مع انتهاء جولة الإعادة بال19 دائرة الملغاة، حصص الأحزاب والمستقلين في مقاعد البرلمان حتى الآن    ضبط 7 رجال و4 سيدات لاستغلالهم 19 طفلا في التسول بالقاهرة    بدء الاجتماع الختامي للجنة الرئيسية لتطوير الإعلام المصري بالأكاديمية الوطنية للتدريب    وزارة التضامن الاجتماعى تقر تعديل قيد جمعيتين في محافظتي القليوبية وكفر الشيخ    ميار الببلاوي تعلن نقل نجلها إلى المستشفى بعد تعرضه لأزمة صحيه    فقاعة الذهب.. وجنونه    رئيس جمهورية جيبوتي يستقبل نائب رئيس مجلس الوزراء ووفد شركات القطاع العام لتعزيز التعاون الصناعي والنقل    جهاز مدينة سفنكس الجديدة يسترد 188 فدانًا بالقطاع الأول    الحكومة تعلن تصفية وإلغاء 4 هيئات اقتصادية ودمج 7 وتحويل 9 لهيئات عامة    محافظ الإسكندرية يوجه برفع درجة الاستعدادات للتعامل مع موجة الطقس غير المستقر    الكرملين: بوتين وترامب سيجريان محادثة هاتفية قريبًا    عربية البرلمان تدعم الموقف المصري الرافض لتقسيم الصومال    موسكو تستعرض قدرات منظومتها الليزرية الجديدة المضادة للدرونات    إكسترا نيوز: التنسيق جرى مع الهلال الأحمر الفلسطيني لتحديد أولويات دخول المساعدات إلى غزة    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    عراقيل إسرائيل أمام الانتقال للمرحلة الثانية    أمم أفريقيا 2025، رقم مميز ل نيجيريا وتونس قبل جولة الحسم    اتحاد الكرة يدافع عن أمين عمر في بيان رسمي    شوبير يفجر مفاجأة بشأن مستقبل جراديشار مع الأهلي    القبض على المتهم بالتحرش بالطالبات أمام مدرسة بشمال سيناء    الحبس سنة مع الشغل لعامل بتهمة الاتجار فى المخدرات بسوهاج    الداخلية تكشف حقيقة فيديو تعدى زوج على زوجته بالقاهرة    انتشال جثتين من ضحايا حادث غرق 3 أشخاص بترعة المريوطية فى البدرشين    التحقيقات تكشف مفاجآت في واقعة الهروب الجماعي من مصحة الجيزة    عاجل.. إلغاء الامتحانات في أعياد المسيحيين بكافة المديريات التعليمية    الست.. عظمة الخلود التي يجهلها الصغار! (2)    الباحث علي حامد يحصل على الماجستير حول توظيف الذكاء الاصطناعي في المواقع الإخبارية المصرية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    الصحة: مبادرة كبار السن تقدم خدماتها ل 2 مليون مواطن    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    مبادرة الرعاية الصحية لكبار السن قدمت خدماتها ل2 مليون مواطن من سن 65 عاما    برقية تهنئة من مجلس النواب للرئيس السيسي بمناسبة العام الميلادي الجديد    "شباب البحيرة" تنظم برنامجا تدريبيا لتعليم أعمال الخياطة والتريكو    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    سوريا.. دوي انفجار غامض في محيط حي المزة بدمشق وسط صمت رسمي    من المسرح القومي.. خالد محروس يعيد حكاية صلاح جاهين للأجيال الجديدة    موعد مباراة المغرب وزامبيا في أمم أفريقيا 2025.. والقنوات الناقلة    مناورات صينية واسعة تطوّق تايوان    وزير التموين ومحافظ الجيزة يفتتحان سوق اليوم الواحد فى شارع فيصل.. صور    قطرات الأنف.. كيف يؤثر الاستخدام المتكرر على التنفس الطبيعي    طبيب روسي يحذر: انخفاض ضغط الدم خطر بعد التعافي من الإنفلونزا    تباين أداء مؤشرات الأسهم اليابانية في الجلسة الصباحية    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29 ديسمبر 2025 في القاهرة وعدد من المحافظات    متحدث الوزراء: الحكومة تحاول تقديم أفضل الخدمات لمحدودي ومتوسطي الدخل وفق الموارد المتاحة    طارق الشناوي: المباشرة أفقدت فيلم «الملحد» متعته ولم يُعوِّض الإبداع ضعف السيناريو    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    وائل جسار وهاني شاكر يشعلان أبوظبي بليلة طربية نادرة في يناير    وداع موجع في كواليس التصوير... حمزة العيلي يفقد جده والحزن يرافقه في «حكاية نرجس»    مباحث العبور تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حريق مخزن كراتين البيض    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    يحيى حسن: التحولات البسيطة تفكك ألغاز التاريخ بين الواقع والافتراض    ما هو فضل الدعاء وقت الفجر؟    حسم التأهل مبكرًا.. مصر ونيجيريا والجزائر إلى دور ال16 من أمم أفريقيا 2025    لا رب لهذه الأسرة    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كله سلف ودين
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 08 - 2013

من أبرز الأخطاء الشائعة في مصر والتي دفع الكثيرون ثمنها غاليا في الماضي والمضارع، وسيدفع الكثيرون ثمنها غاليا في المستقبل: الاعتقاد أن جملة «أكلت يوم أكل الثور الأبيض» لا تُقال في العمر إلا مرة واحدة على لسان الثور الأحمر، مع أن أي تأمل لتاريخ القوى الثورية وصراعاتها مع السلطة يكشف أن هذه الجملة بالذات يمكن أن تقال مرات عديدة في العمر على ألسنة عدد لا نهائي من الثيران مختلفة الألوان، ومهما ظننت أنك معصوم من النطق بها يمكن أن تجدها على لسانك إذا قررت أن تلغي عقلك وتكون ثورا لا يتعلم من تجارب التاريخ.
على مدى أشهر ظل الإخواني يقوم بكل نشاط بتشيير صور وفيديوهات لثوار يحملون في مظاهراتهم ضد حكم مرسي الأسلحة النارية والبيضاء وزجاجات المولوتوف، معتبرا أنها رد قاطع على من يطالبون بمحاسبة مرسي على مسئوليته السياسية عن قتل محمد الجندي وكريستي والحسيني أبو ضيف وغيرهم من الشهداء الذين لم يشتهروا في وسائل الإعلام، قائلا بملء فمه «في تظاهر سلمي يستخدم سلاح كده؟».
والثائر كان يرد بأن هناك آلافا يسيرون في المظاهرات السلمية لا يحملون الأسلحة، ومسئولية من يحكم أن يقبض على المسلحين ويحمي ويؤمن السلميين لأن كل من قُتلوا لم يثبت أنهم حملوا السلاح أبدا، والإخواني كان يعتبر أن مجرد السير في مسيرة بها مسلحين يبيح دمك للضباط والجنود الذين لطالما تغزل رئيسه بشجاعتهم وبطولتهم.
في الأيام الماضية لعب كثير من الثوار للأسف دور الإخواني المبرراتي، فبعد أن كانوا يحملون مبارك وطنطاوي ومرسي ورجالهم مسئولية كل قطرة دم سالت في عهودهم، لم يعد صوت أغلبهم يعلو بالحديث عن المسئولية السياسية لعدلي منصور وحازم الببلاوي وعبد الفتاح السيسي ومحمد ابراهيم عن الدماء التي سالت في أيامهم ولم يعد أحد يطلب عزلهم أو حتى التحقيق معهم.
بعض الثوار حاول تبرير هذا التناقض بقوله أن هناك فرقا بين أسلحة الثوار وأسلحة الإخوان وفرقا بين الثوار والإخوان أنفسهم، كأن المشكلة كانت في نوع السلاح ونوع حامله وليس في فكرة حمل السلاح نفسها، ينسى هذا الثائر أنه كان حتى وقت قريب يشتم كل من يتمسك بالسلمية رافعا في وجهه شعار «خالتك سلمية ماتت انسى الثورة اللي فاتت» الذي سطا عليه الإخوان الآن هو وغيره من الهتافات الثورية التي كانوا يلعنون كل من يرفعها في وجه حلفائهم بالأمس.
كان هذا الثائر يقول بالأمس لدعاة السلمية «سلمية إيه شفت فلان اتقتل إزاي بكل بشاعة»، ومثله يفعل اليوم الإخواني عندما يسب كل من يطالبه بالتهدئة وإدراك خطورة الإنزلاق إلى ممارسة العنف التي ستؤدي للمزيد من الإهدار لدمه.
يستخدم الإخوان اليوم صور الشهداء الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن والجيش، ناسين كلامهم بالأمس عن ضرورة التهدئة والتركيز على البناء والإنتاج، ومثلهم ينسى بعض الثوار الآن كلامهم بالأمس عن ضرورة تطهير الشرطة ومحاسبة قيادات الشرطة والجيش المتورطين في الدماء وتطبيق العدالة لأنه بدونها لن يكون هناك بناء ولا إنتاج، ثم بعد ذلك يوجد بيننا من يظن أن الله يمكن أن يصلح عمل المفسدين ويهدي طريق مزدوجي المعايير ويرحم من يفرطون في العدل الذي جعله إسما من أسمائه.
بالأمس عندما كان الثوار يتعرضون للقمع، كان الإخواني يدير وجهه قائلا «ماحنا ياما خدنا نصيبنا ماتورطوناش في معارككم»، ظنا منه أن طرمخته ستنجيه، واليوم يدير بعض الثوار وجوههم تجاه ما يجري للإخوان من قتل عشوائي وقمع وانتهاك لحقوقهم، وبعضهم يزايد عليك حتى لو أعلنت رفضك لما يجري بمقال أو تدوينة قائلا «احنا خدنا نصيبنا ودي مش معركتنا»، ظنا منه أن ما حدث له من قمع لن يحدث ثانية، مع أن الأيام ستذكره عاجلا أو آجلا بمقولة الثور الأحمر إياها.
فبعد أن تنتهي الأجهزة الأمنية من تثبيت دعائم سلطتها مجددا بمساعدة الخدامين الجدد من المثقفين المؤمنين بنظرية (حرية الأستك) التي تتسع وتضيق حسب مقاسهم الفكري، عندها لن يكون أمام كل من هللوا لما يجري الآن سوى اختيارين: إما أن يقبلوا بأن يكونوا ثيرانا نشيطة في إدارة ساقية المصالح فيتحولوا إلى مسوخ تبرر كل ما تريده السلطة بتقفيل أشيك، أو أن يرفضوا اللف في تلك الساقية فيتعرضوا للأكل كما أُكِل الذين من قبلهم.
لا تنس أن ذلك حدث من قبل عندما وافق كثير من المثقفين على خدمة سلطة يوليو طواعية أو «طماعية»، تكشف لنا قراءة التاريخ كيف ترددت سلطة يوليو أحيانا في استخدام الممارسات القمعية لولا أن برر لها المثقفون ذلك وشجعوها عليه، فعل ذلك «المثقف» الإخواني سيد قطب عندما بارك قتل وقمع العمال والفلاحين والطلبة المعارضين لعبد الناصر، قبل أن يتعرض هو وأبناء تياره للقتل والقمع بعد أن نازعوا السلطة في مصالحها، والسلطة وجدت غطاءا لقمعهم هذه المرة على أيدي كثير من المثقفين الليبراليين واليساريين الذين شاركوا في الهوجة الوطنية التي كانت ترفع أيضا شعارات الحرب على الإرهاب ومحاربة عملاء الخارج والطابور الخامس.
وبعد أن أخذت السلطة غرضها رمت بمن لم يعجبه الوضع منهم إلى السجون والمنافي، واحتفظت بمن وافق على أن يكون خادما مخلصا لها، وطنشت بعض من قرر أن ينكفئ على ذاته ويلجأ إلى الكتابة المشفرة، وانتهى المشهد كله بالوطن وهو يصحو من نشوة الهستيريا الوطنية على كابوس مرير، فلا هو انتصر على الأعداء، ولا حقق التنمية والتقدم، ولا حافظ على كرامة الإنسان، ولا أغلب المثقفين كفوا أنفسهم شر الإتساخ.
سيتكرر ذلك للأسف طالما ظللنا نرضى ب «لخفنة المعايير» التي تجعلنا نتذكر القانون والعدالة والإنسانية عندما نحتاجها، ونتناساها بل وندوس عليها عندما يتعلق الأمر بالآخرين، بالأغيار، بالخصوم، ظنا مننا أننا لن ندفع ثمن ذلك في المستقبل، وتصديقا منا للخطأ الشائع الذي يظن أن جملة «أُكِلت يوم أكل الثور الأبيض» تقال مرة واحدة في العمر.
أو كما قال عم أحمد فؤاد نجم «الأيام بينما».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.