النقل النهرى فى القاهرة يمثل أملًا فى حل أزمة المرور ونقل الركاب فى العاصمة المزدحمة. سامية صفان تكتب عن الوضع الحالى لهذا المرفق وخطة التطوير التى تبدأ قريبًا «على الرغم من طول مدة شغلى فى النيل، فإننى لا أستمتع بجماله، أصل القلب مليان هموم». من وراء نظارته الداكنة ذات العدسة المكسورة ينظر عم على إلى النيل، صديقه منذ 23 سنة. كان يبحث عن عمل، وساعده «نسيبه» الذى كان يعمل محصلًا على إحدى أتوبيسات النقل العام. «إن فاتك الميرى»، هكذا قال لنفسه وهو يتسلم عمله، الذى يبدأ من السابعة صباحًا حتى الخامسة مساء». «القدس»، الأتوبيس النهرى الذى كان يقوده، سبقه إلى الخدمة بعدة سنوات، أى عام 1981، مع 12 وحدة أخرى هى جميع وحدات الأتوبيس النهرى العاملة الآن. ومنذ ذلك الوقت لم تعرف «القدس» من الاهتمام إلا الصيانة السنوية وبعض الطلاء الجديد. يعلو صوت الموتور القديم عندما تبدأ فى الإبحار، فيهرب منه الركاب إلى المقاعد الخلفية. «طول مدة عملى ما شفتش أى تجديد»، يضيف عم على وهو يبتسم: «التغير الحقيقى حصل فى أسعار التذاكر اللى زادت من 50 قرشًا لجنيه الصيف اللى فات». على متن كل أتوبيس نهرى سائق وثلاثة بحارة البحار وظيفته إنقاذ الركاب من الغرق إذا حدث ما يستدعى ذلك. يصعد عم أحمد البحار الذى ناهز الستين من عمره، فوق سطح المركب ويفك العوامات وقارب الإنقاذ المربوط بإحكام فوق السطح. «ربنا سترها ما فيش حاجة قبل كده حصلت، هى مرة واحدة، واحد بحار زميلى وقع وما بيعرفش يعوم، فرميت له الطوق». عم أحمد البحار يعمل أيضا بائعًا للمشروبات والحلويات على سطح الأتوبيس. «باخدها من كانتين المرسى وأبيعها وآخد نسبة من المكسب. أمال، أصل الأسعار هنا سياحية، وكده باسلى وقتى واسترزق». يقترب بعض الزبائن من الحلوى والمشروبات. إنها عائلة وفيق الذى جاء من بنها زائرا لكنائس مصر القديمة ومتاحفها القبطية. «تعالوا هنا جنب الشباك علشان نشوف البحر». يقول وفيق الذى ركن سيارته أمام ساحل روض الفرج، واستقل الأتوبيس النهرى. «وأنا صغير والدى فسحنى هنا مرة، فقررت أعيد الذكريات». طوال ثلث ساعة، وهى المدة التى يستغرقها الأتوبيس من التحرير لمرسى الجامعة، يحكى لابنه جون عن التغير العمرانى على ضفتى النيل. «النافورة دى كانت شغالة زمان، شكلها كان جميل وميتها كانت ملونة». تلمع فى عينى الصغير اللهفة ويسأل: هى لية بطلت انا نفسى أشوفها؟. ولم يجد وفيق ردًّا يقنع الصغير. لكن الصدمة الحقيقية تحدث فى مرسى الجامعة، عندما يطلب طاقم الأتوبيس من الجميع المغادرة، لأن خط مصر القديمة معطل. تهبط العائلة بحثا عن أقرب محطة مترو، وينشغل وفيق فى مساعدة جون على الخروج من الباب الصعب. باب الأتوبيس النهرى لا يتعدى نصف متر، والسلم الخشبى قائم الزاوية، يحتاج إلى مجهود خصوصًا مع وجود فجوة بين باب المركبة والمرسى. سامح وأسماء من عاشقى النيل. «إحنا من فيصل، والمواصلات صعبة جدًّا. اتعرفت على الأتوبيس النهرى لما عرفت أسماء، كنا ماشيين بالصدفة على الكورنيش، فشفنا الأتوبيس، لقينا سعره أرخص من مراكب النزهة اللى بتاخد ثلاثة جنية فى ربع ساعة. وأحسن ما نقعد فى كافتيريا». تكمل أسماء أن «الجو هنا كمان رومانسى إلى حد ما، بعد ما نعمل نفسنا مش شايفين الزبالة اللى فى المية، ومش سامعين صوت الموتور». يتناول سامح منديلا ليمسح قطرات المياه التى تناثرت على وجهه من زجاج الأتوبيس الأمامى المكسور. «لما بنكون زعلانين نيجى هنا بس المشكلة أن أسماء ما بترضاش عنى إلا لما أدفع كل اللى فى جيبى تذاكر رايح جاى». فى النهاية لا يصلح الأتوبيس النهرى وسيلة مواصلات بالنسبة لسامح، «أنا باشتغل فى مصر الجديدة، اركبه إزاى؟ وبعدين بطىء ومالوش مواعيد، الأتوبيس البرى على بهدلته أسرع وأحسن، إنما النهرى فسحة وبس». تطوير الأتوبيس النهرى يبدأ بمناقصة بعد شهرين جميع الوحدات النهرية تجاوزت أعمارها الافتراضية ووصلت إلى حالة متهالكة للغاية، ولم يتم لها أى تجديد، بل بعض عمليات الصيانة». م. صلاح فرج، رئيس هيئة النقل العام يقول إن بعض الوحدات تم تعديلها لتصبح نصف مكشوفة، مع تقليل الحمولة من 120 إلى 50 راكبًا نظرًا لتهالكها، وما يعمل منها الآن 12 وحدة أتوبيس نهرى فقط من أصل 30 وحدة موديل 1981، بالإضافة إلى 5 وحدات سياحية مكيفة، تعمل فقط على خط التحرير القناطر. وتستعد الهيئة لإطلاق خطة تطوير النقل النهرى عبر مناقصة، يعلن عنها بعد شهرين، يشارك فها المستثمرون بطريقة بى أو تى، للعمل على مرحلتين، تستهدف الأولى إدخال 30 وحدة نهرية متطورة وخمس وحدات سياحية مكيفة، فى المسافة بين القناطر ومصر القديمة، ويبلغ طولها 27 كيلو مترًا. أما المرحلة الثانية فتسعى لإدخال خدمة النقل النهرى إلى مناطق جديدة عبر إنشاء 15 مرسى وصولا إلى مدينة حلوان. «المراكب الجديدة تصل سرعتها إلى 25 كيلو مترًا فى الساعة، وتقطع المسافة بين مصر القديمة وشبرا فى ساعة، أى نصف الوقت اللازم لعبور الشوارع المزدحمة بين المنطقتين»، كما يقول رئيس الهيئة، مشيرا إلى أن الهدف النهائى للخطة هو «جذب 30% من مستخدمى النقل البرى، لاستخدام النقل النهرى فى الانتقال، وليس للسياحة والترفية فقط». المستهدف أن ينقل النهر 50 ألف راكب فى اليوم المهندسة منى مصطفى، رئيس الإدارة المركزية للحركة بهيئة النقل العام تقول إن عدد مستخدمى الأتوبيس النهرى يبلغ 9 آلاف راكب يوميا، «وهى نسبة لا تقارن بالمترو الذى ينقل أكثر من 3 ملايين راكب يوميًا». وإنجاز الخطة يعنى المساهمة فى حل أزمة النقل بالقاهرة، لكنه يعنى ما هو أهم، أى إنقاذ مرفق النقل النهرى من الخسائر. «الأتوبيس النهرى بوضعه الحالى يتسبب للهيئة فى خسارة سنوية تتعدى ملايين الجنيهات»، والحديث هنا للمهندس سيد كمال، مدير التخطيط والبحوث الفنية بالهيئة. «ميزة الخطة الجديدة أنها لا تكلف الهيئة أعباء مالية، خصوصًا فى المرحلة الأولى التى يستغل المستثمر فيها أصولنا الموجودة فى حالة جيدة، ولا تحتاج إلا لتعديلات فنية بسيطة. أما فى المرحلة الثانية، فسوف تشترك الهيئة مع القطاع الخاص فى بناء المراسى».