أكثر من 4 ملايين نسخة من دستور 2013 المعدل أعلنت الحكومة المصرية عن طرحها عبر جهات رسمية عدة، من أجل التعريف به ما يعنى أن أسرة من كل 5 أسر مصرية تقريبا قد وصلها مشروع الدستور المقرر التصويت عليه يومي 14 و15 من الشهر الحالي. مؤسسات مختلفة طبعت نسخا من الدستور، وزارة الشباب مثلا طبعت مليوني نسخة، ووزارة التنمية المحلية طبعت مليون نسخة للأسر الفقيرة، وتولى طبع عشرات الآلاف من النسخ جهات مثل هيئة قصور الثقافة والهيئة العامة للاستعلامات، لكن حتى الآن وعلى الرغم من أنه لم يتبق سوى القليل على الاستفتاء إلا أن نسخ الدستور لم تصل إلى العديد من المدن والقرى، وإلى المعنين بالأمر، فقط وصلتهم من خلال تصريحات إعلامية. «الشروق» حققت في طريقة طباعة وتوزيع نسخ الدستور، عبر مسئولي الهيئات الرسمية، إضافة إلى جولات ميدانية على «تجار الدستور» الذى أصبح «سبوبة» للباعة الجائلين، الذين يتمكن عدد منهم من الحصول على النسخ المجانية وبيعها بأسعار تتفاوت بحسب المناطق، ومستوى «الزبون». في الإشارة المزدحمة بميدان الدقي وقف الشاب عبده، الذى لم يكمل عامه الخامس والعشرين، ليبيع نسخ الدستور، التي طبعت بوزارة الشباب، بصوت واضح مرتفع ظل ينادى: «اعرف دستورك»، «اقرا الدستور»، وللتأكيد على أن النسخ التي معه «أصلية» كان يشير إلى توقيع عمرو موسى، رئيس لجنة الخمسين، على صفحة من صفحات الكتاب. يحاول عبده إقناع السائقين وركاب الميكروباصات بشراء نسخة، مراعيا الفروق بين أصحاب السيارات الملاكي، الذين يبعهم النسخة بخمسة جنيهات، بينما يصعد لبيعه فى الميكروباصات بثلاثة جنيهات فقط، مستخدما قدرته على إقناع المواطنين بشراء النسخة المذيلة، في الخلفية، بعبارة «مجانية» أحيانا يقدم تنازلات لأصحاب السيارات الملاكي ويبيع النسخة بثلاثة جنيهات. عبده يتنقل بين إشارات المرور في أماكن مختلفة بالجيزة، حاملا حقيبة سوداء تحوى عشرات النسخ حصل عليها من أحد موظفي مديرية الشباب والرياضة، بسعر خمسين قرشا للنسخة، موضحا أنه اتفق مع الموظف على إعادة النسخ التي لا يتمكن من بيعها، مشيرا إلى أن تجارته تجد رواجا حيث يبيع أكثر من 100 نسخة يوميا. عبده، المتنقل بين شوارع الدقي والمهندسين، يختلف عن الطفل سامى، الذى يفضل الجلوس أمام مبنى الشهر العقاري بوسط البلد، لبيع الدستور بعد أن يجمع نسخا منه من المؤتمرات التي تعقد بالقرب من منزله تشجيعا للمشاركة في الاستفتاء، ليستقر وسط البائعين وبيع النسخة بجنيهين، بضاعته صغيرة تكفل له الحصول على بضع جنيهات يعود بها إلى والدته في المساء بدلا من التسول. من جهتها، أكدت نعمات ساتي، وكيل وزارة الشباب ورئيس الإدارة المركزية للبرلمان، المسئولة عن توزيع نسخ الدستور أن «الوزارة تحاول إيصال النسخ للمواطنين بالمجان فى أماكنهم، من خلال إرسال النسخ إلى مديريات الشباب، والتي توزعها بدورها فى مؤتمرات جماهيرية، كما أن الوزارة ترسل نسخا إلى الجهات الحكومية المختلفة والجامعات ودواوين المحافظات». وأضافت «الوزارة تتلقى طلبات من هيئات مختلفة، من بينها الأحزاب، للحصول على نسخ من الدستور، وتلبى الوزارة هذه الطلبات على الفور، ومن بينها حركة تمرد التى سلمناها آلاف النسخ». وأشارت إلى أن الوزارة تسجل أسماء كل من يحصل على كميات من نسخ الدستور، حتى يكون مسئولا إذ تم توزيعها بأموال، مبينة أن خطة الوزارة هى طباعة مليونى نسخة بتكلفة مليونى جنيه، موضحة أن انخفاض تكلفة الطباعة راجع إلى أنها طبعت بمطابع الوزارة. على الرغم من أن وزارة الشباب أرسلت 100 ألف نسخة تقريبا من مشروع الدستور للجنة الخمسين، بناء على مخاطبة رسمية من رئيس اللجنة، إلا أن عددا من أعضائها لا يعرفون أن لهم حق الحصول على نسخ، لذا هناك من اشترى نسخا منه وروجها على نفقته الخاصة. الأنبا انطونيوس عزيز، مطران الأقباط الكاثوليك، أكد أنه لم يحصل سوى على نسختين فقط، مشيرا إلى أنه يشجع الشباب على شراء الدستور لقراءته، فيما قال محمد عبلة عضو اللجنة، إنه يشترى نسخ الدستور على نفقته ويوزعها فى المؤتمرات واللقاءات الجماهيرية التى يشارك فيها. وهو ما أكده جبالى محمد جبالى، رئيس اتحاد العمال، الذى قال إن الاتحاد طالب النقابات العامة بشراء نسخ الدستور، التى طبعت فى المطابع الاميرية، لتوزيعها على العمال، نافيا حصوله على أى نسخ من لجنة الخمسين. أما حجاج أدول، فقد رفض الإفصاح عن العدد الذى حصل عليه، مشيرا إلى أنه وزع عددا قليلا من النسخ التى حصل عليها من لجنة الخمسين على أهالى النوبة فى أسوان، فيما قال مسعد أبوفجر أن ترويج النسخ فى سيناء سيأتى بنتائج عكسية، لذا لم يسع إلى هذا الأمر. من جهته، قال مدير مركز المعلومات بمجلس الشورى، الدكتور محمد وجدى، إن مطبعة مجلس الشورى لم تطبع نسخ الدستور، بعد انتهاء أعمال لجنة الخمسين، موضحا أن ثلاث جهات تولت طباعته رسميا هى وزارة الشباب، والهيئة العامة للاستعلامات، والمطابع الاميرية. فيما قال المتحدث الرسمى باسم لجنة الخمسين محمد سلماوى إن اللجنة حصلت على نسخ من جهات وهيئات عدة، منها وزارة الشباب وهيئة الاستعلامات، ويتم توزيعها خلال المؤتمرات الجماهيرية، التى يشارك فيها أعضاء اللجنة، موضحا أن كل أعضاء اللجنة يعرفون أن هناك نسخا موجودة بمجلس الشورى ويمكنهم الحصول عليها لتوزيعها فى تلك اللقاءات. وأوضح سلماوى أن مجلس الشورى طبع نسخا من الدستور فى المطابع الأميرية، لافتا إلى أن المواطنين يمكنهم الحصول على تلك النسخ مباشرة من المجلس، كما يمكنه الاستماع إلى مواده من خلال «دليل التليفون» بصوت رئيس لجنة الخمسين الذى سجل خلال جلسات التصويت. وجدد المتحدث باسم اللجنة ما ذكره عن تبرع حاكم الشارقة بمبلغ مالى لإحدى الجهات الحكومية لطبع الدستور وتوزيعه بالمجان على المواطنين، مشيرا إلى أن طباعة 4 ملايين نسخة من الدستور لا يعتبر رقما كبيرا لوجود إقبال من المواطنين على شرائها والتعرف على مواد الدستور قبل المشاركة فى الاستفتاء. وأكد سلماوى على أهمية شراء نسخ الدستور المطبوعة لدى الجهات الحكومية الرسمية، لوجود نسخ مزورة منه، مشيرا إلى أن نسخة مزورة وقعت فى يده واكتشف أنها خالية من مواد الهوية وحرية العقيدة وكذلك مواد الإبداع، لافتا إلى أنه فى حالة شعور المواطنين بالقلق من النسخة التى بحوزتهم فعليهم الاتصال بالدليل للاستماع إلى المادة للتأكد من مطابقتها للنص المدون أمامهم. طبعت الهيئة العامة للاستعلامات، التابعة لرئاسة الجمهورية، الآلاف من نسخ الدستور، بحسب اللواء حمدى الشوادى، رئيس قطاع الخدمات المركزية بالهيئة والمسئول عن توزيع الدستور، مشيرا إلى أن الهيئة طبعت نسخا بطريقة برايل ووزعتها على جمعيات المكفوفين، إضافة إلى طباعته باللغة الانجليزية لمراسلى الصحف الأجنبية فى مصر ومكاتب الهيئة حول العالم. بحسب اللواء حمدى فإن الهيئة لم تحصر عدد النسخ المطبوعة، لكنها توفر النسخ للجهات الراغبة فيها، مشيرا إلى أنها ستحسب عدد الكميات المطبوعة بعد الانتهاء من عملية التصويت على الدستور. وأوضح أن الهيئة توزع النسخ من خلال مراكز الاعلام المنتشرة فى المحافظات، بالإضافة إلى الندوات والفاعليات التى تنظمها الجهات التابعة للهيئة. الهيئة العامة لقصور الثقافة من الجهات التى طبعت الدستور، ومع هذا حين توجهت منار، الطالبة بالفرقة الثانية بكلية التجارة، مع زميلاتها إلى قصر ثقافة بنى سويف الثقافة لتسأل عن نسخة مجانية من الدستور الجديد، التى لم تستطع الحصول عليها من الجامعة، فوجئت برد موظف الأمن على البوابة، الذى أخبرها أنه لا توجد نسخ من الدستور، ونصحها بشرائها من البائعين فى شارع الرياضى، حيث تباع النسخة بثلاثة جنيهات. وعلى الرغم من إعلان هيئة قصور الثقافة عن طباعة 10 آلاف نسخة من الدستور، فى بيان رسمى، إلا أن رئيس الهيئة الدكتور سعد عبدالرحمن قال إن الهيئة وزعت 35 ألف نسخة، طبعت منها 20 ألفا وحصلت على 10 آلاف أخرى من الهيئة العامة للكتاب، و5 آلاف نسخة من الهيئة العامة للاستعلامات. وأضاف أن ميزانية طباعة الدستور تم تخصيصها من قيمة ميزانية النشر والمخصصة لطباعة إصدارات الهيئة، موضحا أنهم حرصوا على الالتزام بالقانون فيما يتعلق بالمطبوعات وطريقة توزيعها، حيث تم توفيرها مجانا للمواطنين من أجل إتاحة الفرصة لهم للتعرف على الدستور. اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية، سبق أن أعلن عن طباعة مليون نسخة مجانية من مشروع الدستور فى المحافظات حتى يتسنى للمواطنين غير القادرين قراءة مسودة الدستور ومعرفة حقوقهم وواجباتهم، لكن لا احد يعرف كيف تم توزيع تلك النسخ. فبحسب المسئولة الإعلامية للوزارة لمياء محمدين، فإن المليون نسخة تم توزيعها بمعرفة الوزير شخصيا، مشيرة إلى أن قطاعات الوزارة لا تعرف شيئا عن طريقة التوزيع، وهو ما يتنافى مع طبيعة العمل الحكومى، والذى يتطلب تدوين كل حركة فى أوراق السجلات الرسمية. وقالت مصادر بمحافظة الوادى الجديد إنهم لم يتسلموا أى نسخ من مشروع الدستور من قبل التنمية المحلية، وأن إجمالى ما تسلمته المحافظة كان 1500 نسخة فقط، وهو نفس ما أكدته مصادر بمحافظة القاهرة، حيث قالوا إنهم لم يتسلموا نسخا من وزارة التنمية المحلية وأن المحافظة اشترت ألفى نسخة من المطابع الأميرية. إخفاق أعداد كبيرة من المواطنين فى الحصول على النسخ الرسمية المطبوعة بالهيئات الحكومية جعلهم يتجهون إلى نسخ دور النشر الخاصة، التى تبيع الواحدة منها بخمسة جنيهات، والتى يتصدر غلافها العلم المصرى، بينما يعيد البعض طباعة النسخة الأصلية المذيلة بتوقيع رئيس لجنة الخمسين. حسن، صاحب إحدى المطابع التى قامت بطباعة الدستور، أكد أنه طبع أكثر من 30 ألف نسخة من مشروع الدستور، مبينا أن تكلفة طباعة الألف نسخة تراوحت ما بين 1800 و2200 جنيه، بحسب الألوان والأوراق، موضحا أن الألف تباع جملة للبائعين ما بين 2500 و2750 جنيها، بحسب الكمية التى يحصل عليها كل بائع، بينما يحدد الباعة سعر النسخة المعروضة على المواطنين. وأشار حسن، الذى رفض ذكر اسمه كاملا خوفا من الضرائب، إلى أن الكميات المطلوبة من مشروع الدستور اختلفت بشكل كبير عن النسخ التى تم شراؤها خلال دستور 2012 بسبب طول الفترة ما بين الانتهاء من الدستور والتصويت عليه، مشيرا إلى أنهم اضطروا للاعتذار عن طلبات بسبب ضيق الوقت وعدم استطاعتهم تلبية جميع الطلبات التى يطلبها عملاؤهم. وانتقد حسن طريقة التوزيع العشوائى للدستور المجانى من قبل وزارة الشباب، مشيرا إلى انه خلال جولته بوسط البلد شاهد سيارة وزارة الشباب توزع النسخ بشكل عشوائى ما جعل أفرادا كثيرين يحصلون على نسخ كثيرة من الدستور، وليس نسخة واحدة كما هو مفترض، معتبرا أن الدولة أخطأت عندما اعتمدت على تلك العشوائية.