ارتفاع كبير تجاوز 800 جنيه.. سعر طن الحديد والأسمنت اليوم الأحد 26-10-2025    من «كارو» ل«قطار الإسكندرية».. مباحث شبرا الخيمة تعيد «محمد» لأسرته    أسعار الفراخ اليوم الأحد 26-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    آخر التحديثات.. أسعار الذهب اليوم الأحد 26 أكتوبر 2025 بالصاغة محليًا وعالميًا    روبيو: لا مصلحة لإسرائيل في احتلال أو تقسيم قطاع غزة    قيادي بحماة الوطن: حديث الرئيس السيسي في احتفالية «وطن السلام» يجسد دور مصر كصوت للعقل والإنسانية في المنطقة    الطريق إلى بروكسل    عاجل - غارة إسرائيلية تستهدف دراجة نارية في بلدة القليلة جنوب لبنان    أبو الغيط: حكومة نتنياهو لن تستمر طويلا.. وإرادة الرئيس السيسي الحديدية أفشلت مخطط التهجير منذ البداية    السيطرة على حريق في منزل بمنطقة المنشية بالأقصر دون مصابين    شبورة كثيفة وتحذير مهم ل السائقين.. حالة الطقس اليوم الأحد 26-10-2025 ودرجات الحرارة المتوقعة    ضبط صانعة محتوى لنشرها فيديوهات رقص خادشة للحياء    ب440 قطعة حشيش وبندقية آلية.. سقوط 3 تجار مخدرات في القصاصين    ب«اللي شارينا».. الرباعي يتألق في ختام «الموسيقى العربية»    عمرو أديب يوجه نداءً قبل افتتاح المتحف المصري الكبير: عايزين تريند يفرح مش كارثة جديدة    هشام عباس وميريهان حسين وياسر إبراهيم يشاركون أحمد جمال وفرح الموجى فرحتهما    سلوت عن هدف محمد صلاح: لقد كان إنهاء رائعا من مو    اشتباكات بين الجيش السوري و"قسد" شرق دير الزور    هانيا الحمامي تتوج ببطولة أمريكا المفتوحة للاسكواش بعد الفوز على أمينة عرفي    محافظ الغربية في جولة ليلية مفاجئة بالمحلة الكبرى لمتابعة النظافة ورفع الإشغالات    الهندسة النانوية في البناء.. ثورة خفية تعيد تشكيل مستقبل العمارة    وسط غزل متبادل، منة شلبي تنشر أول صورة مع زوجها المنتج أحمد الجنايني    بالصور.. حملات مكبرة بحي العجوزة لرفع الإشغالات وتحقيق الانضباط بالشارع العام    خلافات النسب تنتهي بالقتل في الوراق.. النيابة تأمر بتشريح الجثة وحبس المتهم    مصرع شخص وإصابة 5 آخرين إثر حادث تصادم سيارتين فى إمبابة    لتفادي النوبات القلبية.. علامات الذبحة الصدرية المبكرة    الصحة: مصرع شخصين وإصابة 41 آخرين في حادث مروري على طريق (القاهرة - السويس)    هيئة سلامة الغذاء تُكرّم 10 مصانع لدخولها القائمة البيضاء لتصدير التمور    مدرب إيجل نوار: الأهلي كان قويا رغم الطرد    وزير الرياضة: سنساعد الزمالك وفقا للوائح والقوانين.. وقد نمنحه قطعة بديلة لأرض أكتوبر    مصرع شاب وإصابة شقيقه فى حادث تصادم سيارة نقل بدارجة نارية بالمنوفية    انتخابات الأهلي – الغزاوي: التنمية والاستثمار هما هدف المرحلة المقبلة للمجلس    محمد عبد الجليل: يانيك فيريرا أقل من تدريب الزمالك.. وأنا أفضل من زيزو بمراحل    وزيرة التضامن تتابع إجراءات تسليم الأطفال لأسر بديلة كافلة    الانتخابات.. تحية للأغلبية وكشفٌ لواقع المعارضة    بعد الظهور في حفل "وطن السلام"، محمد سلام يعلن عن مسلسله الجديد    استعدادات مكثفة لافتتاح «المتحف المصرى الكبير».. والحكومة: السبت المقبل إجازة رسمية    خليل الحية: سنسلم إدارة غزة بما فيها الأمن.. وتوافقنا مع فتح على قوات أممية لمراقبة الهدنة    غادة عبد الرحيم تدعو وزارة التعليم لتبني حقيبة "سوبر مامي" لدعم أطفال فرط الحركة وتشتت الانتباه    أكثروا من الألياف.. نصائح فعالة لعلاج شراهة تناول الطعام    السر في فيتامين B12.. أبرز أسباب الإرهاق المستمر والخمول    بداية شهر من الصلابة.. حظ برج الدلو اليوم 26 أكتوبر    عضو إدارة بتروجت يكشف كواليس انتقال حامد حمدان للزمالك    صلاح يسجل أمام برينتفورد وليفربول يخسر للمرة الرابعة تواليا في الدوري الإنجليزي    وزير الرياضة يتحدث عن إنجاز الكرة المغربية ويوجه رسالة لجماهير الزمالك بشأن أرض أكتوبر    عمرو أديب: مُهمة التدخل للبحث عن جثث الرهائن فى غزة تظهر قوة مصر وحكمتها    الطفل آدم وهدان: فخور بوقوفى أمام الرئيس ومحمد سلام شخص متواضع    رئيس جامعة المنيا يشارك الاحتفالية العالمية «مصر وطن السلام» بمدينة الفنون بالعاصمة الإدارية    بالصور.. محافظ الجيزة يشارك في افتتاح معرض الوادي الجديد الزراعي الثاني    يوسف زيدان: قصة أبرهة الحبشي غير دقيقة.. واستخدام الفيل لهدم الكعبة تصور غير عملي    الأزهر للفتوى: الاعتداء على كبير السن قولًا أو فعلًا جريمة فى ميزان الدين والقيم    امتحانات أكتوبر.. تعليم القاهرة تشدد على الالتزام بالنماذج الامتحانية المعدة من قِبل الموجهين    خالد الجندي: لو تدبرنا إعجاز القرآن لانشغلنا بالخير عن الخلاف    6 صور ترصد تفاصيل حفل وطن السلام بحضور الرئيس السيسي    جلسة خاصة بمؤتمر الإيمان والنظام تسلط الضوء على رجاء وثبات المسيحيين في الشرق الأوسط    فتح باب التقديم للأجانب بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 25 أكتوبر 2025 في المنيا    قلق عالمي.. الأمير هاري وميجان يدعوان إلى حظر الذكاء الاصطناعي الفائق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إذا كان الغباء هو سمة العصر.. فكيف لنا أن نستفيد منه لبناء مستقبلنا؟
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 08 - 2013

فى الفيلم الأخير «لجيمس بوند» كان محور الفكرة يدور حول قصة رمزية وردت على لسان شرير الفيلم الذى وصف ما يحدث عندما يتم صيد فئران فى جزيرة عن طريق استقطابهم للوقوع فى برميل كبير فيه جوز الهند الذى يحبونه. وبدلا من قتلهم بعد ذلك يُتركوا فى البرميل حتى يقضوا على كل جوز الهند ولا يبقى لهم شىء يأكلونه غير انفسهم، فتبدأ الفئران فى تغيير طباعها من أكلة جوز الهند إلى آكلة فئران، وتستمر فى اكل بعضها البعض حتى يتبقى فى النهاية فئران فقط لا يريان بديلا لبقائهما غير قضاء الواحد على الآخر. هل يأكل احدهم الآخر؟ وماذا يحدث للسلالة؟.
لم أستطع مقاومة الربط بين هذه القصة وتلك التى نعيشها حاليا.
ألا يعتبر من غباء ان نكون قد كتبنا القصة وأخرجنا الفيلم ثم شاهدناه ثم نصر على لعب نفس الأدوار فى الحقيقة؟
أليس غباء ان نسمح لأنفسنا (البشر الذى خلقه الله عاقلا) بالتصارع فى مساندة فأر ضد الآخر والخطر الحقيقى يطول السلالة بالكامل؟، «فالخناقة» فى القصة الواقعية التى نعيشها اشد خطورة ومحاور الصراع فيها تصل إلى حد تدمير الدولة وإشعال الفتن الطائفية.
كيف تكون هذه محاور لصراع يتصور أى طرف من الأطراف المتصارعة بإمكانية خروجه منه منتصرا؟ ما هى مقومات التل الذى سيقف عليه المنتصر أيا كان؟ ومع ان هذه الصورة واضحة وضوح الشمس للجميع إلا أننا مستمرون فى الصراع بخطى سديدة كأننا مصرون على إثبات النظرية (بان الغباء هو سمة العصر). وهل هناك بديل إيجابي؟ أو.. هل يمكن لنا الاستفادة من هذا الغباء؟
●●●
الهدف من هذا المقال هو مناقشة إمكانية الاستفادة من هذا الغباء بدلا من ندب الحظ عليه. وهنا نتجه إلى الطبيعة التى تقدم لنا أمثلة كثيرة كيف تستفيد الكائنات الحية من الكوارث التى تتعرض لها فى إعادة بناء فصائل أقوى وأكثر صلابة عن تلك التى قد تكون قد دمرتها هذه الكوارث، ومن ثم يمكننا ان ننظر لمصدر الحدث الضار على انه يمثل أيضا مصدرا محتملا لمميزات إعادة بناء، وذلك إذا ما كنا مجهزين للتطوير والتحول (كالبكتريا والفيروس) وإذا لم نقبل أن يكون الانكسار أمام الأضرار المترتبة عن الكارثة هو نهاية المطاف، ولتوضيح وجهة النظر هذه سأقوم بمناقشة بعض محاور الصراع لعل المناقشة تفتح للقارئ نظرة ناقدة مختلفة لأحداث الساحة.
الصراع لتدمير الدولة.. هناك فائدة فى هذا الصراع إذا ما وجهنا هذا المجهود لمنظومة الدولة المركزية.. فالنموذج اثبت فشله على مر العقود الماضية، وهو يغذى جذور غالبية المشكلات التى قامت من اجلها ثورة 25 يناير. والصراع الحالى قائم بين وجهين لنفس النموذج المركزى السلطوى (الحكومة المصرية ومكتب الإرشاد). ثورة 25 يناير أخرجت الشعب من «قمقم» التبعية ليعبر عن رغبته فى إدارة شئونه بنفسه، وبالطبع ليتحقق ذلك يجب ان تتفتت منظومة الإدارة المركزية ليدخل عليها جوانب لامركزية عديدة تمكن المجتمع من المشاركة الحقيقية فى الإدارة، ومن الاستفادة من التنوع والتعددية المكونين له.
ولكن ها نحن نرى الجانبين يعملان بتوحد غريب على تحييد الشعب عن طريق الإرهاب من جانب وعن طريق المناشدة بترك الساحة للشرطة والجيش والبقاء فى المنازل من الجانب الآخر. وهناك فوائد عديدة أخرى لإسقاط مركزية الدولة تتركز فى إنعاش اقتصاد المحافظات الستة وعشرين الأخرى وإعطاء أهل كل محافظة حق أختيار افضل من يدير شئونهم والاستفادة المباشرة من نتاج عملهم وخيرات ارضهم. إلى جانب فرص المنافسة على استقطاب العقول والأيدى العاملة بدلا من طردها وتصديرها.
الصراع لحرق جميع الكنائس والمساجد.. لعلنا نعود للقيم الأصلية التى تحكم علاقة الإنسان بربه فهنا تتوحد جميع الأديان، فهى علاقة إيمان عبد ضعيف بخالق قوى متمكن ورحيم. لا تحتاج إلى وسيط. دور العبادة أماكن رمزية لتلاقى جموع البشر الضعفاء بربهم المتصل بجميع عباده دائما وأينما وجدوا.
الإنسان هو من يبنى تلك الصروح التى أصبحت ترمز أكثر لاختلاف فصائلهم عن رمزيتها الأصلية كمكان لملاقاة الرب، بدليل أننا اصبحنا نتفاخر من خلال حرقها وتدميرها بنصرة فصيل على الآخر، كأن سقوط المبنى يعنى سقوط الدين أو الفصيل الذى يمثله. لو قمنا بتدمير هذا المنظور السطحى لدور العبادة يمكننا إعادة بناء رؤية جديدة تفصل ما بين الدين (ودور العبادة) وبين إدارة شئون الدنيا والسياسة، رؤية مبنية على توحد إنسانية البشر فى وطن واحد بغض النظر عن معتقداتهم التى أنعم عليهم الله بتنوعها.
الصراع لهدم منشآت الدولة.. لنبنى منشآت جديدة تمثل نظاما إداريا وسياسيا جديدا ومتطورا. فالعمارة على مر العصور والأزمان كانت تعبيرا وتجسيدا ماديا لحياة وثقافة الشعوب. والأمثلة المعاصرة عديدة مثل العمارة الفاشية التى بناها كل من هتلر وموسولينى فى منتصف القرن الماضى، وكذلك العمارة الاشتراكية التى تبناها الاتحاد السوفييتى السابق لتوحيد الفوارق بين البشر، وتبناها النظام الاشتراكى المصرى فى الستينيات.
ومن ثم يمكننا النظر إلى منشآت الدولة التى ثار الشعب عليها أيضا كتمثيل مجسد للفكر الاستبدادى الاحتكارى الذى نريد تغييره. فربما حان الوقت لكى نبنى عمارة جديدة تمثل فكر الحرية والمشاركة والشفافية، ألن تكون مثل هذه العمارة مختلفة جذريا عن منشآت الدولة الحالية؟
ثم هناك بعد آخر يجب الا نغفله فى حديثنا عن «منشآت الدولة»، وهو التحذير الدائم من التعرض لها (وكثيرا ما يكون ذلك على حساب حماية أرواح وصحة البشر). وهذا الفكر المادى يغفل القيمة الحقيقية لرأس المال البشرى والمتمثل فى قدراته الابداعية التى تولد الثراء المادى وتبنى تلك المنشآت فى الأصل. هل نحسب الخسارة الفعلية حين نضحى برأس المال هذا لنحمى مبنى من الطوب والخرسانة؟
الصراع حول السيطرة على المدارس.. ومعه هدم وزارة التربية والتعليم! هذه المنظومة تم تحديثها مع ثورة 1952 لمحو أمية الشعب المصرى وضمان تعليم راق وحياة كريمة منتجة لكل مصرى، وقد نجحت هذه المنظومة بعد جهد 61 عاما فى الحفاظ على نسبة الأمية بالقرب من 40٪ ونسبة مماثلة للمواطنين تحت أو على هامش خط الفقر.
فلماذا لا ننسف هذه المنظومة وزارة ومدارس وقد أثبتت هذا القدر من الفشل؟ ماذا لو نسفناها وبدأنا فى بناء منظومة جديدة للتعليم ومبانٍ حديثة تساهم فى تنمية الفكر الحر والإبداع بدلا من مبانٍ منغلقة تسكنها مناهج منغلقة تركز على تعتيم الرؤى وتعظيم فكر السمع والطاعة والتخلف. هل يكون الهدم فى هذه الحالة ميزة أم عيبا؟
وبنفس المنطق يمكننا متابعة مناقشة الصراعات الدائرة حول تدمير وزارة الداخلية وزعزعة الاقتصاد ومحاولات العزل الدولى على أنها فرص لتغيير منهجى لبناء نظم أفوى فى كل مجال.
●●●
قد يكون الغباء هو سمة العصر والمنهجية الغالبة على معظم الأطراف المؤثرين فى الصراع الدائر على الساحة المصرية مؤخرا، وقد تكون الصورة مقاربة بشكل غير مريح لقصة الفئران التى تغير من طبيعتها لتأكل بعضها البعض. وقد تكون محاور الصراع تشمل تلك التى تعرضنا لها فى هذا المقال وقد يكون بها بعض المبالغة، ولكن كما حاولنا توضيحه فى هذه المناقشة فإن المشكلة ليست فى شكل أو نوع المحنة أو الكارثة التى نحن بصدد مواجهتها ولكن فى جاهزية المجتمع ورؤيته فى التعامل معها.
فالفكر المركزى قد يمكن الدولة من السيطرة على مجريات ألأمور اغلب الوقت ولكنه يفتقد المرونة للتعامل مع عقبة او تحد كبير مثل ثورة 25 يناير، فينهار النظام انهيارا مدويا كما هو اصبح جليا فى الأعوام الثلاثة الماضية. ماذا لو كان له نفس مرونة الطبيعة والتى تمكنها من الاستفادة من التحديات والكوارث ليس للحفاظ على السلالات المهددة بل لتطوير سلالات جديدة اكثر قوة واكثر مقدرة على التعامل مع التحديات الجديدة.
للغباء فوائد علينا فقط الانتباه لإمكانية وجودها وخلق رؤية مرنة لديها القدرة على استغلالها وتطوير منظومة تأقلم وتطور وإعادة بناء مستمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.