أعلن مكتب الإحصاءات أن معدل الفقر فى أمريكا سجل استقرارا فيما بين عامى 2011 و2012 عند مستوى 15%. ووفقا للمعيار الرسمى، ارتفع معدل الفقر الآن عنه فى 1973، عندما وصل إلى مستوى قياسى فى الانخفاض بلغ 11.1 %. وبالنسبة للكثيرين، تشير هذه الحقيقة المفزعة إلى أن دافعى الضرائب خسروا إلى حد كبير المليارات من الدولارات التى يدفعونها سنويا لمكافحة الفقر. وكما قال النائب بول دال ريان، وهو جمهورى من ولاية ويسكونسن، فى وقت سابق من هذا العام، «لقد أنفقنا 15 تريليون دولار من الحكومة الاتحادية لمكافحة الفقر، وانظروا أين نحن الآن، أعلى معدلات الفقر فى جيل واحد، 15 فى المائة من الامريكيين يعيشون فى فقر». ولكن هذا الموقف غير صحيح لسببين. الأول: ان المقياس الرسمى مضلل فهو لا يقيس سوى الدخل النقدى، ولا يحسب المكاسب التى تقيمها العديد من برامج مساعدة الفقراء. وإذا تم حسابها، سينخفض المعدل لما يقرب من 11%. ولننظر إلى برنامج المعونة الغذائية التكميلية، المعروف باسم كوبونات الغذاء، الذى طرح لأول مرة على الصعيد الوطنى فى الستينيات. ومن السهل حساب الفوائد المباشرة للبرنامج: فالدولار من الاعانات التى ينفقها البرنامج على الغذاء، يوفر للأسر ذات الدخل المنخفض دولارا للإنفاق على الإيجار والمرافق أو غيرها من الاحتياجات. وعندما يتم حساب مكاسب برنامج المعونة الغذائية التكميلية كإيرادات، فإنها ترفع ما يقرب من أربعة ملايين شخص فوق خط الفقر. ولا تقتصر فوائد البرنامج على تخفيض غياب الأمن الغذائى والفقر هذا العام، بل أيضا الحد من الفقر فى الجيل القادم. فقد أثبتت البحوث التى أجريت مؤخرا على الأطفال حتى مرحلة البلوغ، أن الأسر التى حصلت على كوبونات الغذاء تحسنت صحة أطفالهم وأوزانهم عند الولادة. وتمتع الأطفال الذين استفادوا من البرنامج فى وقت لاحق بصحة أفضل، وارتفاع فى مستوى التحصيل العلمى، وانخفاض فى نسبة أمراض القلب، وزيادة الدخل وتقليل الاعتماد على الرعاية الاجتماعية بالنسبة للبالغين. كما تجاهل حساب معدل الفقر الائتمان الضريبى على الدخل المكتسب أيضا. غير أن هذا البرنامج يقدم للأسر العاملة ذات الدخل المنخفض ولديها أطفال حوالى ثلاثة آلاف دولار فى السنة. وعندما يتم حساب هذه المبالغ مستردة الضرائب، فإنها تقلل من عدد من يعيشون فى فقر بنحو 5.5 مليون شخص. يتم حساب استحقاقات الضمان الاجتماعى فى التقدير الرسمى، ولكن تأثيرها فى مكافحة الفقر كبيرة لا يتلقى اهتماما كافيا. ومن دون هذه المكاسب، يكون معدل فقر كبار السن أكثر من 44 فى المائة، بدلا من المعدل الفعلى وهو أقل من 9 فى المائة. وعندما يقول منتقدو شبكة الأمان مرة أخرى أننا خضنا حربا على الفقر، فاز فيها الفقر، علينا أن نذكرهم أنه بدون هذه البرامج وغيرها، يمكن أن يصبح معدل الفقر أعلى. ●●● ولكن المنتقدين يقولون، إذا كان لهذه البرامج مثل هذه التأثيرات الواسعة، فلماذا يظل الفقر مستقرا على هذا النحو المحبط؟ وذلك هو العيب الثانى فى النظام التقليدى. حيث إذا سارت الأمور كما ينبغى، يجب أن تؤدى مثل هذه البرامج سواء كنا نضعها فى الحسبان أو لا نحسبها إلى خفض معدل الفقر الرسمى عبر الأجيال. ولكن الأمور لا تسير كما ينبغى. فعلى الرغم من أن هذه البرامج تساعد الفقراء، لا تزال معدلات الفقر مرتفعة بسبب زيادة التفاوت فى النتائج الاقتصادية بشكل حاد منذ السبعينيات. وقبل أن تزداد فجوة التفاوت فى الدخل، انخفض معدل الفقر بسرعة أكبر مع نمو الناتج المحلى الإجمالى. ولكن فى حين بلغ معدل نمو الاقتصاد ب 2.8 فى المائة فى 2012 وارتفعت حصة أرباح الشركات ضمن الدخل القومى، وأرباح العاملين بدوام كامل، و دخل الأسرة فى الطبقة المتوسطة بينما لا يكاد معدل الفقر يشهد تغيرا. ولا شك أن برامج مكافحة الفقر تقدم مساعدة، غير أن المنتفعين بها لا تتحسن أحوالهم، لأنهم لا يستفيدون كثيرا من ذلك العامل المهم الآخر فى تخفيف الفقر، وهو النمو الاقتصادى. ولا يعنى هذا أن النمو لم يعد ضروريا لتخفيض نسبة الفقر. ولكن فى عصر عدم المساواة الذهبى الذى نعيشه، لا يكفى النمو وحده. ●●● هناك بضعة أمور ربما تشكل فرقا. أولا، من شأن أى مقياس للفقر يتضمن جميع سياسات مكافحة الفقر، أن يظهر أن شبكة الأمان أكثر فاعلية مما يقوله المنتقدون، ومدى الضرر الذى سيسببه أى تخفيض لتلك البرامج. وفى الواقع، أعد مكتب الإحصاء بالفعل مقياسا تكميليا يكشف عن أهمية هذه البرامج للأسر ذات الدخل المنخفض. ولكن عندما يصدر فى الشهر القادم، سوف تلقى اهتماما من صانعى السياسة والصحافة، أقل بكثير مما يلقاه المقياس الرسمى. ثانيا، يجب أن يصل المزيد من فوائد النمو إلى الفقراء، وأفضل طريقة للقيام بذلك هى من خلال مواكبة تدابير مكافحة الفقر مع سياسات قوية لتخفيض معدل البطالة وزيادة الأجور. خلال أواخر التسعينيات، التى شهدت العمالة الكاملة، ارتفعت حتى الأجور المنخفضة مع زيادة الإنتاجية، وانخفاض معدلات الفقر بشكل أكثر حدة عما كانت عليه طوال جيل كامل. وساعدت فى ذلك وقتها زيادة الحد الأدنى للأجور. ويعنى تخفيض الفقر الاعتراف بالنجاحات التى حققتها برامج شبكات الأمان التى لدينا الآن، مع وضع سياسات جديدة يمكن أن توسع من نطاق المكاسب الناتجة عن النمو الاقتصادى. وإذا لم نفعل ذلك، فسوف نظل نشهد معدلات الفقر المرتفعة بشكل غير مقبول، ونتساءل لماذا لا نستطيع أن نفعل أى شىء إزاءها؟.