«سكت الكلام والبندقية اتكلمت».. هذا هو لسان حال مناطق عدة فى القاهرة والمحافظات، غرقت بالسلاح النارى، وأصبحت سوقا رائجة يتعامل فيها التاجر والمشترى والوسيط بحرية كاملة، دون رقابة أمنية. «الشروق» اقتحمت هذا العالم السرى، فى منطقتى إمبابة والوراق، ورصدت بالصوت، اعترافات تجار أسلحة عن رواج تجارتهم السوداء، بداية من طلقات الخرطوش ومرورا ب«الفرد» والمسدسات والبنادق، وحتى الجرينوف والرشاش المتعدد، كما التقت بعدد من مصنعى مسدسات الخرطوش، فى ورش «بير السلم»، فى الوراق وإمبابة، وكشفوا فى تسجيلات صوتية طريقة عملهم، وحفظهم للأسلحة، وترويجهم لها، قبل ساعات تفصلنا عن أحداث 30 يونيو نهاية الشهر الحالى، فى غياب أمنى.
وتشير معلومات مؤكدة إلى حصول المواطنين للأسلحة، على حد سواء ممن يؤيدون جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها من تيارات الإسلام السياسى الأخرى، وبين المواطنين من المعارضين وغير المنتمين للأحزاب السياسية.
كانت البداية عندما تخفى محرر «الشروق» بحثا عن أماكن بيع وشراء الأسلحة، فى هيئة مواطن يبدى قلقه من أحداث 30 يونيو، ويبحث عن سلاح يؤمن به بيته وأفراد عائلته.
«الشروق» التقت تاجر أسلحة يدعى (أ. ف) فى منزل ريفى، الأسبوع الماضى، فى مضيفة، ضمت عددا من أصدقائه وجيرانه، وتحدث باعترافات مطولة عن أسعار وأنواع الأسلحة ورغبة المواطنين فى اقتنائها بأى ثمن.
يقول (أ.ف): زادت أسعار الطلقات الحية والخرطوش، فمن شهرين أو أكثر كانت علبة الخرطوش عيار 16 تباع ب450 جنيها، والآن 500 جنيه فأكثر، أما العلبة عيار 12 كانت تباع ب275 جنيها والآن 300 فأكثر، وتابع: «العلبة الحية عيار 39×7.62 كانت تباع ب300 جنيه، والآن ب360 فيما أكثر.
شاهدت «الشروق» التاجر وهو يُخرج بندقيتين ملفوفتين فى أقمشة بيضاء، كانتا مدفونتين فى غيط، على بعد خطوات من منزل التاجر، وأخذ يجرب السلاحين أمام المشترى، تعاقد معه على شراء قطعتى سلاح وطلقات حية.
بدأ المشترى فى تقليب ومعاينة البندقيتين، ثم فاصل التاجر فى السعر على 15 ألف جنيه للواحدة، ثم تحدثا عن دفع مبلغ مقدم، والباقى بعد إتمام البيعة.
الجلسة التى تداول فيها الحاضرون إعداد أحجار الشيشة المطعمة بالحشيش، تحدثوا فيها أيضا عن بيع، مدفعية ثقيلة، إذا لزم الأمر.
وتابع التاجر أ.ف، حديثه عن أسعار الأسلحة: «البندقية الآلى ال36 تباع ب15 ألف جنيه، وال56 الآلى (تلاتة نظام) ب18 ألفا، والخشب ب10 آلاف، والجرينوف والمتعدد يباع أيضا، لكن حسب الطلب، لأنه يعتبر من الأسلحة الثقيلة التى لا تأتى إلا عند الطلب، وتحدث التاجر عن ظروف حبسه على ذمة قضية، لتجارته فى طلقات نارية.
وأضاف أ.ف، أن البنادق الآلية تحديدا تأتى عن طريق ليبيا، بواسطة بعض العرب، ينقلونها من السلوم إلى باقى المحافظات، وتابع: أنه يشحن الأسلحة التى يشتريها بالجملة عن طريق كوم السمن، بالقليوبية، والجعافرة لمحافظة القليوبية.
وبالنسبة للأسلحة الخرطوش، تأتى لنا من بعض ورش التصنيع، وأحيانا عن طريق حرفيين يقومون بتصنيعها يديويا فى منازلهم.
وقال ثلاثة من تجار السلاح، ل«الشروق» إنهم يقومون بتجنيد عمال اللحام والحدادة للعمل معهم فى التجارة لأنها مربحة جدا، كما قال تجار ووسطاء إنهم لا يميزون فى عمليات البيع بين الملتحين وغيرهم، مؤكدا أن الفئة الأخيرة يشترون الأسلحة بكميات كبيرة، ومنهم من يصنعها فى منزله.
وقال م.م، تاجر أفردة خرطوش، إنه يحصل عليها عن طريق أصحاب الورش فى الوراق وإمبابة، مؤكدا أن تجار الورش يضعون رسومات ومقاسات محددة بأفردة الخرطوش، ويتم التصنيع على أساسها.
وتابع: الورشة الواحدة بإمكانها إنتاج أكثر من 25 قطعة سلاح يوميا، سعر تكلفتها 130 جنيها فقط، وتباع ب900 جنيه فأكثر.
«الشروق» التقت التاجر م. م. فى شارع بمنطقة إمبابة، وبعد أن اطمأن لنا، تحدث عن علاقته ب«الحكومة»، فى إشارة إلى أفراد وأمناء شرطة بمركز شرطة إمبابة، مؤكدا أنه لا يعرف شيئا عن مصانع إنتاج السلاح، لكنه يقر بأنه يعرف العديد من أفراد الشرطة، مؤكدا أنهم يدركون جيدا أنه يتاجر فى الأسلحة لكنهم لم يلقوا القبض عليه.
وأفاد التجار الثلاثة الذين التقتهم «الشروق» بأنهم لا يخبئون الأسلحة فى منازلهم، ولكن يستأجرون شققا ومنازل أخرى أو فى الأراضى الزراعية.
وقال م.س. تاجر أسلحة، إن سعر البندقية الخرطوش الأمريكية تباع ب13 ألف جنيه، ومنها الثمانى طلقات ب15 ألف جنيه، والصينية، (لسه نازلة السوق جديد) بزر أمان تباع ب15 ألف جنيه.
عادة ما يكون هناك طرف ثالث بين البائع والمشترى، وهو الوسيط، وهؤلاء تقابلهم فى الحوارى والشوارع بمناطق شعبية لا حصر لها، لكن فى إمبابة والوراق الوضع أكثر سهولة، قد تلتقى هؤلاء على المقاهى، يتحركون بحرية كاملة بعيدا عن قبضة الأمن وخارج نطاق وسيطرة الدولة.
«الشروق» التقت أكثر من 9 وسطاء يعملون فعليا بين التجار والمشترين، مقابل حصولهم على عمولة لقاء صفقات البيع، مؤكدين أنهم ينشئون علاقات صداقة فى محيط المنطقة، التى يعيشون بها، وأن منهم من يحصل على عمولة من الطرفين، حتى تتم «البيعة»، ومنهم من يتوسط لدى التاجر لتخفيض سعر السلاح ليأخذ أجرا إضافيا من الطرف الثانى، ومنهم من يتوسط لدى التاجر دون الحصول على أى عمولة.
ولاحظت الشروق خلال جولتها، أن كلمة الخوف من الحرب الأهلية، شاعت فى الآونة الأخيرة، بين المشترين للأسلحة، ويبررون ذلك يريدون حماية منازلهم وأسرهم، كما حدث اثناء اندلاع ثورة 25 يناير، وأنهم يتوقعون قيام حرب أهلية فى مصر، ويتحدثون عن ثورة جياع قادمة، وأحداث نهب وسرقة واقتتال فى الشوارع، وتزايد فى أعمال البلطجة والسرقة بالإكراه، «على كل مواطن شراء سلاح، منعرفش الأيام مخبية لنا إيه