مفاجأة كبيرة قدمها المخرج السوري حاتم علي، وفريق مسلسل "عمر بن الخطاب" للمشاهدين بتحويلهم العمل لفيلم مدته 4 ساعات، تم عرضه على قنوات «MBC». في حوار ل«بوابة الشروق» يتحدث "علي" عن المنافسة بين المدارس الدرامية العربية، وازدواجية الرقابة العربية تجاه الأعمال الأجنبية وخصوصًا التركية، كما يشرح "علي" المخاطر التي تواجه صناع الأعمال التاريخية، ليفتح الحوار "بوابة" إلى كواليس التجربة، والصعوبات التي واجهت "علي" خلال المشروع : • قرار تحويل المسلسل لفيلم هو نوع من المخاطرة وخصوصا مع اختلاف طريقتي السرد في السينما والدراما؟ - أنا معك أنها مخاطرة والفيلم لم يكن تلخيصًا للمسلسل بل قمنا بإعادة مونتاجه. • لكن إيقاع السينما بالتأكيد يختلف عن إيقاع الدراما؟ - أتفق معك تمامًا في هذا، فالطبيعة مختلفة بين المسلسل والفيلم، فالمقاربة في الصورة أصبحت أسهل، لكن يبقى شرط البناء الدرامي والإيقاع، وبالنسبة لمسلسلنا فنحن صورناه بكاميرا "ريد"، واستخدمنا تقنيات حديثة في المسلسل وهو ما سهل تحويل الصورة لشريط سينمائي، وهناك بعض المشاهد التي لم يتم عرضها بالمسلسل، والتي صورناها خصيصًا من أجل بنية الفيلم نفسه، إضافة لإعادة المونتاج نفسه، وضبط الإيقاع مع التركيز أكثر على شخصية "عمر بن الخطاب" نفسها. • ولكن لماذا التفكير في تحويل "مسلسل" إلى فيلم من الأساس، طالما يوجد العمل نفسه ويمكن إعادة عرضه؟ - لأنه من الصعب متابعة 30 حلقة، خصوصًا في "المناسبات المحددة" سواء في الأعياد أو بعض المناسبات الدينية، فأنت تحتاج لصيغة عرض مكثفة، ومن هنا جاءت فكرة الفيلم. • ولماذا لم تعرضوه سينمائيًّا أولا قبل عرضه تليفزيونيًّا؟ فربما كنتم ستطلقون نوعية جديدة من السينما في حالة نجاحه؟ - هذه هي المرة الأولى التي يتم تقديم شخصيات لها قدسية خاصة لدى المسلمين دراميًّا، وهو أمر تلقى دعمًا من المؤسسات الدينية والمجتمع المدني، لتمرير خطوة مثل هذه، والتي اعتبرها من أهم الخطوات التي استطعنا تحقيقها مؤخرًا، ومن هنا كان من الصعب عرضها سينمائيًّا، لوجود مخاطرة كبيرة لأن دور العرض لم تكن مهيأة لذلك. لذا كان واجبًا عرضها عبر محطة «MBC»، ولو كان إنتاجه من خلال شركة خاصة فلم نكن لنستطيع عرضه من الأصل، وهو ما ساعدنا على تحقيق المشروع، وهذه الشركة لم تكن تملك دور عرض، ولذا لم نكن نستطيع تمريره عبر دور العرض، وهناك "سابقة" وحيدة في العالم الإسلامي من قبل، وهي فيلم "الرسالة" الذي اكتفى بإظهار "حمزة" فقط، وتم منع عرضه في دور العرض ومحطات التليفزيون لمدة 20 عامًا، وقبل ذلك حاول الأتراك صناعة فيلم سينمائي عن شخصية عُمر، وتم عرضه في دار عرض بالأردن، ولم يستكمل عرضه نتيجة لمهاجمة السينما وحرقها في حفلة افتتاحه. • لماذا هذا "التراجع الثقافي" فهناك فيلم لحسين صدقي باسم "خالد بن الوليد" عن حياته، وظهر فيه عدد من "الصحابة" فكيف نصل لهذا بعدها بأكثر من 60 عامًا؟ - أنا دومًا أقول إن صناع الأفلام الآن لم يعودوا في مواجهة "الرقابات الرسمية"، بل أصبحوا يواجهون رقابة جديدة، هي "رقابة المجتمع" التي ظهرت في العشر سنوات الأخيرة، وهي أشد خطورة من الرقابات الحكومية، ونحن الآن نحارب جبهتين؛ الرقابة الاجتماعية والحكومية، وما بينهما ضاق "الهامش" المتاح أمامنا كصناع للسينما، وهذا يشمل كل ما يتعلق بالمواضيع السياسية أو الاجتماعية، وهذه المجابهة ستبقى مستمرة مستقبلا. فتاريخ الفن الحقيقي في النهاية سيأتي مؤشرًا على نتيجة هذا الصراع الذي نتحدث عنه، وأنا هنا أتحدث عن الإبداع المشتق من كلمة «بدعة»، بمعنى أن تأتي بشيء جديد، ولكن المنظور الشعبي ينظر بعين الريبة ل"الإبداع"؛ لأنه خارج عن المألوف والقوانين الاجتماعية والسياسية، ومن الطبيعي أن تتم محاربة هذا الإبداع منذ المسرح الإغريقي. • ولكن لماذا هذا التراجع سواء على مجال الجرأة في الرواية أو السينما، فلو كتب يوسف السباعي روايته "نائب عزرائيل" اليوم لتم "رجمه"، ولو قدمنا فيلم "السقا مات" وهو يحوي مشهد حديث "عزت العلايلي" ل"الموت" لتم منعه من العرض؟ - لأننا في الحقيقة نواجه المجتمع، الذي مال في سنواته الأخيرة ل"التشدد" والتضييق على النشاط الفكري والثقافي والفني، وهذا باعتقادي يمكن التأكد منه بسهولة لو قارنت ما بين جيل وجيل آخر. وذلك يقودنا حقيقية للحديث عن أسئلة تم طرحها قديمًا فيما كان يسمى ب"عصر النهضة العربية"، فهذا العصر قدم لنا قامات كثيرة في الفكر، والفلسفة، والسينما، والرواية، والأدب، ولكن يبدو أننا لم نستطع إجابة تساؤلاته الآن. وهذا له أسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها، لكن من المؤكد أن جميع الأطروحات الفكرية منذ بداية القرن الماضي وصلت لطريق مسدود، بدءًا بالمشروع "القومي" و"اليساري الماركسي" ووصولا حتى للمشروع "الديني"، وهو ما خلق حالة من الفوضى وعدم اليقين لدى النخب المثقفة، ووصلنا لما يمكن تسميته ب"عصر الانحطاط" نعيش الآن أيامه، وهو ما يطرح أسئلة كثيرة عما حدث لنا؟ أم أننا منظومة تنحدر من جيل لجيل، لنصل ل"عصر الانحدار" هذا. • ربما لأننا أصبحنا نقدم الأفلام "كما يرانا الغرب" وليس كواقعنا الحالي؟ - لا اعتقد أن سبب تدهور مشروعنا هو الانبهار بالغرب، وأعتقد أن ما حدث هو حالة "إفلاس" لكل المشاريع التي ظهرت منذ الاستقلال، وخصوصًا مع سيطرة "الديكتاتوريات" على مقاليد الحكم في الوطن العربي، وكل هذا دون إيجاد "مشروع بديل"، أدى لفقدان الأمل، وظهور "قوى ظلامية" ضيقت على الحريات الفردية التي هي أساس أية نهضة. • أنت واحد من "اللاعبين الأساسيين" في صناعة الدراما العربية، منتجًا ومخرجًا، تُرى كيف نخرج من المأزق الحالي؟ - الإنتاج جزء من منظومة أكبر، ولا يمكن البحث عن حلول لخروج الفن العربي من "أزمته" دون البحث عن حلول اجتماعية واقتصادية وسياسية لأزمات العالم العربي، وبكل أسف هذه الحلول ليست بيدنا، والحلول يجب أن تكون في البحث عن مشروع عربي سياسي ينتشل الشعوب العربية من حالة "الانحطاط" التي نعيشها" لنصل ل"صحوة" جديدة لها. • هل انشغال صناع الدراما العربية بالمنافسة الداخلية بينهم، هو ما أدى ل"سيطرة" الدراما التركية؟ - هذا التساؤل مشروع، ولو شاهدت أي "تيتر" لفيلم أمريكي، ستكتشف أن صانعيه ينتمون لدول عالمية مختلفة، وهذا جزء من قوة السينما الأمريكية في استقطاب خبرات غير أمريكية، وفتح أسواق عالمية لها. وهذا ما لم ننتبه له حتى اللحظة، بالرغم من كوننا نتحدث لغة واحدة، فرغم عدم وجود لم يعد "مُشاهد محلي" بل الآن يوجد "مُشاهد عربي"، ولكن للأسف فالتكامل (العربي – العربي) ليس على مستواه المطلوب، ونحن نحتاج للتعاون . أما الدراما التركية فتعرض عالميًّا في أوروبا وأمريكا، وأسباب نجاحها عربيًّا، إنها تقدم مجتمعًا مدنيًّا متطورًا، تحول ل"الفردوس المفقود" بالنسبة للمشاهد العربي، والنساء الجميلات وكل هذا، افتقده المشاهد العربي في ظل "تشدد" الرقابات العربية التي تتساهل مع المسلسل التركي وتجيز له ما تمنعه عن المسلسل العربي، إضافة ل"تواطؤ" المشاهد العربي الناتج من "ازدواجيته" التي أصبحت جزءًا من تكويننا الثقافي والنفسي، فنحن نتقبل أفكارًا في المسلسلات التركية، ولا نقبلها في المسلسلات العربية. • لماذا تأخرت مشاركتك في أعمال مصرية كمخرج، حتى شهر رمضان الماضي في عمل "تحت الأرض"؟ - كان لدي مشروع فيلم "محمد علي" وتم تأجيله ليتحول لمسلسل حتى توقف المشروع. وكان لدي مشروع مع بشير الديك، ولكنه تعثر إنتاجيًّا، ثم اتصل بي المنتج الفني إيهاب أيوب فقبلت العمل. • ألا ترى أن قبولك المشاركة في المسلسل "مغامرة"؟ - لقد أعجبني السيناريو إلى حد ما، وبناء على تاريخ منتجته دينا كريم، كنت واثقًا من توافر العناصر والممثلين، وبالفعل في معظمهم كانوا متواجدين، والوقت كان قصير جدًّا، لكوني التحقت به متأخرًا مما تطلب مني بذل جهد أكبر. • هناك مقارنة بين فيلمي "عمر" و"الرسالة" كيف تراها؟ - المقارنة غير مقبولة، ف"الرسالة" فيلم و"عمر" مسلسل حولناه لفيلم، والرسالة صور في 120 ساعة ومدته ساعتين، وهو الوقت نفسه للمسلسل الذي مدته 30 ساعة، ولا تجوز مقارنة الفيلم بالمسلسل، فستكون النتيجة ظالمة، والرسالة إنتاجًا أمريكيا هوليوديًّا. كما أن مصطفى العقاد مخرج "عملاق" وكبير جدًّا، وقدم إنجازات للسينما العربية في فيلميه "الرسالة" و"عمر المختار"، وأنا لست سوى "تلميذ" في مدرسة هذا المخرج العملاق.