في ظل تضارب الفتاوي حول مشاركة المرأة في العملية السياسية وخروجها الي ساحة التظاهر والتعبير عن الرأي, تري الدكتورة الهام شاهين, استاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر, أن الشريعة الإسلامية كفلت للمرأة الحق في التعبير والخروج في المظاهرات والمشاركة في الاعتصامات وفق عدد من الضوابط والشروط. وتحذر الدكتورة الهام شاهين من تراجع منظومة القيم والأخلاق, وشيوع التدين المظهري والتمسك بقشور الدين, الذي بات ظاهرة تهدد استقرار المجتمع المصري. وفي ظل الخلافات السياسية الدائرة علي الساحة قالت في حوار ل الأهرام إن تجربة الإسلاميين في الحكم منعدمة الخبرة, فهم قد دخلوا إلي ملعب السياسة وأرادوا أن يضعوا قواعد جديدة للعبة قديمة جدا يقوم بها خصوم محترفون فخسروا من الجولة الأولي, وان الحوار واعلاء مصلحة الوطن هو الحل الوحيد للعبور بمصر الي بر الأمان. وإلي نص الحوار.. نري الآن مشاركة قوية للمرأة المصرية في المظاهرات والاعتصامات مع اختلاف كبير أحيانا بين الزوج والزوجة في الرؤي والتوجهات والانتماءات والقناعات فما رأي الشرع في هذا الأمر؟ وهل تعد تلك المشاركة انتقاصا من حقوق زوجها وأولادها ودورها الأسري ؟ يجب أن نعلم أن الشرع أعطي المرأة الحق في أن تري وتقتنع وتتوجه بفكرها السياسي حيثما شاءت, ولو اختلفت مع زوجها أو أبيها أو ابنها أو أسرتها بأكملها فليس لأحد أن يجبرها علي تغيير وجهة نظرها, كما يجب علي من حولها أن يحترم توجهاتها ويلتزم معها بأدب الاختلاف ويجب ألا يؤدي الاختلاف مع غيرها إلي خلاف بينهم وبينها. وللمرأة الحق في التعبير عن رأيها ولكن إذا كان خروجها في المظاهرات ومشاركتها في الاعتصامات سيؤدي إلي تعرضها لأهل السوء وإهانتها أو مسها بما يؤذي جسدها ومشاعرها بالأقوال والأفعال فالأفضل أن تصون المرأة نفسها عن هذا وتحفظ لنفسها كرامتها وتجلس في بيتها حفاظا علي نفسها من هذه الفتن. أما عن تقصير المرأة في حق الزوج والأولاد بخروجها في المظاهرات, وخاصة أنها مسئولة عن بيتها وزوجها أمام الله فتكون مرتكبة لإثم وممتنعة عن فعل الواجب التي عليها, فقد ورد عن رسول الله قوله..... والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتي تؤدي حق زوجها, ولو سألها نفسها وهي علي قتب لم تمنعه ا المشهد الآن في الشارع يؤكد تراجع منظومة القيم والأخلاق الدينية الرفيعة, فكيف يمكن إحياء تلك المنظومة مرة أخري؟ الأخلاق هي جزء من عقيدة المسلم ولا أجد اهتماما بين الدعاة أو أجهزة الإعلام كلها أو المؤسسات التعليمية بالعقيدة وما تشتمل عليه من شعب للإيمان هي عقيدة للمسلم, وجل اهتمام كل تلك الجهات بالعبادات والمظاهر الشكلية للمسلم, مما أوجد لدينا منظومة أخلاقية ضعيفة, يفسرها كل علي حسب هواه, ويوجهها كل شخص لتحقيق مصالحه ومآربه الخاصة, فهل نعلم أن الرحمة والعدل والمساواة وحسن الخلق والأمانة والوفاء بالوعد وحفظ العهد والنظافة والحياء وإماطة الأذي عن الطريق كل هذه وأكثر منها جزء من عقيدة المسلم؟ هي كلها من شعب الإيمان, وهي أخلاق قلما نجدها الآن ولا يهتم بها أحد من أهل الدعوة والعلم والتعليم والإعلام. وكذلك من شعب الإيمان أشياء حرمها الله علي عباده وردت في قوله تعالي: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون(151 الأنعام) لذلك أنادي مرارا وتكرارا بأن يكلف الأزهر الشريف بتبني منهج توعوي عقدي يقوم علي روح وجوهر الإسلام من شعب الإيمان, و أن يمكن من جعل هذا منهجا يدرس في الجامعات المصرية العامة والخاصة علي حد سواء ويتخلله منظومة أخلاقية عقدية, ويتضمن كذلك تعريف بالآخر ورؤية الإسلام والشرع الحنيف له وأساليب التعامل معه. بمناسبة الآخر, ما هو النموذج الذي قدمه الإسلام في التصالح والتسامح مع الآخر؟ وما هي أسباب التعصب تجاه الآخر؟ الآخر, يتمثل في مخالف لك في العقيدة أو مخالف لك في المذهب أو مخالف لك في التوجه الفكري والسياسي, وكل هؤلاء يحتويهم الإسلام ويضمن لهم حريتهم في الفكر والاعتقاد والتوجه, والأساس الذي يجب أن يقوم عليه المجتمع المسلم هو التآخي والاعتصام بالجماعة, والتعاون علي البر والتقوي, والمتمثل في قوله تعالي: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون. ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم سورة آل عمران, ومن أهم أسباب التعصب في التعامل مع الآخر هو البعد عن الجوهر الحقيقي للإسلام من رحمة وعدل وتعاون ومساواة, وتوازن واعتدال في مقابل التمسك بالجانب الشكلي فيه من مظاهر الشكل وألوان العبادات, وكذلك الجهل بحرمة دم المسلم بصفة خاصة وحرمة دم الإنسان بصورة عامة, فإذا اعتبرت أن الآخر مسلم يخالفك في بعض المعتقدات كالشيعة مثلا, فأمره ليس لك وإنما هو لولي الأمر, ولك أن ترفع أمره إليه لينظر فيه, وإذا اعتبرته إنسانا علي غير دينك كالمسيحي مثلا, فهو محرم قتله أيضا بوصية من الله, ويستوي قتل النفس مع فعل الفواحش كلها والموبقات والكبائر, فما بالك إذا كان مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وقد قال رسول الله في حرمة دم المسلم أنها أعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة, ولا يجوز لأحد أن يقتل إنسان لأنه يخالفه في العقيدة أو يخالفه في الرأي والتوجه, وقد ضمن الله لمن يكفر به الحق في الحياة مع الحساب العسير يوم لقائه فقال تعالي: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا(29) الكهف وإذا كان الإسلام يضمن لغير المسلمين حقهم في التعبد لغير الله ببناء الكنائس والصوامع والأديرة وحمايتها وحماية من يتعبدون فيها فكيف بمن يخالفنا في بعض المعتقدات والأفكار أو التوجهات, لو أننا شرعنا قتل المخالف لنا أو عدم تقبله وعدم السماح له بالتعبير عن رأيه فلابد أن نقبل من المخالف لنا أن يقتلنا ويعاملنا بالمثل لأننا مخالفون له أيضا, وإذا سمحنا لأنفسنا بقتل المخالف لنا في العقيدة, كان من باب أولي أن يقتلنا هو لأننا أتينا عليه بمعتقدنا المخالف لما هو عليه, وكذلك الحال بالنسبة للمخالف لنا في الفكر والتوجه السياسي, ولغيرهم ولو قتل كل منا الآخر لعم الخراب والدمار كل بلاد الأرض وأنتهت البشرية. ما رأيكم في الخلافات الدائرة بين القوي السياسية وكيف يمكن تجاوز الأزمة الراهنة والعبور بالبلاد الي بر الأمان ؟ كلها صراعات وليست مجرد خلافات, صراعات تحكمها مصالح شخصية والتزامات خارجية لا تستطيع أي فئة الفكاك منها وستؤدي حتما إلي مزيد من الخسائر لكل الأطراف, والحل الوحيد لها هو إعلاء مصلحة الوطن والجهر بهذا أمام الداخل والخارج والتوحد حول هدف واحد فقط هو مصر. ما هي رؤيتك لتجربة الإسلاميين في الحكم؟ تجربة منعدمة الخبرة فهم قد دخلوا إلي ملعب السياسة وأرادوا أن يضعوا قواعد جديدة للعبة قديمة جدا يقوم بها خصوم محترفون فخسروا من الجولة الأولي ولكن الأيام دول, كما قال الله تعالي: وتلك الأيام نداولها بين الناس. هل من الممكن أن يعود الحكم الإسلامي مرة أخري إلي مصر وخصوصا مع استمرار المظاهرات التي تملأ الميادين واستمرارها قد يكون له تأثير كبير في عودة الإخوان المسلمين مرة أخري؟ وهل كان هناك حكم إسلامي أو رأينا شئيا من تباشير الحكومة الإسلامية التي بشر بها النبي, والتي ستكون علي منهاج النبوة؟ هذا لم يحدث, أما لو كنت تقصد عودة الإخوان للحكم فأري أن الإخوان لو تعلموا من التجربة فلن يعودوا مرة أخري للحكم الكامل وسيكتفون بالمشاركة ويعودون إلي سابق وعودهم لأن الجو والمناخ غير مهيأ لهم ويحتاج لمزيد من الجهد والعمل مع الناس حتي يكتسبوا الثقة والمصداقية التي ستدعمهم وتؤهلهم في يوم ما للحكم. الناس الآن ربما لا يشعرون بالبهجة في رمضان كما كان يحدث من قبل, وذلك بسبب الأحداث الجارية؟ ما رؤيتكم لرمضان( زمان) ورمضان( الآن)؟ رمضان زمان كنا نستشعره في نسمات الهواء وفي نور الشمس وضياء القمر فكنا نقول الجو رمضان وكنا نستشعره في أخلاق الناس وتعاملاتهم وكل ذلك كان من شأنه أن يبعث البهجة في النفوس أما الآن فالجو كله صراعات مادية وسياسية واجتماعية ولذلك فلا يمكن أن تشعر ببهجة رمضان لأن الصائم لا يصارع أحدا بل إنه يبلغ درجة من التسامح مع نفسه وغيره أن يتحمل السباب من غيره لقوله صلي الله عليه وسلم: إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث, ولا يفسق ولا يصخب, فإن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم.