يقاوم حكام دول الخليج العربية إغراء الابتهاج علنًا بالمشكلات السياسية التي تواجهها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتي يرتاب أغلبهم فيها، وذلك خشية تعميق الاضطراب في بلد لا يزال حليفًا محتملًا في مواجهتهم مع إيران. وقال مسؤولون ومحللون: إن الصمت الرسمي في دول الخليج يعكس اعتقادًا قائمًا منذ فترة طويلة في تلك الدول بأن أمنها مرتبط بشكل وثيق بأمن مصر.
وعلى مدى أغلب السنوات ال30 الماضية كانت مصر حليفًا استراتيجيًّا لدول الخليج التي ينتابها القلق من نفوذ إيران، ويقول محللون: إنه في ظل ارتفاع سقف المخاطر حاليًّا، وهشاشة الوضع في مصر فإن التفكير الرسمي يميل فيما يبدو إلى تجنب التدخل العلني؛ لأنه ربما يزيد الوضع تدهورًا.
وصيغت التعبيرات الرسمية عن القلق في إطار السعي للصالح العام وتفضيل الحوار، وقال عبد الله العسكر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي، وهو هيئة استشارية يعينها الملك عبد الله "السلام والاستقرار في مصر مهمان جدًّا للسعودية ولباقي العالم العربي".
وأضاف أنه نظرًا لحجم الاحتجاجات المناهضة للحكومة فإنه ينبغي للرئيس محمد مرسي أن يكون أكثر انفتاحًا على شكاوى المعارضة، وأكد أنه يتحدث بصفته الشخصية، وقال العسكر لرويترز: "أعتقد أن من الصواب إعطاء هؤلاء الناس الاهتمام والاستماع إليهم.. لقد انتخب وجاء إلى السلطة بأصوات هؤلاء".
وجاء التعليق الرسمي الوحيد من الخليج بشأن الوضع في مصر من خلال مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، الذي ناشد المصريين تجنب إراقة الدماء، وكذلك من وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الصباح. وقال الشيخ صباح: إن الكويت تتابع التطورات والأحداث في مصر بقلق وأعرب عن الثقة في قدرة المصريين على تجاوز الوضع الحالي.
وحذر الباحث السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله من تكرار السيناريو الجزائري، حيث قتل ما يقدر بنحو 150 ألف شخص في عنف استمر لسنوات بعدما ألغى الجيش انتخابات كاد أن يفوز بها الإسلاميون عام 1991. وقال: إن الانقسامات في مصر يمكن أن تشعل دائرة من العنف وإذا تدخل الجيش فربما يكون العنف أشد.
وقالت المحللة الإماراتية ابتسام الكتبي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الإمارات: إن صمت معظم المسؤولين الخليجيين لا يعني أنهم لا يشعرون بالقلق إزاء الوضع في مصر، وأضافت أن المسؤولين الخليجيين لا يريدون أن يوجه لهم الاتهام بالتحيز في هذه المرحلة وقالت: إن الإخوان المسلمين مستعدون دومًا لاتهام الخليج بتمويل الاضطرابات.
لكنها أضافت أنه ليس سرًّا أن هناك في الخليج من يريدون سقوط هذا النموذج، لكن ليس كل دول الخليج معادية للإخوان، وكانت قطر البلد الخليجي الوحيد الذي احتفل بثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، الذي كان معاديًا لإيران، وحليفًا قديمًا لدول الخليج التي تملك نحو ربع الاحتياطيات النفطية العالمية.
وقطر ممول رئيسي لجماعات إسلامية في أنحاء العالم العربي من بينها الإخوان المسلمين. وقال سلمان الشيخ، مدير مركز بروكينجز الدوحة: إنه لا بد وأن قطر تنظر بعين القلق إلى الوضع في مصر، حيث كانت داعمًا للحكومة المصرية، مضيفًا أنه لا يرى مبررًا لأن تتراجع عن ذلك.
غير أن تغير القيادة القطرية في الأسبوع الماضي حيث تولى الشيخ تميم (33 عامًا) السلطة خلفًا لوالده أثار تساؤلات حول احتمال الابتعاد عن الإخوان. ونفى الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يتمتع بتأثير قوي، تقارير ذكرت أن الأمير الشاب طلب منه مغادرة قطر لكن هذا لم يخمد شائعات عن بدء ظهور خلاف مع الجماعة.
ووردت أيضًا تقارير غير مؤكدة عن أن قطر التي أعادت المئات من مواطنيها في مصر إليها منذ بدأت الاحتجاجات قد استدعت سفيرها أيضًا خوفًا على سلامته. وقال المعلق الإماراتي سلطان القاسمي: إن أمير قطر الجديد بعث برسائل متباينة في خطابه الأول، حيث قال أولًا: إن قطر لا تنحاز إلى طرف ثم قال بعد ذلك: إنه سيمضي على طريق والده.
لكنه أضاف أنه بدا من طريقة استقبال الأمير للقرضاوي، حيث قبله على كتفه أنه يكن احترامًا للشيخ ولما يمثله، وعلى النقيض من قطر أسفت أغلب دول الخليج لسقوط مبارك خشية أن يشجع صعود الإخوان التيارات الإسلامية فيها على تحدي أنظمتها الحاكمة.
وأطلقت الإمارات حملة على الإسلاميين وأدين أكثر من 60 شخصًا فيها، أمس الثلاثاء، بتهم تتصل بالتآمر للاستيلاء على السلطة. وقال توبي ماتثيسين، الذي ألف كتابًا عن تأثير انتفاضات الربيع العربي والطائفية على دول الخليج "المسألة شديدة الوضوح بالنسبة للإمارات.. الإخوان الآن هم عدوهم الأول تليهم إيران مباشرة".