17 شهرًا فقط قضاها الشيخ يوسف القرضاوي بين جدران هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف كأحد أعضائها، لتعكس «العلاقة المضطربة» للشيخ ابن ال87 عامًا، بمؤسسة الأزهر الشريف، وتحديدًا مع إعلانه استقالته من الهيئة التي اختير عضوًا بها في 17 يوليو 2012، احتجاجًا على موقف شيخ الأزهر من تطورات الأحداث بمصر. ومن شواهد هذه العلاقة، أنه برغم تخرج الشيخ القرضاوي في جامعة الأزهر عام 1953، إلا أنه لم يتمكن من إلقاء خطبة الجمعة ب«الجامع الأزهر»، ألا بعد 59 عامًا، وتحديدًا في يوم الجمعة 16 نوفمبر 2012. ومن الأمور التي لا تقبل الشك، أن علاقة «القرضاوي» الحامل للجنسية القطرية بالأزهر، توترت كثيرًا بسبب عضويته في جماعة الإخوان المسلمين، بل وتعرض للسجن عدة مرات بسببها، فدخل السجن أول مرة عام 1949 في العهد الملكي، ثم ثلاث مرات في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، آخرها سنة 1963. سافر القرضاوي إلى قطر وعمل فيها مديرًا للمعهد الديني الثانوي، وبعد استقراره هناك حصل القرضاوي على الجنسية القطرية، وفي سنة 1977 تولى تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميدًا لها إلى نهاية 1990، كما أصبح مديرًا لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر، ولايزال قائمًا بإدارته إلى يومنا هذا. «الفساد تفشى في مختلف المؤسسات المصرية، وفي مقدمتها الأزهر» كانت هذه الكلمات أبرز وأعنف انتقاد وجهه الشيخ القرضاوي لأكبر المؤسسات الإسلامية السنية في العالم. محطات في حياة القرضاوي والأزهر «فتاوى طنطاوي» وعلى مدار سنوات طويلة، وجه «القرضاوي» انتقادات لاذعة لعدد من شيوخ الأزهر، أبرزها هجومه على الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، بسبب فتوى الأخير «لا يجوز قتل المدنيين في أي بلد أو دولة.. حتى ولو في (إسرائيل)»، وكذلك حديثه عن أحقية فرنسا في حظر الحجاب على أراضيها. لكن وبعد وفاة «الشيخ طنطاوي» عام 2010، رثاه القرضاوي، قائلا: «كان الشيخ طنطاوي دمث الخلق، لطيف المعشر، ولكنه ابن الصعيد حقًّا، لا يحسن التجمُّل ولا التكلُّف، بل يتعامل على السجيَّة، فهو طيب القلب، يألف ويؤلف، ما لم يستفزَّه أحد بالحقِّ أو بالباطل، فيثور ويخرج عن طوره». «علاقته بالطيب» اختلفت علاقة الشيخ القرضاوي بشيخ الأزهر أحمد الطيب، مع تطور التغيرات السياسية التي شهدتها مصر، فقبل تعيينه عضوًا بهيئة كبار علماء الأزهر «يوليو 2012»، كان هجومه لا يتوقف على «الطيب»، ولكن تغير الحال خلال 5 أشهر فقط، عندما استقبله شيخ الأزهر بالمشيخة «ديسمبر الماضي». آنذاك خرج «الشيخ يوسف»، قائلا: «جئت لأشد من أزر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب.. الأزهر الشريف يشهد حاليًّا أكبر عملية تطوير وإصلاح على مدار تاريخه.. أشكر الطيب على الدور الكبير الذي يقومُ به على المستوى المحلي والدولي، ورعايته للمصالحة الوطنية لكافة أطياف المجتمع». ولم تمر 6 أشهر حتى عاد «هجومه المعتاد على شيوخ الأزهر»، فبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو الماضي، وتأييد الدكتور أحمد الطيب لخارطة الطريق، هاجمه «القرضاوي»، قائلا: «لقد كنتُ أظنهم قد غرروا بك، فعلمتُ بقولك أنك ممن أوحى لهم.. وكنت أحسبك متورطا، فعلمت أنك متآمر.. وكنت أخالُك خائفا، فعلمت أنك مشارك.. تكيد لهذه الأمة وتمكر بها، وتتخذ من عمامة الأزهر غطاء لمآربك، وتمويها على المصريين». «رسالته للمفتي السابق» نال الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، نصيبه من هجوم الشيخ القرضاوي أيضا، بسبب تأييد «جمعة»، لعزل مرسي، فوصفه أولا ب«الجنرال جمعة»، ثم وجه له رسالته الشهيرة: «أنسيت أن الشرعية مع أنصار الرئيس مرسي، الذين يدافعون عنها، ويذودون عن حياضها، ويتمسكون بها، إنهم لا يغتصبون شرعية، وإنما اغتصبتموها أنتم منهم، بتهديد السلاح، وفوهات المدافع، بآلة البطش، وسلاح القمع، الذي تدافع عنه، فإذا بك تصورهم بأنهم يريدون اغتصاب السلطة منكم، مع أنكم المغتصبون لها، المعتدون على أصحابها». وأمام هجومه الذي يتوقف، انهالت البلاغات من كل «صوب» تطالب بإسقاط الجنسية عن «القرضاوي» المولود بمحافظة الغربية، لإهانته قوات الجيش والأزهر الشريف. «قالوا عنه» ما بين ترحيب وهجوم، اختلفت رؤى علماء الأزهر الشريف للشيخ القرضاوي، فبعد اختياره عضوًا بهيئة علماء الأزهر، قالوا عنه.. الدكتور محمد الراوي: «الشيخ القرضاوي عاش حياته مجاهدا لخدمة دينه وابتلى في ذلك كثيرا، واختياره من قبل الأزهر جاء موفقا تماما، انضمامه إضافة مهمة لمبدأ الحوار الذي ترعاه المؤسسة الإسلامية الأكبر في العالم الإسلامي، فالرجل لا يتأخر عن حوار يدعى إليه، ومرجعه دوما الكتاب والسنة». الدكتور محمد رأفت عثمان: «القرضاوي عالم من علماء العصر الذين لهم باع طويل في البحث العلمي والفقهي على وجه الخصوص، وانضمام الشيخ القرضاوي للمجمع تأخر كثيرا كونه من الشخصيات المرموقة التي كانت تستحق العضوية منذ وقت طويل». بعد «عزل مرسي»، وهجومه على شيخ الأزهر، انقلب الحال سريعًا، وتعرض القرضاوي لانتقادات لاذعة، حيث قال الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر: «القرضاوي مشوش الذهن بدليل أنه كفر سيد قطب، واتهمه بالإلحاد ظنا بذلك أنه يتودد للسلطة، أواخر أيام عبد الناصر وإبان حكم السادات، وعندما وثب الإخوان المسلمين على السلطة، على ثورة الشباب في 25 يناير لهث إليهم، وأراد أن يدخل مصر على طريقة الخوميني دخول الفاتحين». ومع استقالة القرضاوي من هيئة كبار العلماء اليوم، علق الدكتور عبد الله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، عليها قائلا: «لا توجد قيمة للاستقالة، فهو شخص مهمل بين العلماء.. المصريون يكرهونه، والأزهر يكرهه، ولا قيمة لهذه الأفعال البهلوانية، ولا تعنينا استقالة القرضاوي ولا نحب أن نرى وجهه في مصر أو في الأزهر». وأضاف النجار: «رجل يحب الاستعراض، ويريد أن تجري الناس خلفه فهو يستمتع بذلك، واستقالته جاءت استباقا لاستبعاده من هيئة كبار العلماء المسلمين ليس أكثر.. القرضاوي تتردد وطنيته بين مصر وقطر».