يمزح الصديق العزيز عمرو عبدالحميد، بأن بوتين سيظل يضغط على أوباما فى الموضوع السورى، حتى يضطر الرئيس الأمريكى للاعتذار لبشار! عمرو وهو إعلامى متمكن، والواجهة الأكثر احترافا لمحطة «سكاى نيوز عربية»، منحاز لبوتين وتجربته، فقد قضى نصف عمره فى روسيا وكان شاهدا على مشروع بوتين الذى حول بلدا من مريض فى الإنعاش، إلى دولة قوية وقادرة، تعرف حدود مصالحها، ولديها إرادة الدفاع عن هذه المصالح. الدولة الروسية اجتازت أغلب الاختبارات بذكاء وهى تمسك طرفى معادلة دقيقة..» لا مواجهة مباشرة مع واشنطن.. ولا تفريط فى المصالح الروسية»، وأمام المشهد السورى وجدت موسكو أنها مستهدفة مثل نظام بشار تماما. «هؤلاء يريدون طردنا من المتوسط، بإخراجنا من آخر المعاقل التقليدية للنفوذ والتأثير». لكن أمام هذا التهديد، تدرك روسيا تماما أن أوباما لا يرغب فى إنقاذ الشعب السورى كما يضع عنوانا لسياساته، بقدر ما يرغب فى إنقاذ الهيبة الأمريكية التى اهتزت بفعل الربيع العربى وتداعياته، وعندما نجحت واشنطن فى احتواء فوران هذا الربيع وإعادته إلى القضبان الأمريكية، كان زلزال الإطاحة بالإخوان من حكم مصر يشارك فى سحب الثقة من صورة أمريكا القائدة. مثلما تواجه روسيا خطرا فى المتوسط، تواجه أمريكا خطرا أفدح، يفهم الطرفان أنها معركة لا يوجد فيها حسم بالضربة القاضية، لكنها جولات بالنقاط، وهذه النقاط تتدفق فى الحصالة الروسية ليبدو الموقف الروسى أكثر صلابة ورسوخا من موقف أمريكى متردد يفقد الحليف وراء الآخر، ويسقط فى قبضة قيد وراء آخر. أداء بوتين فى هذه الأزمة لا بد سيخضع لدراسات عميقة من جانب أساتذة العلاقات الدولية، فالرجل لم يكتف بأدواته فى حصار الدبلوماسية الأمريكية، واستغلال حجية القانون الدولى، ولا حتى اكتفى بالتلويح العسكرى سواء ما له علاقة بدعم الجيش الحكومى السورى، أو حماية مناطق ارتكازه الحيوية فى البحر المتوسط، لكنه فتح الباب طويلا للحوار، وطور هذا الحوار أمس الأول، بخطاب مباشر وجهه للشعب الأمريكى عبر مقال فى صحيفة «نيويورك تايمز» وكأنه يوجه ضربة جديدة لأوباما فى الداخل. قراءة سريعة فى مفردات ومحاور هذا المقال تكفى كدرس فى مخاطبة الآخر، يذكر بوتين الأمريكيين بنضال مشترك فى مكافحة النازية، ويذكرهم بشبح الحرب وآلامه، ثم يفند مبررات الضربة العسكرية، ويتحدث عن تنظيمات تعتبرها الولاياتالمتحدة إرهابية، لكنها تبدو متحالفة معها فى المسرح السورى، ثم يهدد بموجة إرهاب أعنف تجتاح العالم بعد أن يعود هؤلاء المقاتلون الأجانب الذين يقاتلون فى سوريا إلى بلادهم، وكأنه يذكر الأمريكان بأن بداية موجة الإرهاب التى عانى منها العالم منذ الثمانينيات فى القرن الماضى بدأت بمقاتلين مدعومين من أمريكا فى أفغانستان، ولم تنته عند تدمير برجى التجارة فى منهاتن. وفى ذات المقال الذى يدعو فيه الأمريكيين الى التفكر بعقل، لا يفوته أن يقرع المواطن الأمريكى فيما يفخر به، فإذا كان الأمريكى مؤمنا بالديمقراطية وسيادة القانون، فها هى إدارته تحاول خرق القانون الدولى، وتستسهل التدخل فى الشئون الداخلية للدول، وأخيرا تعامل الجميع بمنطق من ليس معنا فهو ضدنا.. وهو منطق لا علاقة له بالديمقراطية. ينقل الأمريكيين الى المناطق التى تدخل فيها جيش بلادهم.. انظروا الى الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا.. ماذا تحقق فيها: هل جلبتم لشعوبها عدلا أو ديمقراطية أو رفاهية، هل توقف القتل والموت؟! ينهى بوتين مقاله بضرب أسطورة الاستثناء الأمريكى.. ببساطة أيها الأمريكيون لستم استثناء كما يدغدغ قادتكم عواطفكم.. وكأنه يريد أن يزيد.. وكما نجتهد لنثبت لكم ذلك. يمكنك أن تقرأ فى مقال بوتين أيضا رسالة للداخل العربى.. ابحثوا عن حلول آخرى للمأساة فى سوريا، لا تنتظروا الحرب ولا تراهنوا عليها.. وصدقوا عمرو عبد الحميد.