خلال العام الأخير قابلت الدكتور كمال الجنزورى رئيس مجلس الوزراء الأسبق أكثر من عشر مرات. اللقاءات معظمها كانت انسانية وليست بين صحفى ومسئول، بل استماع إلى رؤى وأفكار وآراء رجل يعرف مصر كلها ومشاكلها عن ظهر قلب، يحبها ويخاف عليها ويقدمها على كل ما عداها حتى لو كانت أسرته الصغيرة. ذات مرة منذ سنوات طويلة تعطل «الباص» الذى يقل ابنته من المدرسة إلى البيت، ترك العمل وهو شىء نادر فى حياته واتجه للمدرسة، وعندما وصل لم يكن يعرف مكان ابنته وفى أى فصل دراسى هى، والسبب أنه كان منهمكا فى عمله بصورة كاملة. مبارك لم يكن يحب الجنزورى كثيرا لأن الأخير لم يكن ضمن شلة او ممن يجيدون النفاق لكن مبارك وهذا يحسب له تمسك به لانه كان يعرف انه الأفضل وهكذا استمر من بداية عهد مبارك حتى عام 1999 عندما بدأت ارهاصات التوريث. المجلس العسكرى الأول استعان بالجنزورى لمحاولة إخراج الاقتصاد من عثرته، ثم جاء الإخوان والرئيس السابق محمد مرسى وأبعدوه فورا. الطرفان لم يكن بينهما ود كبير، ورغم ذلك ظل الجنزورى يقدم كل ما لديه من أفكار وحلول إحساسا منه بأنه يخدم وطنه. عصر الثلاثاء الماضى احتفلت دار الشروق بحفل توقيع مذكرات الجنزورى التى تقع فى جزءين. حضرت مئات حفلات التوقيع، لكن لم أر مثل هذا الحشد من الشخصيات رفيعة المستوى من كل الاتجاهات. كان هناك محمد حسنين هيكل أو «أستاذ الأساتذة» كما وصفه الجنزورى، وعمرو موسى الذى تلقى تهانى متنوعة بإنجاز الدستور ونبيل العربى وعبدالعزيز حجازى وأحمد بهجت وجميل مطر وصلاح منتصر وعبدالله السناوى وياسر رزق وأحمد المسلمانى ومصطفى الفقى ومكرم محمد احمد وسعد هجرس ومصطفى بكرى وفريدة الشوباشى ومصطفى حسين وعادل حمودة وصلاح دياب والشيخ على جمعة وحسن حمدى واكثر من 30 وزيرا منهم درية شرف الدين ومحمد صابر عرب وعادل لبيب وطاهر ابوزيد وأسامة هيكل وحسن يونس وعبدالهادى قنديل وطلعت حماد وعوض تاج الدين وعشرات الصحفيين والشخصيات العامة. الذى كان لافتا للنظر وجود ثلاثة وزراء داخلية سابقين هم اللواءات محمود وجدى ومحمد إبراهيم «الأول» وأحمد جمال الدين. وبعد ان قدم المهندس إبراهيم المعلم الحفل أعطى الكلمة للدكتور الجنزورى، الرجل ظل يتحدث بهدوء شديد لكنه انفعل وعلا صوته وهو يطالب بضرورة الخروج من الوادى الضيق والمخنوق والذهاب الحتمى إلى الواحات وسيناء، وحرص الرجل على وضع خريطة كبيرة لمصر، تحدث عبرها عن مشروعاته الكبرى وسياساته خلال فترة توليه المسئولية وضرورة التفكير بصورة جادة خصوصا ان هناك 21 مليون شخص فى القاهرة الكبرى ومحيطها نصفهم نتعامل معهم كل يوم ولا ندرى عنهم شيئا. تحدث الجنزورى طويلا عن الواقع بالأرقام التى يحفظها عن ظهر قلب مطالبا بالبحث عن حلول عملية حتى لا يأتى وقت «نأكل بعضنا» بفعل الزيادة السكانية الرهيبة. تحية إلى كمال الجنزورى الذى تعرض لحملات تشويه كثيرة منذ خروجه من رئاسة الوزراء عام 1999، وظل صامتا لكن الشعب والناس الغلابة والواقع أنصفه وأعاد إليه بعضا من حقه. مذكرات الجنزورى تستحق ان تقرأ بعناية خصوصا من الشباب، لانها مثال عملى على حب مصر بالعمل وليس بالشعارات.