قال «إتش إيه هيلر»، الخبير بمركز بروكنجز الأمريكي: إن أولئك الرافضين لثنائية «الجيش أو الإخوان المسلمين» يعدون قلة قليلة مهمشة في أفضل الأحوال، ومهددة في أحيان أخرى. وهي في ذلك تتحدى «أساطير» تنتشر على نطاق واسع في الإعلام المصري التي على ما يبدو اختفى منها المعايير المهنية إلى حد لوم الإخوان على سوء الأحوال الجوية. ويقول هيلر في المقال الذي نشره موقع huffington post الأمريكي: إن هذه الأصوات الإعلامية النادرة تتحدى أيضًا الافتراضات السائدة والمترسخة في «خطابنا» الغربي، موضحًا أن من يريد فهم مصر بشكل أكثر شمولية ينبغي أن يأخذ بعض العظة منهم. واستعرض هيلرما أطلق عليه «خمسة أساطير» عن مصر تسود عن مصر: الأسطورة الأولى: الأزمة السياسية في مصر هي أزمة بين أغلبية من الإسلاميين/المسلمين من جهة وقلة علمانية مدعومة من قوات الجيش من جهة أخرى: وللرد على ذلك يقول قال هيلر: إن أغلبية المصريين الذين عارضوا حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي كانوا مسلمين، وأغلبية المصريين قاموا بالتصويت في الجولة الأولى من الانتخابات الرئيسية لمرشحين لا ينتمون للتيار الإسلامي. وتظهر استطلاعات الرأي العام هبوطًا مستمرًّا في دعم الإخوان، وارتفاعًا مستمرًّا في تأييد الجيش. ونظرًا للثقة المهزوزة في العملية الانتخابية (وجزء منها نتيجة لفترة حكم محمد مرسي)، فمن المؤسف أن معظم المصريين وضعوا ثقتهم بالفعل في الجيش، وقد يندمون على ذلك في المستقبل، ولن يكون ذلك لصالح الإخوان. الأسطورة الثانية: الدولة والإخوان مسؤولان بالتساوي عن مشاكل مصر، أو ينبغي إلقاء كل اللوم على طرف واحد فقط: يقول هيلر: إنه يقع على عاتق أي دولة الحفاظ على النظام العام وحماية المواطنين، ولا يمكن المساواة بين مسؤوليتها ومسؤولية أي قوة ليست في الحكم. وانتقاد أداء الدولة ليس فقط أمرًا سليمًا ولكنه ضروري؛ لأن فشل الدولة ومؤسساتها أكثر كارثية من فشل أي قوى سياسية أخرى، من ثم هناك حاجة سريعة إلى بدء تحقيق نزيه ومستقل لتحديد مدى مسؤولية السلطة التنفيذية في جميع القضايا منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك وحتى الآن، بالإضافة إلى إعادة هيكلة قطاع الأمن. إذا لم يحدث ذلك، سوف تستمر الخلافات السياسية في التحريض على العنف، وسيستمر النظر إلى أي محاكمات لمرسي أو قادة الإخوان على أنها محاكمات سياسية بدلا من تنفيذ سيادة القانون على السلطة التنفيذية. وعلى الجانب الآخر، فإن أخطاء الإخوان حاليًّا لا تتساوى مع أخطاء الدولة. فهم لم يعودوا في السلطة. الأسطورة الثالثة عنف الدولة مبرر ويجب ألا يكون موضع تساؤل، وفي المقابل، فإن معسكر مؤيدي الإخوان غير مسؤول عن أي عنف عندما تخون الدولة ثقة مواطنيها، كما فعلت في السنوات الثلاثة الماضية من خلال استخدام مفرط للقوة وخاصة أثناء فض اعتصامات مؤيدي مرسي، فإن هذه الخيانة مختلفة عن خيانة أي قوة خارج الحكم. في الوقت ذاته، تشير الأدلة إلى شن مؤيدي مرسي هجمات على الكنائس ومؤسسات الدولة والمواطنين. ونفي ذلك أو اتهام الدولة بارتكاب هذه الجرائم هو من قبيل الوهم؛ لأنه يتجاهل المسؤولية الأخلاقية والسياسية لمؤيدي العزول. هذا لا يعني أن جماعة الإخوان في حد ذاتها هي المسؤولية عن هذه الجرائم. الأسطورة الرابعة الإخوان المسلمين إما جماعة إرهابية أو جماعة «بطولية» تناضل من أجل الديمقراطية: إذا كانت الجماعة إرهابية، فهذا يعني أن مصر تواجه حربًا أهلية تهون أمامها الحرب الأهلية في أفغانستان والجزائر، والواقع أن من 12 إلى 15% من الشعب يؤيد الإخوان. هذا العدد يشكل أقلية، ولكنها أقلية تصل إلى ما يعادل 10 مليون مصري إذا ما انتهجوا طريق الإرهاب لكانت في أبسط صورها مشكلة عويصة. ترفض «جماعة الإخوان» استخدام العنف كأداة سياسية، ولكن العديد من منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية أكدت استخدامها للعنف، عن طريق تحريكها لعنف جماعات أخرى، وحتى وإن كانت الجماعة لا تتحمل مسؤولية هذه الهجمات فهي تضعها على الأقل في مأزق أخلاقي. وإذا لم تكن الجماعة جماعة إرهابية فإن ذلك لا يعني أنها مجرد حزب سياسي محافظ. الأسطورة الخامسة مصر تشن حربًا على الإرهاب وهو مما يتطلب إصدار قوانين جديدة تتجاهل حقوق الإنسان إن خطاب «الحرب على الإرهاب» يسبب المزيد من المشاكل بدلا من إيجاد حلول لها، كما رأيناه في الولاياتالمتحدة بعد الحادي عشر من سبتمبر، وفي بريطانيا بعد تفجيرات لندن. إن التصدي للإرهاب لا يعني منح الإرهابيين النصر الذي يسعون إليه، وهو عدم «هذه المجتمعات» والتزامها بالحقوق الأساسية. هناك عنف سياسي في مصر ينبغي التعامل معه بجدية، ولكن الزعم بأنه حرب على الإرهاب يعطي للدولة إمكانية التنصل من الحقوق دون أي مساءلة. كما أن مقولة الحرب على الإرهاب تغذي «خطاب الضحية» والذي يساعد على تجنيد المزيد من الإرهابيين. إن مصر تستحق أفضل من كل هذا، وهي تستحق أيضًا ما هو أفضل من جماعة الإخوان التي تقدم خارطة طريق بديلة لا تخدم إلا مصلحتها الضيقة دون إصلاح حقيقي للدولة. ينبغي أن يكون هناك طريق آخر، لا يجبر المصريين على الاختيار ما بين خطاب عسكري مفرط في القومية عن «الحرب على الإرهاب»، وبين نظام «إسلامي» قمعي. وللوصول إلى ذلك لا بديل عن الاستماع إلى هذه الفئة «المستقلة»، التي تنشد دولة تعددية في نهاية هذه المرحلة «الانتقالية».