقلة التى لا يخضع التحرير فيها للتوجيه الأمنى. فقد كشف المحامون عن أن من وصف بأنه «زعيم» لتنظيم إرهابى مصاب منذ 18 شهرا بشلل رباعى يقعده عن الحركة. وأن جهاز الكمبيوتر الذى قيل إنه يحتوى على أسرار التنظيم لا يخصه، ووصف مدير مركز «عقل» لحقوق الإنسان بالدقهلية أن عملية القبض على أبناء قرية «تلبانة» فى المحافظة واتهامهم بتكوين خلية إرهابية بأنها فيلم «هندى». إذ ألصقت التهمة بهم انتقاما من أهل القرية الذين تحدَّوا الشرطة فى وقت سابق حين قامت بتعذيب واحد منهم حتى الموت، المحامون قالوا أيضا إن الأحراز التى ضبطت فى القضية واعتبرت أجهزة تفجير عن بعد كانت مضحكة للغاية، إذ كانت عبارة عن «تابلوه» كهرباء ومفتاح دراجة وسماعات للهاتف وكاميرات ديجيتال وأجهزة كهرباء، تبين أيضا أن السيارة التى تم ضبطها وقيل إنها استخدمت فى حادث قتل أحد الصاغة تم شراؤها بعد وقوع الحادث بثمانية أشهر. تحدث المحامون أيضا عن تلاعب أجهزة الأمن ببيانات احتجاز المتهمين، حيث تخفيهم فى أماكن مجهولة وسراديب تحت الأرض، فى حين تبلغ النيابة العامة بأنهم محتجزون فى سجن طرة العمومى. حتى ناشد هؤلاء المحامون النائب العام أن يتدخل لمنع افتراس أولئك المتهمين وإجبارهم على الإدلاء بأقوالهم تحت التعذيب وطالبوه، بوقف التحقيق معهم طوال الليل فى مقار نيابة أمن الدولة. الأستاذ منتصر الزيات أحد المحامين البارزين فى هذه القضايا عقد فى الأسبوع الماضى مؤتمرا صحفيا مهما فضح فيه بعض الأساليب المتبعة فى تلفيق القضايا، ومما قاله إن أجهزة الأمن لديها بصفة دائمة معتقلون احتياطيون كرهائن يجرى توزيعهم على القضايا حسب الطلب، وأكثر هؤلاء من المصريين والفلسطينيين. أما الأجانب «الذين لهم ظهر» فإنهم يرحلون إلى بلادهم. أشار إلى واحدة من هؤلاء مواطنة فرنسية اسمها دودى هوكسا اتهمت فى قضية تفجيرات حى الحسين، وكانت كل «جريمتها» أنه دخلت فى الإسلام وجاءت إلى مصر لدراسة الفقه واللغة ثم تبرعت بمبلغ 50 ألف جنيه لإغاثة أهالى غزة، فجرى الزج بها فى القضية، ولما لم يكن هناك دليل على اتهامها فإنها رحلت إلى بلادها، ضمن 11 من الأجانب شاء قدرهم أن يفلتوا من عملية التلفيق والتنكيل. ثمة أسئلة عديدة تثيرها هذه الشواهد منها على سبيل المثال: ماذا وراء هذه الحملة من الترهيب والتخويف؟ ولماذا حرص وزير الداخلية على أن يهدد ويتوعد المغضوب عليهم فى أحدث خطاب له أمام رئيس الجمهورية الذى ألقاه أثناء تخريج دفعة جديدة من ضباط الشرطة؟ وهل تمهد هذه الحملة لشىء ما يجرى طبخة، وهل لذلك علاقة بالانتخابات النيابية فى العام المقبل أو الرئاسة فى العام الذى يليه؟ ليست لدى إجابة عن هذه الأسئلة، لكننى أعرف ثلاثة أمور، الأول أن ذلك كله يدلل على أن «عقلية المطرقة» تتحكم فى حركة المجتمع وتهيمن على أداء السلطة، والثانى أن من طالت عصاه قلَّت هيبته، كما يقول العرب أما الأمر الثالث فهو أن شدة الضغط تولد الانفجار.