بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    وزير الأوقاف: بنك المعرفة المصري أداة لتمكين الأئمة ودعم البحث العلمي الدعوي    وزير الإسكان يتابع أخر مستجدات مشروعات التي تنفذها المقاولون العرب في "حياة كريمة"    محافظ القاهرة يدعو المستثمرين ب شق الثعبان لسرعة استكمال اجراءات التقنين    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بأوامر الرقابة المالية.. حسام هنداوي ملزم بترك رئاسة شركة الأولى بسبب أحكام قضائية    مساعد وزير الإسكان يبحث مع الجانب الألماني أوجه التعاون المشترك    الاحتلال يصعد قصفه لشرق وجنوب قطاع غزة وسط أزمة إنسانية متفاقمة    المجلس الوطني الفلسطيني: قوات الجيش الإسرائيلي لا تزال موجودة على 54% من مساحة قطاع غزة    وزير الخارجية الأمريكي يكشف نفاد خيارات العقوبات على روسيا.. ماذا قال؟    قضية زيزو.. تطورات مدافع الزمالك.. بيراميدز أفضل نادٍ.. وصلاح يوزع قميصه| نشرة الرياضة ½ اليوم    إصابة 8 أشخاص إثر إنقلاب ميكروباص بالبحيرة    ننشر رابط التسجيل الالكتروني للتقدم ل امتحانات «أبناؤنا في الخارج» 2026    السجن المشدد 10 سنوات لبائع خضروات بتهمة قتل مسنة بقنا    حسين فهمى يشيد بجهود «الإنتاج الإعلامي» في ترميم كنوز السينما المصرية    «مش بتحب الخنقة والكبت».. 3 أبراج الأكثر احتمالًا للانفصال المبكر    جلسة حوارية حول النموذج التحويلي للرعاية الصحية الأولية في مصر    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    إعلان موعد خروج الفنان محمد صبحي من المستشفى    شاهدها الآن ⚽ ⛹️ (0-0) بث مباشر الآن مباراة العراق ضد الإمارات في ملحق آسيا لكأس العالم 2026    إخماد حريق شب في عقار بالفيوم    اشتباكات عنيفة بين الجيش السوداني والدعم السريع غرب كردفان.. فيديو    مسيرة إسرائيلية تقصف سيارة وقت ذروة خروج طلاب المدارس في جنوب لبنان    رئيس مجلس الشيوخ: صدور قانون الإجراءات الجنائية خطوة تشريعية تاريخية    المركز الإعلامي لمجلس الوزراء: أكثر من 700 مادة إعلامية نُشرت حول افتتاح المتحف المصري الكبير في 215 وسيلة إعلامية دولية كبرى    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    الصحة: مصر حققت تقدما ملحوظا في تقوية نظم الترصد للأوبئة    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    بروتوكول الممر الموحش    سر رفض إدارة الكرة بالزمالك لتشكيل اللجنة الفنية    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    القسام تستأنف البحث عن جثث جنود الاحتلال    نيويورك تايمز: أوكرانيا تواجه خيارا صعبا فى بوكروفسك    محافظ الغربية: كل شكوى تصلنا نتعامل معها فورا.. ومتفاعلون مع مطالب المواطنين    4 ديسمبر.. بدء تلقي طلبات الترشح لانتخابات نقابة الأطباء البيطريين وفرعية قنا لعام 2026    «الكوسة ب10».. أسعار الخضار اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 في أسواق المنيا    ليفاندوفسكي على رادار ميلان وفنربخشة بعد رحلته مع برشلونة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    في قلب الشارع.. قتل مهندس كيمياء نووية مصري ب13 رصاصة في الإسكندرية    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    الدوسري خلال «خطبة الاستسقاء»: ما حُبس القطر من السماء إلا بسبب تقصير الناس في فعل الطاعات والعبادات    متحدث الأوقاف: مبادرة صحح مفاهيمك دعوة لإحياء المودة والرحمة داخل الأسرة والمجتمع    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    ندب قضاة ومنفعة عامة.. قرارات جديدة لرئيس الوزراء    الوزير: مصر مستعدة للتعاون مع الهند بمجالات الموانئ والنقل البحري والمناطق اللوجستية    ضبط 5 أشخاص أثناء التنقيب عن الآثار داخل عقار بالمطرية    إيطاليا تواجه مولدوفا في اختبار سهل بتصفيات كأس العالم 2026    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    المصرية للاتصالات: تحسن التدفقات النقدية الحرة يعكس قوة الأداء المالى    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    فيفي عبده تبارك ل مي عز الدين زواجها.. والأخيرة ترد: «الله يبارك فيكي يا ماما»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كله سلف ودين
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 08 - 2013

من أبرز الأخطاء الشائعة في مصر والتي دفع الكثيرون ثمنها غاليا في الماضي والمضارع، وسيدفع الكثيرون ثمنها غاليا في المستقبل: الاعتقاد أن جملة «أكلت يوم أكل الثور الأبيض» لا تُقال في العمر إلا مرة واحدة على لسان الثور الأحمر، مع أن أي تأمل لتاريخ القوى الثورية وصراعاتها مع السلطة يكشف أن هذه الجملة بالذات يمكن أن تقال مرات عديدة في العمر على ألسنة عدد لا نهائي من الثيران مختلفة الألوان، ومهما ظننت أنك معصوم من النطق بها يمكن أن تجدها على لسانك إذا قررت أن تلغي عقلك وتكون ثورا لا يتعلم من تجارب التاريخ.
على مدى أشهر ظل الإخواني يقوم بكل نشاط بتشيير صور وفيديوهات لثوار يحملون في مظاهراتهم ضد حكم مرسي الأسلحة النارية والبيضاء وزجاجات المولوتوف، معتبرا أنها رد قاطع على من يطالبون بمحاسبة مرسي على مسئوليته السياسية عن قتل محمد الجندي وكريستي والحسيني أبو ضيف وغيرهم من الشهداء الذين لم يشتهروا في وسائل الإعلام، قائلا بملء فمه «في تظاهر سلمي يستخدم سلاح كده؟».
والثائر كان يرد بأن هناك آلافا يسيرون في المظاهرات السلمية لا يحملون الأسلحة، ومسئولية من يحكم أن يقبض على المسلحين ويحمي ويؤمن السلميين لأن كل من قُتلوا لم يثبت أنهم حملوا السلاح أبدا، والإخواني كان يعتبر أن مجرد السير في مسيرة بها مسلحين يبيح دمك للضباط والجنود الذين لطالما تغزل رئيسه بشجاعتهم وبطولتهم.
في الأيام الماضية لعب كثير من الثوار للأسف دور الإخواني المبرراتي، فبعد أن كانوا يحملون مبارك وطنطاوي ومرسي ورجالهم مسئولية كل قطرة دم سالت في عهودهم، لم يعد صوت أغلبهم يعلو بالحديث عن المسئولية السياسية لعدلي منصور وحازم الببلاوي وعبد الفتاح السيسي ومحمد ابراهيم عن الدماء التي سالت في أيامهم ولم يعد أحد يطلب عزلهم أو حتى التحقيق معهم.
بعض الثوار حاول تبرير هذا التناقض بقوله أن هناك فرقا بين أسلحة الثوار وأسلحة الإخوان وفرقا بين الثوار والإخوان أنفسهم، كأن المشكلة كانت في نوع السلاح ونوع حامله وليس في فكرة حمل السلاح نفسها، ينسى هذا الثائر أنه كان حتى وقت قريب يشتم كل من يتمسك بالسلمية رافعا في وجهه شعار «خالتك سلمية ماتت انسى الثورة اللي فاتت» الذي سطا عليه الإخوان الآن هو وغيره من الهتافات الثورية التي كانوا يلعنون كل من يرفعها في وجه حلفائهم بالأمس.
كان هذا الثائر يقول بالأمس لدعاة السلمية «سلمية إيه شفت فلان اتقتل إزاي بكل بشاعة»، ومثله يفعل اليوم الإخواني عندما يسب كل من يطالبه بالتهدئة وإدراك خطورة الإنزلاق إلى ممارسة العنف التي ستؤدي للمزيد من الإهدار لدمه.
يستخدم الإخوان اليوم صور الشهداء الذين قتلوا على أيدي قوات الأمن والجيش، ناسين كلامهم بالأمس عن ضرورة التهدئة والتركيز على البناء والإنتاج، ومثلهم ينسى بعض الثوار الآن كلامهم بالأمس عن ضرورة تطهير الشرطة ومحاسبة قيادات الشرطة والجيش المتورطين في الدماء وتطبيق العدالة لأنه بدونها لن يكون هناك بناء ولا إنتاج، ثم بعد ذلك يوجد بيننا من يظن أن الله يمكن أن يصلح عمل المفسدين ويهدي طريق مزدوجي المعايير ويرحم من يفرطون في العدل الذي جعله إسما من أسمائه.
بالأمس عندما كان الثوار يتعرضون للقمع، كان الإخواني يدير وجهه قائلا «ماحنا ياما خدنا نصيبنا ماتورطوناش في معارككم»، ظنا منه أن طرمخته ستنجيه، واليوم يدير بعض الثوار وجوههم تجاه ما يجري للإخوان من قتل عشوائي وقمع وانتهاك لحقوقهم، وبعضهم يزايد عليك حتى لو أعلنت رفضك لما يجري بمقال أو تدوينة قائلا «احنا خدنا نصيبنا ودي مش معركتنا»، ظنا منه أن ما حدث له من قمع لن يحدث ثانية، مع أن الأيام ستذكره عاجلا أو آجلا بمقولة الثور الأحمر إياها.
فبعد أن تنتهي الأجهزة الأمنية من تثبيت دعائم سلطتها مجددا بمساعدة الخدامين الجدد من المثقفين المؤمنين بنظرية (حرية الأستك) التي تتسع وتضيق حسب مقاسهم الفكري، عندها لن يكون أمام كل من هللوا لما يجري الآن سوى اختيارين: إما أن يقبلوا بأن يكونوا ثيرانا نشيطة في إدارة ساقية المصالح فيتحولوا إلى مسوخ تبرر كل ما تريده السلطة بتقفيل أشيك، أو أن يرفضوا اللف في تلك الساقية فيتعرضوا للأكل كما أُكِل الذين من قبلهم.
لا تنس أن ذلك حدث من قبل عندما وافق كثير من المثقفين على خدمة سلطة يوليو طواعية أو «طماعية»، تكشف لنا قراءة التاريخ كيف ترددت سلطة يوليو أحيانا في استخدام الممارسات القمعية لولا أن برر لها المثقفون ذلك وشجعوها عليه، فعل ذلك «المثقف» الإخواني سيد قطب عندما بارك قتل وقمع العمال والفلاحين والطلبة المعارضين لعبد الناصر، قبل أن يتعرض هو وأبناء تياره للقتل والقمع بعد أن نازعوا السلطة في مصالحها، والسلطة وجدت غطاءا لقمعهم هذه المرة على أيدي كثير من المثقفين الليبراليين واليساريين الذين شاركوا في الهوجة الوطنية التي كانت ترفع أيضا شعارات الحرب على الإرهاب ومحاربة عملاء الخارج والطابور الخامس.
وبعد أن أخذت السلطة غرضها رمت بمن لم يعجبه الوضع منهم إلى السجون والمنافي، واحتفظت بمن وافق على أن يكون خادما مخلصا لها، وطنشت بعض من قرر أن ينكفئ على ذاته ويلجأ إلى الكتابة المشفرة، وانتهى المشهد كله بالوطن وهو يصحو من نشوة الهستيريا الوطنية على كابوس مرير، فلا هو انتصر على الأعداء، ولا حقق التنمية والتقدم، ولا حافظ على كرامة الإنسان، ولا أغلب المثقفين كفوا أنفسهم شر الإتساخ.
سيتكرر ذلك للأسف طالما ظللنا نرضى ب «لخفنة المعايير» التي تجعلنا نتذكر القانون والعدالة والإنسانية عندما نحتاجها، ونتناساها بل وندوس عليها عندما يتعلق الأمر بالآخرين، بالأغيار، بالخصوم، ظنا مننا أننا لن ندفع ثمن ذلك في المستقبل، وتصديقا منا للخطأ الشائع الذي يظن أن جملة «أُكِلت يوم أكل الثور الأبيض» تقال مرة واحدة في العمر.
أو كما قال عم أحمد فؤاد نجم «الأيام بينما».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.