ينقصنا نظام حكم وطنى رشيد غير عميل لأى قوى أجنبية لديه رؤية لمستقبل مصر وقدرة على تحقيق الاستثمار الأمثل لإمكانات مصر المهدرة والمنهوبة. كنت كلما سافرت إلى الخارج يزداد غضبى من النظام ورجاله وادعو الله أن يعجل بالثورة وبالإطاحة بهذا النظام الفاسد الذى يهدر ثروات البلاد ويهدر معها كرامة الانسان المصرى وآدميته ويعيق تقدمه وتطوره. ذلك أننى كنت دائم المقارنة بين أحوال الناس فى كل بلد أزوره وأحوال أهل بلدى.
الذين أعتبرهم من أعظم شعوب العالم بفضل ما يتمتعون به من تراث حضارى عريق ومن خصال اكتسبوها وتوارثوها عبر تاريخهم الطويل تظهر وتتجلى عندما تتاح لهم الفرص الملائمة فى بلدهم أو فى الخارج فيبدعون علما وأدبا وفنا وانتاجا يشهد لهم به العالم فى كل مكان وقد تجلت هذه الخصال الرائعة للشعب المصرى أيام الثورة وحظيت بإعجاب العالم واتخذ شباب أوروبا من ثوار مصر نموذجا يحتذى.
لقد كنت أتساءل دائما: ماذا ينقصنا لكى نصبح مثل أى بلد متقدم فلدينا كل مقومات الرقى والتقدم: ثروة بشرية تزيد على الخمس وثمانين مليونا من البشر وأراض تبلغ مساحتها مليون كيلومتر مربع ومياه نهر النيل العظيم وبحيرات وشواطئ ومياه إقليمية لبحرين وموقع جغرافى متميز ومصادر هائلة من الطاقة المتجددة ومعادن فى باطن الأرض لم تستخرج.
وكانت إجابتى الذى ينقصنا نظام حكم وطنى رشيد غير عميل لأى قوى أجنبية لديه رؤية لمستقبل مصر وقدرة على تحقيق الاستثمار الأمثل لإمكانات مصر المهدرة والمنهوبة، وكنت أستعيد دائما تجربة ثورة يوليو 1952 التى حققت إنجازات رائعة لمصر خلال 15 عاما فقط ولو لم يتم اجهاضها والانحراف بمسارها بفعل تكاتف القوى المحلية والإقليمية والدولية المعادية لأصبحت مصر الآن فى مصاف البلدان المتقدمة.
•••
وعندما قامت ثورة 25 يناير مطالبة بإسقاط النظام الفاسد ارتسمت فى مخيلتى صورة لمصر كما تستحق أن تكون بعد إقامة نظام وطنى مدنى رشيد وديموقراطى يكون الإنسان المصرى فيه هو الغاية والوسيلة لتحقيق الرفاهية والتقدم: مصر ذات الاقتصاد القوى الذى يوفر احتياجات البشر جميعا ويوفر فرص العمل المنتج لكل قادر عليه والذى تختفى فيها الأمية ويكون فيها التعليم متاحا للجميع حتى أعلى مراحله ويتسم بالجودة العالية وينمى قدرات الشباب الإبداعية وتختفى فيها العشوائيات ويتوافر السكن الملائم
لكل إنسان فيها وتزدهر فيها العلوم والثقافة والفنون وتسودها العدالة الاجتماعية وتكافؤ فرص الحياة ويرتفع مستوى الخدمات الصحية ويتمتع فيها الإنسان بكل حقوقه ويسود فيها التسامح الدينى والإخاء ومبادئ المواطنة ويعيش فيها الإنسان فى بيئة نظيفة آمنة وتذوب فيها الفوارق بين الريف والحضر وبين الطبقات وتتمتع بمكانة دولية عالية تليق بها ويعود للمصرى احترامه وتقديره أينما ذهب.
هذه هى الصورة التى تستحق مصر أن تكون عليها وهى التى ثار الشعب المصرى من أجل تحقيقها والتى لا يريد أعداء الإنسانية أعداء الشعب وأعداء الثورة أن تتحقق ويحشدون كل طاقاتهم من أجل إجهاضها. إنهم لا يدخرون وسعا فى.
اللجوء إلى أحط الأساليب لتزييف وعى الشعب باسم الدين تارة وباسم الاستقرار تارة أخرى وبتخوين الثوار تارة ثالثة ويسخرون أبواقهم فى وسائل الإعلام لتحقيق أهدافهم الأنانية المحدودة والاستمرار فى احتكار السلطة والثروة إلا أنهم شديدو الغباء والتخلف الفكرى ذلك أنهم ما زالوا عاجزين عن فهم حقيقة ما طرأ على العالم كله من تغييرات، نظرا لجهلهم بحركة التاريخ وحقيقة نضج الشعب المصرى وكسره لحاجز الخوف وفهمه لألاعيبهم لدرجة أن أصبحوا مثارا لسخرية الشعب منهم.
•••
إن ميادين التحرير فى مصر كلها قد أثبتت قدرة الشعب على الصمود وعلى الإصرار على تحويل الصورة التى تجب أن تكون عليها مصر إلى واقع حى مهما كان الثمن كما أثبتت قدرته على فرز القوى المعادية له وكشفها وفضحها ولن يتمكن خفافيش الظلام وتحالفات القوة الغاشمة وأصحاب أو لصوص الأموال من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء أبدا. كل ما يمكنهم عمله هو تأخير الانطلاق ولكنهم فى نفس الوقت يعجلون بنهايتهم فلصبر الشعب عليهم حدود.
وها هى مصر بعد عامين ونصف العام من الثورة وبالرغم من كل ما قامت به القوى المتحالفة والمعادية للشعب وللثورة من محاولات لإجهاضها ومن جرائم قتل واعتقال وتعذيب وانتهاك لآدمية الثوار وأعراضهم وتزييف لوعى الجماهير وإرهابهم ومحاولات لتفكيك مؤسسات دولة مصر الحديثة أقول ها هى مصر عن بكرة أبيها تتمرد معلنة أن الثورة مستمرة حتى تتحقق كل أهدافها وإن 30 يونيو لناظره لقريب.