كتب جديون راتشمان المحلل السياسى مقالا بجريدة الفاينانشيال تايمز جاء فيه: عندما يحلل النقاد نجاح أنجيلا ميركل السياسى فإنهم غالبا ما يلجأون إلى بعض الأفكار المهترئة. فيقال إن المستشارة الألمانية براجماتية تتسم بالحرص، وعالمة تتبع أسلوب التجربة والخطأ، ولها شخصية الأم التى تبعث على الاطمئنان، وسياسية طبيعية تربطها علاقة فطرية بالناخبين. وهذه الأمور جميعها صحيحة. يضاف إلى ذلك أن السيدة ميركل حالمة. ففى وسط أزمة النقد الحالية المرعبة أحيانا، أعادت تعريف علاقة ألمانيا مع الاتحاد الأوروبى على أساس جديد ومستدام. ويقول راتشمان إنه ليس معترفا بالسيدة ميركل باعتبارها حالمة سياسية، من ناحية لأن أسلوبها معتدل جدّا. وهى لا تحاول استعمال خطاب الرئيس أوباما الفخم. وعلاوة على ذلك لدى حراس الشعلة الأوروبية، فى برلين وبروكسل، أفكار محددة جدّا عما ينبغى أن تبدو عليها «الرؤية» الخاصة بأوروبا. والساسة الألمان الذين مُنحوا حق الالتحاق بمجمع الحالمين الأوروبيين غير الرسمى هم رجال مثل يوشكا فيشر، وزير الخارجية السابق، وهيلموت كول، المستشار السابق ومعلم السيدة ميركل فى وقت من الأوقات. وقد قال من هم على شاكلة كول وفيشر إن ألمانيا يمكنها تجاوز قومية الماضى الملتوية فقط باحتضان أوروبا ما بعد القومية الموحدة. تكونت لدى السيدة ميركل رؤية مختلفة للاتحاد الأوروبي، ولمكان ألمانيا داخله، فقد اعترفت المستشارة بوجود شىء مثل المصلحة الوطنية الألمانية وأوضحت أنها تعتزم الدفاع عنها. ورؤيتها المتعمقة الأساسية هى أن حماية مصالح دافعى الضرائب الألمان لا تتعارض مع الكفاح للحفاظ على حياة العملة الأوروبية الموحدة، فهى جزء بالغ الأهمية من المهمة، وإذا ما انقلب الناخبون الألمان على العملة الموحدة فسوف ينهار المشروع كله. ••• يرى راتشمان أنه كان هناك باستمرار احتمال رد فعل ألمانى عنيف أثناء الأزمة. وقد انطوت ميزانيات الإنقاذ من أجل جنوب أوروبا على تعهد ألمانى، بالقروض والضمانات، وهو ما يساوى الميزانية الفيدرالية لعام كامل. كما اضطرت السيدة ميركل إلى إقرار السياسات التى تبدو غير تقليدية من البنك المركزى الأوروبى، فى مقابل معارضة البنك المركزى الألمانى (البوندسبانك) نفسه. ومن أجل إقناع الألمان بإقرار تلك الخطوات، كان من الضرورى أن تظهر المستشارة كإنسانة عاقدة العزم على الدفاع عن دافعى ضرائبها فى كل خطوة على طول الطريق. وقدر من نجاحها هو أن حزب «البديل لألمانيا» المعادى لليورو حصل على 5 بالمائة من إجمالى الأصوات فى انتخابات نهاية الأسبوع وهو رقم هزيل مقابل النسبة ذات العددين التى حازت عليها الأحزاب المشابهة فى فنلندا وهولندا. ••• ويضيف الكاتب، يأمل الحالمون الأوروبيون على الطراز القديم، وقد حققت المستشارة انتصارها الانتخابى الثالث، أنه يمكن الآن تعزيز حلمهم النهائى الخاص بالدولة الأوروبية المتحدة. ويقول اقتصاديون كثيرون إن منطقة اليورو يمكن أن تستقر فى نهاية الأمر فقط إذا غيرت السيدة ميركل المسار وتحركت فى اتجاه الاتحاد المصرفى الحقيقى، وفى النهاية «اتحاد التحويل»، مع وجود ميزانية مركزية أكبر بكثير. ومن المرجح أن تُحبَط الجماعتان. فما فشلتا فى تحقيقه هو أن المقاربة التى اتبعتها السيدة ميركل أثناء أزمة اليورو ليست مجرد وسيلة مؤقتة خاصة بأمر طارئ بل مقاربة لأوروبا تقوم على مبادئ جرى التفكير فيها بإمعان. تحدث إلى مستشارى المستشارة وسوف يتضح أنه ليست لديهم نية الخضوع لخطط شركائهم فى منطقة اليورو الأكثر طموحا (وتكلفة). وقد قوبلت مناقشة نظام الضمان الاجتماعى الأوروبى بعبارة «لا سبيل إلى ذلك» الحادة. وقد رُفضت الإشارات إلى أن الخطط الحالية للاتحاد المصرفى ليس طموحة بما يكفى باعتبارها محاولة جعل ألمانيا تدعم البنوك الفاشلة فى أماكن أخرى من أوروبا. وبالنسبة لفكرة سندات منطقة اليورو، التى يكتتب فيها كل دافعى ضرائب الاتحاد الأوروبى مشتركين، يسخر أحد مستشارى ميركل برفق من الفكرة مشيرا إلى أنه ليس هناك ما يمنع فرنسا وإيطاليا عن البدء، بإصدار السندات معا، وعندما أشرت لدبلوماسى ألمانى آخر رفيع المستوى إلى أن مقاربة ميركل لأوروبا، بتأكيدها على حماية دافعى الضرائب وشكها فى المفوضية الأوروبية، «بريطانية بعض الشىء»، قوبلت بضحكة وردٍّ هو «هل هذا أمر شديد السوء؟» ••• يشير الكاتب إلى أنه فى واقع الأمر لن تكون مقاربة ألمانيا لأوروبا مثل مقاربة بريطانيا لسببين غاية فى الوجاهة: أولا: الألمان داخل اليورو والبريطانيون ليسوا كذلك، وهكذا ينطلق البلدان من موقفين مختلفين. ثانيا: فكرة «الاتحاد السياسى» فى أوروبا لا تزال تثير مشاعر دافئة فى ألمانيا، من الناحية النظرية على الأقل. كل ما فى الأمر هو أن ألمانيا هذه الأيام تميل إلى قراءة التفاصيل الصغيرة أكثر بكثير من الإشارة الكبيرة. امتد مقت السيدة ميركل للإشارة الكبيرة كذلك إلى موقفها من العالم فيما وراء أوروبا. فقد قوبلت المستشار باللوم فى الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة عندما امتنعت ألمانيا فى عام 2011 عن التصويت فى الأممالمتحدة لمصلحة التصريح باستعمال القوة فى ليبيا. لكن فيما يتعلق بسوريا، عكس المجلسان التشريعيان البريطانى والأمريكى حالة الشعور الوطنى بالإنهاك نتيجة الحروب واتخذا موقفا ألمانيّا بعض الشىء تجاه التدخلات العسكرية الأجنبية. ويختتم الكاتب مقاله بقوله: فيما يتعلق بالشرق الأوسط، كما هو الحال بالنسبة لأوروبا، أقامت السيدة ميركل مقاربتها السياسية على احترام حقيقى لغرائز المواطنين العاديين. وكما أظهرت انتخابات نهاية الأسبوع، يبدو أنها مقاربة ناجحة.